الخميس ٢٥ تموز ٢٠١٩ - 08:18

المصدر: اللواء

موازنة الولايات المتّحدة اللبنانية

أما وقد انهى المجلس النيابي دراسة واقرار موازنة 2019بعد مخاض عسير مرت به منذ بداية اعدادها، فيمكن القول ان هذه الموازنة هي نتاج مشترك لطبقة سياسية، أخرج كل من مكوناتها ما لديه لتسويق وتثبيت مواقعه ومكتسباته في الثروة الوطنية. لا يمكن اختصار نقاط الضعف في الموازنة بأنّها تحولت الى منصة تشريعية ألغت كل ما اعترضها من قوانين فقط، ولا في عدم تضمينها أية رؤية اقتصادية بالمعنى الحقيقي واقتصار مضمونها على عملية حسابية دفترية تهدف في نهايتها الى خفض الارقام ليس إلا، بل ربما تشير القراءة السياسية لها الى ما هو أعمق أثراً من أرقامها.
انتصرت الدولة على متقاعديها، هنيئاً لها، بما هم شريحة خارج الادارة وخارج دائرة التأثير،فاقتصر الاصلاح في الرواتب على  تخفيض تقديماتهم الاجتماعية وفرض ضريبة دخل على محسومات سبق أن اقتطعت منها هذه الضريبة، وذلك خلافاً للقانون. الايجابية الأكيدة في ذلك قد تكون في تحفيز المتقاعدين للتحرّر من أي ارتباط بمن يحسبون أنفسهم أولياء نعمتهم واستشعار الانتماء الى فئة اجتماعية عابرة للطوائف والمناطق، لها الحق بالحياة الكريمة وتمتلك الشجاعة لتحديد خياراتها السياسية. ما حصل قد حصل،وثبت بما لا يقبل الشك أن ارادة أباطرة السياسة في لبنان أقوى بكثير من بعض المواقف الشجاعة التي أبداها البعض ولم تستطع تحقيق الاختراق المطلوب. فهنيئاً للمتقاعدين خروجهم من بطانة السياسيين وحظوتهم،وهنيئاً للقطاعات الأخرى  على اختلافها،خدماتية وسياسية،تكريسهاالاعتراف بها كاقطاعات سياسية داخل الادارة المركزية، وقد اطمأنت كل منها الى العيش في كنف منظرها ومرشدها وولي نعمتها حتى  أجل غير مسمى، وربما هناك قطاعات محظية تلتقي  فيها مصالح أكثر من اقطاع سياسي.
وقف القرار المركزي في الدولة اللبنانية عاجزاً أمام معضلة المعابر الشرعية وغير الشرعية. بدا  دور وزير الدفاع الوطني رعائياً اقتصر على تقديم بيان عددي بعدد المعابر غير الشرعية، وقد هاله التعامل معها وكأنها معابر لذوي الاحتياجات الخاصة التي يستوجب التعامل معها مراعاة الحالة النفسية لمستخدميها من سالبي المال العام. المشهد عينه تكرّر في الكهرباء بمولداتها وسفنها ومحروقاتها،إذ لم يلقَ أي اهتمام عدم معرفة وزيرة الطاقة بمصير 80 مليون دولار صرفت على مدى أربع سنوات لتنفيذ خزانات الوقود لدى مساءلتها من قبل أحد النواب. وأما في الاتصالات فحدّث ولا حرج عن الغموض في دور مؤسسة أوجيرو والشركات الملتزمة التي تقوم بدورها وتستعمل موجوداتها دون أي مبرر.المشهد نفسه يستعاد في بدلات موظفي السلك الدبلوماسي التي يستمرون بتقاضيها وهم داخل الادارة المركزية وامام الاملاك البحرية والنهرية والتعديات على سكة الحديد، ليخيم الصمت على كل ما له علاقة بشركة المرفأ والجمارك بعد أن اعتقد المواطنون أن بشائر الاصلاح قد لاحت في الافق.
يقدّم المشهد العام لتفويض السلطة في لبنان وتوزيع عائدات الثروة الوطنية نموذجاً لدولة فدرالية مترهلة تمت مصادرة دورها بقوة الامر الواقع، ويهيمن حاكمو الولايات فيها على القرار الفدرالي. مشهد تكرّر أكثر من مرة أمامنا في الافلام الاميركية حين يقف رجل الامن والموظف الفدرالي بكل بلاهة عاجزاً عن تنفيذ القانون امام قطاع الطرق والخارجين عن القانون. يعبر الامر الواقع عن تفويض صلاحية المعابر غير الشرعية للولايات الشرقية وصلاحيات الدفاع الوطني للولايات الجنوبية، ويعود مصير الثروات البترولية في البحر لتوافق بعض ولاة الولايات الجنوبية والشمالية مع القوى الدولية. أما بيروت فهي مدينة مفتوحة يسمح فيها بجزر ذات خصوصية أمنية واقتصادية ويتولى مرفأها ومطارها قوى محلية، بالتنسيق مع قوى الأمن الفدرالية، تتولى دفع المستحقات التي تراها مناسبة للخزينة الفدرالية.
اسئلة عديدة جديرة بالطرح في مواجهة التحديات الاقتصادية المستحقة، كيف ستتمكن الحكومة الفدرالية من اعداد موازنة 2020 في ظل تنامي نفوذ الولاة اللبنانيين وضعف السلطة المركزية؟ ما هي الاسس التي ستعتمد لتخفيض العجز، ومن هي الضحية المقبلة التي ستدفع ثمن تخفيض عجز الموازنة، ومن هو المستفيد من تحلل الدولة في لبنان في ظل التحديات المطروحة على المنطقة؟
موازنة 2019 استحقت بجدارة تسمية موازنة الولايات المتحدة اللبنانية!….

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها