الخميس ٢ آب ٢٠١٨ - 09:37

المصدر: ليبانون فايلز

نحو تدخُّل دولي لمحاربة الفساد في لبنان؟

إنّ التصريحات الأخيرة لفخامة الرئيس العماد ميشال عون حول الفساد تسلِّط الضوء على أنّ هذا الوباء ينذر بالخطر على المستوى الوطني. فلبنان، الذي بلغ دينه العام الـ78.2 مليار دولار وعجز في الموازنة العامة قدره 4.97 مليار دولار (حسب موازنة 2017) وبمعدّل نموٍّ لا يتعدّى الـ2٪، يسعى إلى الخروج من هذه الأزمة من خلال مساعدات المجتمع الدولي ومن خلال استثمار الثروات النفطية على المدى المتوسّط.

وفق “منظمة الشفافية الدولية”، يحتلُّ لبنان مرتبة عالية جداً (143/180) من بين أكثر الدول فسادًا. وعلى الرغم من هذه البيانات، فقد تمّ التحقيق في عددٍ قليل جداً من قضايا الفساد وملاحقتها قضائياً ـ على الرغم من الأموال التي أُنفقت في الانتخابات التشريعية عام 2018، وكان أشهرها قضية الاختلاس في “الهيئة العليا للإغاثة” في رئاسة مجلس الوزراء وعدد من الملاحقات على مستوى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من باب الإصلاح بفضل مديرها العام. إنّ تصريحات الرئيس عون يجب أن تُفسَّر على المستوى القانوني، بحيث أنّ الفساد لا يعني فئة الموظفين الرسميّين فحسب، بل يشمل أيضاً أشخاص القطاع الخاص، خصوصاً وأنّ قانون العقوبات اللبناني يجرّم الراشي أيضًا الذي يُقدِم على رشوة شخصٍ من القطاع العام بموجب المادة 353.
وعلى المستوى الوطني، على المشترع اللبناني التدخٌّل على مستويات عدّة، لا سيما من خلال إصلاح تشريعي لإعادة هندسة هيئات الرقابة العامة وتحديد اختصاصاتها المشتركة والمتشابكة والحدّ من تبعيّتها للسلطة التنفيذية كما هو حال “هيئة التفتيش المركزي” و”إدارة المناقصات” و”مجلس الخدمة المدنية” و”الهيئة العليا للتأديب” و”ديوان المحاسبة”. لا ينبغي إضافة “وسيط الجمهورية” كجسم رقابيّ جديد إلى لائحة هذه الأجهزة، ممّا يزيد من عرقلة النظام الرقابي، بل يجب أنّ يُطبّق كبديل عن أجهزة رقابيّة كلاسيكيّة أظهرت فشلها. بإمكان فخامة رئيس الجمهورية من خلال مجلس الوزراء أو من خلال كتلة “التيّار الوطني الحرّ” البرلمانية اقتراح إنشاء محكمة خاصة مستقلة لمكافحة الفساد لمقاضاة “جرائم الفساد الفظيعة”.
من المُلحّ أن يجد لبنان آلية مراقبة باستطاعتها حماية المال العام بشكلٍ جذريّ، حيث يبدو أنّ المجتمع الدولي حذر جداً على هذا المستوى، خصوصاً وأنّ المساعدات المالية ومساهمات الدول المانحة هي فعليّاً أموال مواطنيها. يجب على لبنان أن يحترم التزاماته الإصلاحية وأنْ يضع إجراءات ونظام ضمانات موثوق من أجل تشجيع المجتمع الدولي على تنفيذ مقرّرات المؤتمر الدولي “سيدر” ومؤتمر روما الثاني الخاص بدعم الجيش اللبناني.
ففي حال أعلن النظام اللبناني نفسه أنه عاجز عن محاربة الفساد، العامل الرئيس المؤدّي إلى عجز الموازنة العامة وصولاً إلى الإفلاس، فمن المُرجَّح أن يُنشئ المجتمع الدولي نظامًا رقابياً لضمان الصرف المناسب لهباته وقروضه يمكّنه من استرداد ديونه في المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن لبنان دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد منذ العام 2009، والتي تضم 186 دولة. إنّ تطبيق آليات مكافحة الفساد المذكورة في الاتفاقية المذكورة، بما في ذلك عملية استعراض التنفيذ الدوري، يمكن أنْ يفتح الباب أمام الأمم المتحدة للتدخل من خلال إجراءات عدّة، بما في ذلك إرسال لجنة تحقيق دوليّة مستقلة، خصوصاً وأنّ المشترع اللبناني يعتبر الفساد أحد عناصر جريمتي تبييض الأموال وتمويل جرائم الإرهاب بموجب المادة 1-9 من القانون 44/2015. لكن أيّة محاولة لمقايضة الدين العام للدولة اللبنانية مع تجنيس المهاجرين السوريّين ما هي إلا جريمة فساد شنيعة تقارب جريمة الإتجار بالبشر. علماً، أنّه يجب ألّا تكون مسألة مكافحة الفساد في لبنان رهينة مبدأ التوافقية السياسية الإقطاعية حيث إنّ أسيادها لا يزالون يُمعنون في ممارسة الحكم عبر استغلال الميثاق الوطني كذريعة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها