الخميس ٥ أيلول ٢٠١٩ - 09:34

المصدر: النهار

هل صحيح أن ثمة “حرب إلغاء” تستهدف “القوات” وما ردّ “التيار الوطني الحر” على ذلك؟

ابان احتدام الوضع الامني على الحدود الجنوبية طوال الايام السبعة الماضية، كان حزب “القوات اللبنانية” ينفّذ حراكاً سياسياً اتخذ صفة الكثافة والعجلة والتصعيد، مما أوجد انطباعاً لدى الكثيرين فحواه ان هذا الحزب الممثل في الحكومة قرر دفعة واحدة المضي قدماً في اتجاه “انتفاضة سياسية لا تبقي ولا تذر”، وأنها في أقل الاحتمالات ستفضي الى قلب الطاولة في وجه الجميع.

وقد تجلَّت الترجمات العملية لهذا التوجه في الخطوات الآتية:

– إطلاق حملة اعلامية مهَّد لها هذا الفريق لخطاب رئيسه سمير جعجع الاحد الماضي إحياءً لمناسبة عزيزة عليه، تحت عنوان انه سيقول فيه كلاماً “غير مسبوق في وجه الخصوم والحلفاء على السواء”.

– بعد أقل من 24 ساعة على إطلاق هذا الموقف، كان لجعجع موقف نوعي في اللقاء الاقتصادي – المالي الذي انعقد بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا الاثنين الماضي، اذ دعا خلاله الى استقالة الحكومة الحالية ومن ثم انكفاء طوعي للطاقم السياسي الحاكم عن الواجهة إفساحاً في المجال امام نخبة سياسية اخرى بذريعة ان النخبة الحالية أخفقت في تحقيق الانقاذ الاقتصادي المنشود.

– تلا تلك المواقف النوعية المميزة إطلاق الفريق إياه حملة اعلامية اخرى عنوانها العريض: ثمة حرب إلغاء وإقصاء تُشَنُّ عليه، وضع فيها (الفريق) نفسه في موقع المظلوم المستهدَف من الجميع، والذي لا يراد له ان يؤدي دوره.

وكان واضحاً ان هذا المسار المعدّ له قد مرَّ من دون ان يلقى الصدى المطلوب والغاية المتوخاة من جانب معدّيه لاعتبارات واسباب عدة، منها ان تداعيات الوضع الامني الطارئ والملتهب على الحدود الجنوبية قد طغى على ما عداه من تطورات، ومنها ايضا ان حزب “القوات اللبنانية” سبق له ان استخدم اسلوب التهويل واثارة الضوضاء، وبالتالي فان العودة الى هذا الاسلوب في هذه المرحلة قد استنفد سلفاً غايته وافقده عنصر المفاجأة والدهشة وأبطل اية مفاعيل ممكنة له.

الى ذلك، فالواضح ان الحلفاء المفترضين لهذا الفريق والخصوم على السواء، ليسوا في وضع يسمح لهم بالوقوف على خاطره واعطاء حركة اعتراضه وتصعيده الاهتمام اللازم والتجاوب معها او الرد عليها ومساجلتها، خصوصا ان هؤلاء (الحلفاء والخصوم) يدركون سلفاً الحدود القصوى التي يمكن ان تبلغها حركة الاعتراض لذلك الحزب الذي سعى الى إكسائها ثوب “الانتفاضة السياسية” ولفت الانظار باعتبارها حدثاً مدوياً.

وهكذا يتبدى ان رياح الامور لم تسر وفق ما خطط له وأراده حزب “القوات” ورئيسه، اذ ما لبث رئيس الحكومة سعد الحريري المفترض انه الحليف الابرز لهذا الحزب، ان اجاب باقتضاب شديد عن سؤال يتعلق برأيه في دعوة جعجع التي اطلقها خلال لقاء قصر بعبدا الاقتصادي الى استقالة الحكومة، بالاشارة الصريحة الى ان صاحب هاتيك الدعوة لم يكلّف نفسه عناء مغادرة صفوف هذه الحكومة. وهو ما ينطوي على نوع من عدم الرهان على هذه الدعوة، وعلى نوع من عدم الخوف او التوجس منها.

وحيال ذلك فان السؤال هو: ما الذي يدفع حزب “القوات” الى ركوب هذا المركب الخشن وإحداث كل هذه الضجة في الوقت غير المؤاتي؟

الراصدون لمسلك هذا الفريق يعرفون انه بدأ حراكه التصعيدي منذ الاشهر الاولى لعملية استيلاد الحكومة الحالية، وبعدها مباشرة شرع في فتح معركة ملف التعيينات الادارية عندما كان اول الذين اضاؤوا على هذا الموضوع وفتح بشكل مبكر اوراق هذا الملف، مطلقاً الانذار مما يظن انه تفاهم خفي يبدد ما يعتقد انه حصته من كعكة هذا الملف الدسم.

ولم يعد خافياً ان وتيرة الهجوم الوقائي لهذا الحزب قد ارتفعت على نحو غير مسبوق منذ أتت تعيينات المجلس الدستوري الاخيرة خلواً من اسم الشخص الذي سمّاه هذا الفريق ليكون ضمن الاسماء المسيحية في عضوية هذا المجلس. ومذذاك كان عنوان حملة “القوات” ان هناك “حرب الغاء عليها وعلى حجم حضورها السياسي”.

وليس خافياً أيضاً ان الجزء الاكبر من هذه الانتفاضة التي شرعت “القوات” في اعلانها وجعلها شغلها الشاغل الى اجل غير مسمى، يبدو موجهاً اكثر ما يكون ضد “التيار الوطني الحر”، خصوصاً ان جعجع رفع في اطلالته الاعلامية الاخيرة وتيرة تصويبه على هذا الفريق (“التيار البرتقالي”) اضافة الى العهد، وقد وجّه الى كليهما سهام الانتقاد بالجملة مستخدماً هذه المرة مصطلح “الارانب”.

وفي هذا السياق، يقول عضو تكتل “لبنان القوي” والقيادي في “التيار” النائب الان عون في تصريح لـ “النهار” انه “لا يجد اطلاقاً ما يبرر كل هذا الكمّ الكبير من الضجيج الذي يحدثه هذا الفريق”، بل ويرى فيه “نوعاً من المبالغة والتضخيم واستطراداً اللاواقعية واللاعقلانية السياسية”.

ويضيف: “نحن من جهتنا ننفي ان نكون في صدد العمل على الغاء هذا الفريق او سواه من ساحة الحضور والفعل السياسي، وقد قلنا ذلك مراراً ونعيده الآن”.

ثم قال: “نحن لا ننكر ان ثمة حساسيات سياسية، وهناك ايضا نوع من التراجع في العلاقة بيننا، وهناك ايضا تجاذبات زاد منسوبها بعد الحديث عن فتح باب التعيينات الادارية في الآونة الاخيرة، لكن الاكيد بالنسبة الينا اننا لا نعدّ لشيء اسمه حرب الغاء او سوى ذلك من المصطلحات التي يستمرىء البعض استخدامها بكثرة بغية كسب العطف وجذب الانتباه ورفع الشعار ليس إلا”.

وعن موضوع استبعاد مرشح حزب “القوات” للمجلس الدستوري قبل مدة، اجاب النائب عون: “امر تمثيل هذا الفريق بمرشح لهذا المجلس كان مطروحاً، ولكن ثمة إشكالات وتعقيدات برزت في اللحظة الاخيرة وتتصل بمذهب المرشح حالت دون ان يتمثل، ولكن الاكيد ان ليس هناك اي حرب الغاء على احد، وموضوع تمثيل هذا الفريق في التعيينات المقبلة كان ومازال مطروحاً”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها