swiper image
swiper image
swiper image
مجتمع
gallery icon
الأثنين ٧ شباط ٢٠٢٢ - 12:51

المصدر: صوت لبنان

عظة البطريرك الرَّاعي في جنازة المثّلث الرحمة المطران يوسف حتّي

في رتبة دفن المطران يوسف حتي في بكركي، ألقى البطريرك كلمة جاء فيها:

“منحه الله الهدوء من كلّ جانب”(سيراخ 47: 13)

سيادة السفير البابوي،

صاحبي السيادة ممثّلي صاحبي الغبطة يوسف عبسي ويوسف الثالث يونان،

إخواني السادة المطارنة الأجلّاء،

قدس الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات،

الكهنة والرهبان والراهبات،

أهل المثّلث الرحمة المطران يوسف الحتّي الأعزّاء.

1.منح الله أخانا المثلّث الرحمة المطران يوسف حتّي “الهدوء من كلّ جانب”( سيراخ 47: 13)، كما جاء على لسان يشوع بن سيراخ. هذا الهدوء رافقه على مدى السبع وتسعين سنة من العمر. عاش بهدوء وأسلم الروح بهدوء في عيد دخول المسيح إلى هيكل أورشليم، وتقدمته لله. في هذه الساعة المحدّدة من الله دخلت روح المطران يوسف إلى هيكل الله في أورشليم السماويّة، وسلّم ذاته كاملة مع الوزنات الخمس مضاعفة. فصحّ فيه القول المأثور: “الإنسان، بطريقة حياته، يختار طريقة موته”.

2. لقد عرفنا المطران يوسف، كاهنًا وأسقفًا، وكان في كلّ الحالات رجل هدوء وسلام وأخلاقيّة وصفاء قلب. في بيت المرحومين حبيب الحتّي ولميا علوان من بلدة أيطو العزيزة، وُلد وتربّى مع أشقّائه الثلاثة، وهو كبيرهم، على الإيمان والقيم الروحيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة. وقد نسج معهم ومع عائلاتهم أفضل روابط الأخوّة، وشكّل مرجعيّتهم وسندهم. وآلمته وفاة إثنين منهم، وهما المرحومان موريس وروبير، فنرجو لشقيقهم عزيزنا ألبير العمر الطويل.

3. عرف مرارة اليتم بوفاة والده المبكّرة، وهو في العاشرة من العمر. فنهضت والدته بمسؤوليّة الأم والأب، وواصلت تربيته مع أشقّائه، بمؤازرة خاله المرحوم علوان الذي كان مختار البلدة، وبعد وفاته انتُخبت هيلمقدرتها وعصاميّتها ومؤهّلاتها الإداريّة، فكانت أوّل مختارة في لبنان. وبفضل ما كان يشدّ المثلّث الرحمة المطران يوسف إليها من حبّ واحترام، أوصى بأن يُدفن إلى جانبها في مدافن العائلة. وكان قد جُرح قلبه بموتها المفاجئ وهو في الثالثة والأربعين من العمر، وفي غمرة الفرح بتعيينه الواعد محاميًا عن العدل والوثاق في محكمة الروتا الرومانيّة سنة 1968 من القدّيس البابا بولس السادس، وبمرض شقيقه المرحوم موريس. فتمرّس من جديد على قبول كأس الألم الذي أنضج العاطفة الإنسانيّة المرهفة في قلبه.

وشدّته إلى المرحوم خاله علوان مشاعر المودّة والإحترام وعرفان الجميل، وكان يشعر أنّه ينتمي إلى عائلته. وهذا ما ظهر في علاقته ببنات خاله عزيزاتنا الأخت إليزابيت من راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، والأخت سميرة من راهبات الناصرة، والسيدة نللي وأسرتها، والمرحومة هند زوجة شقيقه المرحوم موريس. كما أخلص للمرحومين عمّيه وعائلتيهما.

4. عندما دعاه المسيح، الكاهن الأزليّ، إلى إتبّاعه في سرّ الكهنوت، لبّى الدعوة بفرح، ودخل المدرسة الإكليريكيّة في غزير، وبدأ دراسة الفلسقة في جامعة القدّيس يوسف بيروت. وإذ توسّم فيه المثلّث الرحمة المطران أنطون عبد رئيس أساقفة طرابلس آنذاك، الخصال والفضائل الكهنوتيّة والنجاح في العلم والنباهة، أرسله إلى فرنسا ليتابع دروسه الفلسفيّة واللاهوتيّة في إكليريكيّة St Sulpice، والمعهد الكاثوليكي في باريس. وبعد خمس سنوات سيم كاهنًاهناك، ومن بعدها أرسله المطران أنطون عبد إلى روما ليتخصّص في الحقّ القانونيّ والمدنيّ في جامعة مار يوحنّا اللاتران، فنال شهادة الدكتورا. وهكذا اتقن تمامًا اللغات الفرنسيّة والإيطاليّة واللاتينيّة.

5. هذه العلوم، مدّة ثماني سنوات خارج لبنان، أهّلته عند عودته سنة 1954، ليكون أمين سرّ أبرشيّة طرابلس، فقاضيًا في محكمة أبرشيّتها، ومن ثمّ في محكمة الكرسي البطريركيّ في بكركي، وأخيرًا في المحكمة الإبتدائيّة المارونيّة الموحّدة عند تأسيسها، وقد ترأسّها. وفي الوقت عينه علّم الحقّ القانونيّ في جامعة القدّيس يوسف-بيروت.

6. وإذ تمرّس في العمل القضائيّ، قاضيًا ورئيسًا ومحاضرًا، وتعمّق في المعرفة القانونيّة والإجتهاد، وازداد تفانيًا في العطاء عيّنه القدّيس البابا بولس السادس، كما أشرنا،سنة 1968 محاميًا عن العدل والوثاق في محكمة الروتا الرومانيّة. وتوسّعت خلال هذه الوظيفة، التي دامت إثنتين وعشرين سنة، مسؤليّات أخرى: فعلّم الأصول القضائيّة التطبيقيّة في المعهد الشرقيّ بروما للآباء اليسوعيّين، والفقه الإسلامي في جامعة القدّيس يوحنّا اللاتران؛ وعُيّن تباعًا مدّعيًا عامًّا في محكمة الفاتيكان المدنيّة، ومحاميًا عن الوثاق في كلّ من مجمع عقيدة الإيمان ومجمع الأسرار، وعضوًا في مجمع العبادة الإلهيّة، ومستشارًا في مجمع الكنائس الشرقيّة.

لقد عايشناه في روما، فكنّا نراه، فيما كان يعلو في المسؤوليّات، يتألّق في التواضع والبساطة والفضائل الكهنوتيّة التي قرّبته من القلوب، بالإضافة إلى علم وخبرة واسعين في الحقلين القانونيّ والقضائيّ، ونزاهة وعدالة في الأحكام. وكان في الوقت عينه يتعاون مع شقيقه المرحوم روبير على معالجة أخيهما المرحوم موريس، مضحّيًا بسخاء بكلّ ما يلزم لهذه الغاية.

7. وعندما إقترح سينودس أساقفتنا المقدّس إسمه، مع إثنين آخرين، على كرسيّ أبرشيّة مار مارون في أوستراليا، الشاغر بتقاعدالمثلّث الرحمة المطران عبده خليفة، عيّنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني في 15 كانون الأوّل 1990، مطرانًالهذه الأبرشيّة، وهو رسمه أسقفًا بوضع يده في بازيليك القدّيس بطرس في عيد الدنح 6 كانون الثاتي 1991.

ساس الابرشية بحكمة وحسن دراية مدة عشر سنوات (1991-2001)، متعاونًا مع الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين، فسادها الفرح الروحي وطيب الاستقرار. وتكفي شهادة القديس البابا يوحنا بولس الثاني، في الرسالة التي وجهها اليه في ذكرى يوبيله الكهنوتي الذهبي حيث كتب: ” لقد اتممت خدمتك المقدسة بغيرة كبيرة، وهي مناسبة لنهتئك على كل ما انجزت، سائرًا على خطى الراعي الصالح. فمن اجله لم تنفك تعلن بشرى الانجيل الذي هو ينبوع الكمال، ومصدر الايمان والرجاء والمحبة.”

8. ولما تقاعد لبلوغ السن القانونية، عاد الى لبنان. فسكن مع عائلة عزيزنا حبيب، ابن اخيه مدة سبع عشر سنة. (2001-2017) ملأى بالفرح وطيب العيش محاطًا بالمحبة والخدمة والاحترام. وهذا ما كنا نشاهده عندما كنا نزوره هناك.

وكان لا بدّ من القرار الصعب لينتقل الى المركز المتخصصDomaine du Rocher الواقع بين مزار سيدة لبنان وبكركي. فلقي هناك عاطفة وعناية مميزتين من صاحب هذا المركز السيّد غسان فياض والطاقم التمريضي. وكنا نقف دائمًا على أحواله من خلال سيادة أخينا المطران حنا علوان، نائبنا البطريركي العام الذي كان يواكبه في كل حالة، ويتفقده حتى دخوله المستشفى اللبنانيّ الجامعيّ في ايّامه الأخيرة حيث منحه سرّ مسحة المرضى والحلّ من خطاياه والغفران الكامل. وشارك قبل الدخول الى المستشفى في الذبيحة الإلهيّة وتناول جسد الربّ ودمه من يد صديقه الأب مالك بو طانوس. وهكذا أسلم الروح بهدوء مثل شمعة تنطفىء بشهادة ابنة شقيقه التي كانت بقربه. فتحقق فيه ما جاء في صلاة وضع البخور:

                 ما اشهى موت الابرار                   أسرارٌ ما اغلاها

                 آمــــالٌ مــا أحــلاهـــــــــــــــــا          غفوٌ في الأنـوار.

9.فليجد العزاء بكلّ ذلك جميع الموآسين، نحن شخصيًا،وسيادة السفير البابوي، والسادة المطارنة اعضاء سينودس كنيستنا المقدس، والكنائس الشرقية الشقيقة، ومطران ابرشية اوستراليا ونيوزيلندا واوقيانيا، ومطران أبرشية طرابلس، وكهنة هاتين الأبرشيتين والرهبان والراهبات والمؤمنون، وانسباء المثلث الرحمة المطران يوسف، وابناء وبنات بلدة ايطو في لبنان والمهجر الأعزّاء.

أجزل له المسيح “راعي الرعاة العظيم” (1 بطرس 4:5)، ثواب الرعاة الصالحين، وعوّض على الكنيسة باساقفة مخلصين ومقدّسين، يمجدون بحياتهم وخدمتهم الله الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.