المصدر: الحرة
الكرملين.. يعلم أو لايعلم!؟
ان كان يعلم أو لا يعلم، فلا فرق، لأن مصيبة جيشه قد وقعت، وهي مصيبة جديدة أكثر قساوة من غيرها في التوقيت وقع فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تؤكد أكثر من أي وقت مضى ان أجهزة الأمن والاستخبارات الروسية فشلت مجددا في عملها، ولم تستطع الوصول إلى خلف خطوط العدو، أي أن الفريق المُكلف جمع المعلومات عن نشاط الجيش الأوكراني لم ينجح في رصد تحركاته أو ملاحظة تغيرات في عملية انتشاره الميدانية، أو وضع احتمالات أنه يتهيأ لعمل ما بهذا الحجم، وأيضا فشل تقني إذ ان الأقمار الاصطناعية الروسية وطائرات التجسس لم تتمكن من رصد تحركاته.
في مسيرة الإخفاقات الروسية منذ بداية غزو أوكرانيا يبدو أنه لم تصل إلى مسامع الكرملين وأجهزته الاستخبارية بأن الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة قد قامت بتزويد أوكرانيا بكميات كبيرة من الأسلحة الحديثة القادرة على تحقيق فارق نوعي في الميدان، وان أكثر من تقرير سُرب إلى الاعلام بأن كييف تستعد إلى مرحلة قتالية جديدة جرى الإعداد لها بعد شهر أبريل الماضي، بعدما تم تدريب القوات الأوكرانية على كيفية التعامل مع السلاح الأميركي الجديد وإعادة ترتيب الجيش للانتقال من الدفاع إلى الهجوم.
تفتح الهزيمة الروسية في الجنوب والشرق الأوكرانيين أسئلة جديدة قديمة عن حالة القوات الروسية وعن مستقبل العمليات العسكرية ورد فعل الكرملين على هذه الهزيمة، ولكن لم يعد سرا إلا على الرئيس الروسي أن قواته لم تكن مؤهلة عسكريا ونفسيا لخوض هذه الحرب، وأن العتاد الروسي الحديث بدا بدائيا مقارنة بالسلاح الغربي الذي زُودت به كييف، والأهم وهو ما لم يسلط عليه الضوء جيدا حالة الجنود الروس وهل كانوا على قناعة بهذه الحرب، والأخطر في هذه الهزيمة أنها حصلت على أبواب الشتاء.
يراهن الروس منذ خمسة قرون على عوامل المناخ في هزيمة أعدائهم، لكن ما فاتهم هذه المرة أن من استعدوه هو من داخلهم، أي أنه يعرف هذه العوامل المناخية ومن الممكن ان تكون أيضا لمصلحته. فالقوات الأوكرانية ليست قادمة من خلف الحدود والكرملين هو الآن في موقع الغازي، والشتاء سيكون ضده أيضا، وسيُقيد عمل جيشه ويبطء حركته ويجعله صيدا سهلا أمام قوات المقاومة الأوكرانية، لذلك فإن احتمالات الرد الروسي ستكون قاسية جدا وتعتمد سياسة الأرض المحروقة، ولكن إن فشلت هذه الاحتمالات التقليدية ولم يتمكن بوتين من رد الاعتبار لنفسه ولجيشه ومع شروط مناخية صعبة عليه هل سيلجأ إلى عمل غير تقليدي؟
مأزق الكرملين في المواجهة الأخيرة في الميدان الأوكراني واضح وصريح، فهذا الإخفاق لا يمكن تغطيته أو تجاوزه، بعدما شاهد العالم هزيمة الجيش الروسي بالصوت والصورة، وتابع لحظة بلحظة كيف ترك عتاده وتراجع نحو الحدود وتقدم الجيش الأوكراني من دون أدنى مقاومة تذكر، كل هذا وكان أصغر مستخدم متابع للحرب على أوكرانيا يتابعه على هاتفه الذكي إلا الرئيس الروسي وفريقه الحاكم، ولعل هذا ما دفع برئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف إلى الحديث العلني عن الهزيمة الأخيرة.
ما تجرأ قديروف على قوله، على الأغلب ليس من بنات أفكاره، خصوصا أنه يعلم أن حياته السياسية تنتهي بقرار يصدر من الكرملين، لذلك أغلب الشكوك تُرجح أن صراعا داخل جدران الكرملين لم يعد ممكنا إخفاءه، وإن هناك من عليه أن يقول الحقيقة كما هي، وهناك طرفا عليه الاستماع إليها كما هي، وهذا يعني أن رؤوسا كبيرة سوف تتدحرج قريبا قد يكون لها علاقة إما بوزارة الدفاع أو بالأجهزة الاستخبارية، فهناك من سوف يُحاسب لقوله الحقيقة أو لإخفائها، ولكن يبقى السؤال الأصعب هل بوتين كان يعلم.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها