المصدر: المدن
استدعاء ناشطة بيئيّة بعد فضحها “جرائم” بحق حيوانات
بعد نشرها تغريدة على منصة “تويتر” تتهم فيها صاحب مطعم في منطقة “بحمدون”- جبل لبنان، بارتكاب جرائم عدّة بحقّ الحيوانات، من جملتها قتل غزالة في فناء مطعمه، بغية تحنيطها، ذلك بعد 5 سنوات من التعذيب، لعرضها في المطعم من دون حيازة رخصة لعرض الحيوانات (وفق روايتها).. استدعى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة والملكيّة الفكريّة، الناشطة غنى النحفاوي، نهار الجمعة الفائت 21 تموز، أي بعد أسبوعين فقط من نشرها التغريدة آنفة الذكر. واستدعاء الناشطة البيئيّة والمدافعة عن حقوق الحيوان، أثار موجة غضب عارمة في صفوف المواطنين، الذين تضامنوا معها، على اعتبار أن استدعاءها جاء فقط لفضحها مخالفة قانونيّة، بينما كان الأجدى مُعاقبة المخالف صاحب الشكوى ضدّها.
استدعاء الناشطة
ونحفاوي هي ناشطة بيئيّة تعمل منذ ما يناهز العشرة سنوات في مجال الدفاع عن حقوق الحيوانات، فيما تنشر وبصورةٍ دوريّة الانتهاكات التّي تطال الثروة الحيوانيّة والطبيعيّة في لبنان، فضلاً عن تكريسها صفحات التّواصل الاجتماعيّ الخاصة بها، في سبيل توفير الرعايّة للحيوانات الأليفة والنادرة المرميّة في الشوارع العموميّة، وتنظم حملات تبرع دائمة للمساهمة في الحدّ من ظاهرة الحيوانات المُشردة. وكما تجري العادة، نشرت الناشطة هذه تغريدة واصفةً فيها الانتهاكات التّي يُمارسها صاحب المطعم بحقّ الحيوانات وتحديدًا الطيور، لتتطرق لانتهاكٍ جديد، طال غزالاً كان متواجداً في فناء المطعم، وبعد قتله، قام المالك، بتحنيطه، وصلبه، لعرضه في المطعم. فيما جاءت التغريدة في سياق التحذير والتّبليغ عنه للجهات المختصة أهمها وزارة الزراعة، من دون ذكر اسمه أو التشهير به.
وبعد تلقيها مكالمة من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، بغية التحقيق معها والأخذ بأقوالها الثلاثاء 25 تموز، أفادت نحفاوي في حديثها إلى “المدن” أنها لن تقوم بمحو التغريدة، وهي مصرّة على موقفها من أي انتهاك يطال الثروة الحيوانيّة النادرة في لبنان، والتّي يحميها القانون من الانتهاكات. هذا بالتّوازي مع حملة تضامن افتراضيّة وضجّة إعلاميّة واسعة، ودعوات لإقامة وقفة تضامنيّة صباح الغد، أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة.
الانتهاكات البيئيّة
أما الناشطة فتشير إلى “المدن” أنها ليست المرّة الأولى التّي تفضح فيها أفراداً يخالفون القانون بما يتعلق بالصيد وتربيّة الحيوانات النادرة من دون حيازة رخص. قائلةً: “عادةً أوثق مخالفات تتعلق بالانتهاكات التّي تطال الثروة الحيوانيّة في لبنان، والأخرى المُتعلقة بالصيد الجائر للطيور والحيوانات البريّة التّي يحميها القانون اللبناني بموجب المادة 47/2017 الذي أصبح نافذًا من تاريخ إقراره عام 2017. للأسف، تنتشر ظاهرة عرض الحيوانات البريّة والنادرة في المطاعم اللبنانيّة، كالطيور، والأسود، والغزلان، وغيرها.. وعلى الراغب بعرضها يتقدم بطلب لوزارة الزراعة حيث تتأكد الأخيرة من توافر شروط اقتناء هذه الحيوانات كالأقفاص المُسيجة وغذائها وتوافر شروط سلامتها. وهذا يكون وارداً عادةً في الأماكن المفتوحة كالحدائق العامة، وحدائق الحيوانات. القانون يصل لحماية الحيوانات الداجنة كالدجاج، فما بالك بالحيوانات البّريّة المهددة للانقراض أساسًا”.
وتُضيف: “لا شيء شخصيّ بين وبين صاحب هذا المطعم، لكن هناك مبدأ هاماً وجديّاً أنه لا يجوز الاستخفاف بهذه الكائنات، وليس فقط من منحى عاطفيّ أتكلم، بل إن هذه الحيوانات هي ضمن السّلسلة البيئيّة التّي تحفظ لنا ما تبقى من الكوكب المخنوق واستمراريتنا كبشر عليه. وقد لحظ القانون اللبناني، فضلاً عن التشريعات الدوليّة هذه الحقيقة. هذا الشخص (تقصد صاحب المطعم) بدأت تجربتي معه منذ نحو السّنتين، بعدما وثقت انتهاكه لقانون الصيد الجائر، بصيده لطيور نادرة. وتقدمت بشكوى رسميّة لقوى الأمن الداخلي حينها. منذ فترة تلقيت صور لموت الغزال الذي نشرت عنه، وبعدما تحققت عن الأمر تبين أن الغزال تمّ قتله، وعليه، نشرت ما نشرت عن الموضوع. وما استفزني أكثر أن صاحب المطعم نفسه قام بالادعاء أمام وسائل إعلاميّة عدّة أنني “مدفوعة” من قبل أحزاب سياسيّة، في حين أن دافعي الوحيد هو التعاطف الإنساني”.
القانون اللبنانيّ
بعد إقراره في جلسته المنعقدة بتاريخ 16 آب 2017 في مجلس النواب، دخل القانون رقم 47 المُسمى قانون “حماية الحيوانات والرفق بها” حيز التنفيذ فور نشره في الجريدة الرسميّة. ويتألف القانون من 30 مادة، ويمثل إنجازًا هامًا للبنان، إذ يتضمن الموجبات العامة للتعامل مع الحيوانات بمختلف أنواعها، سواء الزراعية، أو الأليفة، أو الشاردة، أو الخطرة، أو المهددة بالانقراض. كما وينظم مجموعة من الأمور المتعلقة بالحيوانات، بما في ذلك جواز تملّكها واستخدامها في الترفيه والعمل والتجارب العلمية. كما يحدد شروط نقل الحيوانات والشروط الواجب توافرها في المنشآت التي تتعامل مع الحيوانات، وخصوصاً محلات بيع الحيوانات ومراكز التكاثر ومراكز التجارب العلمية والمزارع والمسالخ وحدائق الحيوانات ومراكز الإنقاذ.
بهذا القانون، تحقق تحسن نوعي في الواقع القانوني السابق، الذي اقتصر على مواد قليلة نصّ عليها قانون العقوبات المتعلقة بإساءة معاملة الحيوانات وبعض القرارات ذات الصلة باستخدام الحيوانات في العمل، والتي أصبحت غير منسجمة مع التطورات والمعايير العالمية. نشأ واقع جديد من خلال هذا القانون الذي يُعنى بمختلف جوانب حماية الحيوانات والتعاطف معها، فيما استند هذا القانون إلى توصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية واتفاقية “سايتس” المتعلقة بالتجارة الدولية للأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البريّة، واعتمد المعايير الدولية التي وضعها الاتحاد الدولي للنقل الجوي “IATA”.
قد لا يبدو مستهجنًا في دولة اللاقانون والشلّل المؤسساتي، أن تطفو على السّطح ظواهر أقلّ ما يُقال عنها بالغرائبية والبدائيّة، كتحنيط الحيوانات واقتناء أخرى نادرة، فقط للتباهي والتشاوف، في انتهاكٍ مُخزيّ للطبيعة الإنسانيّة المُتعاطفة كحدٍّ أدنى. وما استدعاء ناشطة بيئية على خلفيّة دفاعها عن حقوق كائنات ضعيفة، لا يدلّ سوى على ضعف ورثاثة الجهات المستدعيّة التّي لم تكلف نفسها أو تتحمل مسؤوليتها تجاه الانتهاك الفجّ التّي وثقته الناشطة.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها