المصدر: المدن
إيلون ماسك…النجاح المفرط المُملّ
ربما هي الصدفة التي دفعتني لقراءة جوانب من سيرة الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مؤسس شركة “سبيس أكس”، وفيها الكثير من التشعبات مما لم أكن أتوقعه أو أعرفه، إذ إن شخصيته إشارة إلى أن العالم يتجه في طريق مبهم ومتخيّل وممل. فالرجل “الرجعي” البارع والفائق في التقدّم التكنولوجي وكثير التناقضات، يجسّد نوعاً جديداً من أصحاب المليارات في العالم. في أيام أو في لحظات، ترتفع ثروته أرقاماً خيالية ربما تكون أقرب إلى الوهمية والشبحية، ومن جانب آخر، إذا ما وُزّعت ثروته فربما تقضي على الفقر في العالم.
لا يتعلق الأمر بثروة ماسك فحسب، بل بمشاريعه المستقبلية وعلاقته بالأشياء. فمالك منصة “اكس”(تويتر سابقاً) الذي “يحب التاريخ ولديه غرور كبير بما يكفي لدرجة أنه يفكر في نفسه كشخصية تاريخية”، بحسب كاتب سيرته الصحافي الأميركي والتر آيزاكسون، لا تنجو تجربته من “الشقاء”، وهو مصاب بطيف التوحد، أو متلازمة أسبرغر، ويعترف بأنها سبب ضعف قدرته “على فك رموز الإشارات العلائقية” في تعاطيه مع الآخرين. “ينجذب إلى الدراما”، ويخضع “لتقلبات عاطفية لا يمكن التنبؤ بها” تتجلى في الطريقة التي يدير بها الشركات التي يرأسها.
والرجل الناجح والمفرط في نجاحه، يعترف “إنه لا يحب الأشياء عندما تسير على ما يرام. إنه مدمن على الدراما. لذلك، ربما بسبب الملل، وضع ماسك خطة للاستحواذ على تويتر”. وأعطى ماسك، آيزاكسون، تفسيراً مختلفاً لشراء الشركة: “ما لم يوضع حدّ لفيروس العقل اليقظ الذي هو في الأساس مُناهض للعلم، ومُضاد للجدارة، ومعادٍ للإنسان بشكل عام، فلن تصبح الحضارة أبداً متعددة الكواكب”. وفي مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”، قال ماسك، إنه كان مدفوعًا للحصول على موقع التواصل الاجتماعي، بسبب الحاجة إلى الحفاظ على حرية التعبير في الولايات المتحدة، والتي يقول إن السياسيين اليساريين قلّصوها.
لا تقتصر المسألة على شخصه، فقد أمضى ماسك سنوات من دون لقاء والده، ثم وافق على رؤيته العام 2016. وعن ذلك اللقاء، يقول أحد أصدقاء ماسك في الكتاب: “كانت تلك المرة الوحيدة التي رأيت فيها يدَي إيلون ترتجفان”. وكتب مدوّن سيرته أن “ثمة أشخاصاً بعينهم، يحتلون زاوية شيطانية في دماغ ماسك، ويثيرون غضباً بارداً لديه. والده هو الأول بينهم”. وأشار إلى أن ماسك تعرض للضرب في كثير من الأحيان، ووبّخه والده كثيراً، لكنه عندما كان في العاشرة من عمره، بعد سنوات قليلة من طلاق والديه، اختار العيش معه.
والملياردير الذي عاش محنة مع والده، يعيش محنة مع ابنته كأنه ما زال يعيش في زمن الحرب الباردة وصراع الرأسمالية والشيوعية، يلقي باللوم على “الماركسيين الجدد” الذين استولوا على مدارس النخبة والجامعات الليبرالية، وحمّلهم المسؤولية عن فساد علاقاته بابنته، وأنها لا تريد أن تفعل شيئًا مع والدها الثري، حسبما نشرت صحيفة “نيويورك بوست” نقلًا عن حديث أدلى به ماسك لصحيفة “فاينانشال تايمز”.عند مناقشة موضوع ابنته التي هجَرته، فيفيان جينا ويلسون، والتي غيرت اسمها القانوني لتجنب أي صلة أو ارتباط بماسك، قال ماسك إن الأمر برمته يدور حول الشيوعية: “إنها شيوعية كاملة…”، لكنه لم يُشِر إلى اسم كلية معينة أو يكشف عن الكلية حيث تدرس ابنته.
وأعلنت فيفيان، التي ولدت باسم كزافييه ألكسندر ماسك، عن قرارها بتغيير جنسها ولقبها، وكتبت في أوراق المحكمة المرفوعة في مقاطعة لوس أنجليس طلب تغيير “الهوية الجنسية وحقيقة أنني لم أعد أعيش مع والدي البيولوجي ولا أرغب في الارتباط به بأي شكل”.
وثري الأثرياء الذي ينظّر لإنجاب الإطفال، يعتقد، بحسب آيزاكسون، أنه “في مرحلة ما، ستتضاءل القوة العقلية البيولوجية أمام القوة العقلية الرقمية”. ولذلك، هو يرى أن الحلّ الوحيد للوقوف في وجه القوة الرقمية التي يمثلها الذكاء الاصطناعي تكمن في إنجاب المزيد من الأطفال ومحاربة مسألة تناقص عدد السكّان. وقد أبدى ماسك مرات عديدة، قلقه بشأن الذكاء الاصطناعي الذي يعتبره “تهديداً وجودياً محتملاً”. وقرار ماسك إنشاء شركة للذكاء الاصطناعي “يعود جزئياً إلى المخاوف بشأن نقص السكان”. ويرى إن “كمية الذكاء البشري كانت تتراجع لأن الناس لم يكن لديهم ما يكفي من الأطفال. وفي الوقت نفسه، كان مقدار ذكاء الكومبيوتر يرتفع بشكل كبير”. وكشف أن شركته لتصنيع السيارات الكهربائية “تسلا” ستبدأ إنتاج “الروبوت البشري” المسمى “أوبتيموس”، اعتباراً من العام المقبل/ وأنها تعتزم تشغيله.
ويُعرف عن ماسك أنه يضع ترتيبات زمنية طموحة بالنسبة لمشروعات شركاته، إلا أنه لا يلتزم بها دائماً بالضرورة. في نهاية كانون الثاني الماضي، أعلن ماسك أن شركته “نيورالينك” نفذت أول عملية زرع شريحة دماغية، والتي من المفترض أن تسمح للإنسان بالتحكم في الكومبيوتر من طريق أفكاره وحدها.
وصارت شخصية ماسك قناعاً للمُتخيل الإنترنتي في زمن الذكاء الاصطناعي. فقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بصُوره، وهو يتراقص مع الروبوت “كاتانيلا” المصممة على هيئة امرأة. وادعى عدد من رواد فايسبوك أن الملياردير الشهير يعلن زوجته المستقبلية “كاتانيلا”، وهي أول فتاة آلية قام بتصنيعها وصُمّمت خصيصاً بالذكاء الاصطناعي بشخصية ومواصفات الأنثى التي يحلم بها، وهي غير موجودة في أي شخص طبيعي، ربما على طريقة المرأة في قصائد الشعراء. وادعى آخرون أن “كاتانيلا” تعمل بالطاقة الشمسية، ومزودة بوسائل حسية تجعلها تشعر بالحزن والسعادة، وأنها ذات عقلية متزنة وتفاعلية. وفي البحث عن حقيقة الصور، تبين أن موضوع زواج ماسك من الفتاة الآلية ليس له أي إثبات أو أساس، وأن تلك الصور التي تجمعه بها ما هي إلا صور صممت بواسطة تقنية الذكاء الاصطناعي “AI”.
وماسك الذي نال لقب “شخصية العام” في مجلة “تايم”، لأنه صاحب تأثير كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى اضطلاعه بمشاريع السفر إلى الفضاء والقيادة الذاتية للسيارات والنقل الكهربائي والذكاء الاصطناعي… لم يتردد في إثارة الجدل بعد نشره تغريدة في حسابه الشخصي في “إكس” ادعى فيها قيام الكائنات الفضائية ببناء الأهرامات… ربما على شاكلة مَن يقتنع بالجن!
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها