خالد حمادة

الثلاثاء ٢٤ حزيران ٢٠٢٥ - 10:58

المصدر: اللواء

من تصدير الثورة إلى تصدير الحرب لبنان في عين العاصفة

دخلت الولايات المتحدة الأميركية الحرب على إيران من بابها الأوسع بعد أن قصفت طائراتها المنشآت النووية الإيرانية في مواقع «فوردو» و«نطنز» و«أصفهان» منهية بذلك الجدل القائم حول احتمالات المشاركة الأميركية المباشرة في الحرب وسيناريوهات الرد عليها. العملية التي سميّت «مطرقة منتصف الليل» أميركية بامتياز ، من أطلقها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشاركت فيها 125 طائرة عسكرية أمريكية، بما في ذلك سبع قاذفات شبح من طراز بي-2 استخدمت 14 قنبلة أميركية خارقة للتحصينات وفقاً لتصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال «دان كين».
يؤشر الإعلان المتلفز للرئيس الأميركي بعد ساعتين تقريباً من العملية «أن الهجمات المستقبلية ستكون «أشد وطأة»، ما لم تتوصل إيران إلى حل دبلوماسي …. وأنه لا يزال هناك العديد من الأهداف» إلى نهاية مرحلة التناغم الإيراني الأميركي في الشرق الأوسط التي بدأت مع الحرب على العراق عام 2003، والإنتقال إلى مرحلة جديدة ابتدأت في 13 يونيو/حزيران 2025 ولا تزال تداعياتها مستمرة.

خرجت المنشآت النووية عن العمل أو على الأقل تراجع البرنامج النووي سنوات الى الوراء، هذا ما أكّده المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، فافتقدت إيران بذلك إحدى نقاط قوتها التفاوضية. وبمعنى آخر حقّقت الولايات المتحدة الهدف الأول من الحرب وإن بشكل جزئي، كما تراجعت إيران الى موقع الدفاع عن قدراتها الصاروخية وهو الهدف الآخر على لائحة الأهداف الثلاثية لواشنطن. المأزق الإيراني في هذه المواجهة المفتوحة ليس في اختلال ميزان القوى لصالح الولايات المتحدة، فقد اعتادت إيران على مواجهات غير متكافئة. لكن المأزق أن إيران تقاتل هذه المرة في عقر دارها ودون الأذرع التي اعتادت أن تخوض المعارك عبرها بالوكالة وأن تملي عليها شروط التفاوض مهما بلغت الخسائر، أليس هذا ما حصل في غزة وما يحصل في لبنان واليمن؟
لم يكن أمام طهران سوى خيار واحد لا بديل عنه وهو تصدير الحرب الى دول الجوار لتوسيع نطاق المواجهات والأهداف، وتخفيف الضغط عن الجبهة الداخلية التي تنوء تحت أزمة إقتصادية خانقة منذ سنوات وتعاني من تصدعات على خلفيات مذهبية وإثنية وسياسية. تصدير الحرب وتوسيع نطاق الحرب لا يمكن تحقيقه سوى بأحد الخيارين: إما بمهاجمة المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة وإما بتفعيل الأذرع لتنفيذ عمليات محدودة باتّجاه الداخل الإسرائيلي أو لشن هجمات محدودة نحو مواقع ومصالح أميركية أو لحلفاء واشنطن في المنطقة. مغامرة الأمس بمهاجمة قاعدة العديد في قطر كانت الخطوة الأولى في هذا الإتجاه.
الهجوم الصاروخي بالأمس الذي أُبلغت به الدوحة وواشنطن قبل إطلاقه لم يكن فقط نوعاً من المحاكاة لما يمكن أن يكون عليه الوضع في المستقبل إذا ما استمرت الحرب، بل كان محاولة إيرانية واضحة لإحداث نوع من التوازن المصطنع الذي قد يعيدها إلى طاولة التفاوض دون أن يعرّض علاقاتها بدول المنطقة لمزيد من التراجع، ودون أن يشكل سبباً إضافياً لمزيد من التدخل الأميركي المدمر بعد ضربة المنشآت النووية.
المواقف التي يمكن قراءتها حتى الآن جاءت شاجبة بأشد العبارات اللهجوم، وربما أبرز ما صدر كان الموقف القطري الذي جاهر بتصدي الدفاعات القطرية لإسقاط الصواريخ دون أي تأكيد من قبل الولايات المتحدة على مشاركتها في الدفاع عن قاعدتها العسكرية. ربما ما كانت تصبو إليه طهران هو مسارعة دول الخليج العربي إلى المطالبة بوقف لإطلاق النار والعودة إلى طاولة التفاوض، بما يتيح لطهران التقاط الأنفاس والخروج من عزلتها تحت عنوان تسوية الملف النووي عن طريق الحوار.
ماذا يتبقى أمام طهران من خيارات إذا لم يؤتِ الهجوم نحو قطر الثمار التي ترومها طهران؟ هل يتكرّر الهجوم باتّجاه قواعد أميركية أخرى في دول خليجية أخرى ليتحوّل إلى قواعد اشتباك بين إيران والولايات المتحدة، وبما يجعل طهران تحقق أهدافها بتصدير الحرب لإنقاذ الجبهة الداخلية؟ وهل تلجأ إيران في حال الفشل بالتوسّع نحو الخليج العربي إلى تفعيل أذرعها للقيام بعمليات محدودة بما يؤدي لتصدير الحرب الى لبنان والعراق واليمن؟
قد يبدو تصدير الحرب عن طريق الأذرع خياراً أكثر ملائمة لطهران وأقل كلفة، فالدول التي تراجعت حتى السقوط أمام مشروع تصدير الثورة منذ عشرات السنوات لن تستطيع مواجهة التكليف الجديد بتصدير الحرب بل سيتكرر السقوط مرة أخرى بالرغم من المواقف الشكلية بعدم الإنجرار للحرب.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها