المصدر: النهار
هل يدفع “الحزب” لبنان إلى متاهة جديدة؟
بدا واضحا في الساعات المنصرمة ان الكتمان والغموض والتناقض الذين يغلفون كل المشهد الداخلي عشية وصول الموفد الأميركي توم براك إلى بيروت في زيارته الثانية المفصلية لتلقي الرد اللبناني الرسمي على الورقة التي قدمها في زيارته الأولى إلى اركان السلطة إنما تعكس الحساسية والحرج والتهيب من تداعيات شديدة السلبية يخشى ان تكون في طريقها إلى لبنان مجددا. آخر تجليات التخبط الذي يغلف الاجتماعات والمشاورات الجارية بلا انقطاع لإنجاز الرد اللبناني تمثلت في تسريبات تقول ان الرد لا يزال يحتاج إلى الساعات الأربع والعشرين المقبلة لإتمامه وسط حديث عن اجتماع للرؤساء الثلاثة يضع تواقيعهم بالموافقة على الرد المنتظر. وإذ لم تحسم أي من التسريبات السابقة حول الرد وما إذا كان انجز ام بعد وهل لا يزال الموفد السعودي في بيروت ام لا.. إلى تساؤلات وتساؤلات وتساؤلات لا تجد عليها أي أجوبة رسمية لا من المقار الرسمية ولا من الأوساط ولا من المصادر، كان الصوت الأشد وضوحا وحسما وحزما في كل هذا التخبط صوت الأمين العام لـ”حزب الله ” الشيخ نعيم قاسم يتحدى الاميركيين والإسرائيليين معلناً استعداد حزبه لمواجهة جديدة وكأنه يسخف الدولة وأركانها والرؤساء في كل ما يحاولون القيام به لرد المزيد من المغامرات القاتلة التي يمضي اليها الحزب بلا أي رادع داخلي.
ولذا بدأ السؤال الوحيد المنطقي الذي اثير في الساعات الأخيرة هو ماذا يخطط “حزب الله” بعد للبلد ولنفسه عبر هذه المعاندة المجانية لاستدراج أهوال جديدة على لبنان وهل تراه ينفذ امر عمليات إيراني جديد ام انه يلعب على حافة الهاوية ظنا منه انه بالمناورة الأخيرة هذه يحقق مكسبا ويربح وقتاً؟
قبيل عودة الموفد الأميركي توم براك إلى بيروت الاثنين برز موقف جديد للأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، أكد خلاله أنّ “الإسرائيلي والأميركي لن يحققا أهدافهما مهما كان الضغط”. وقال قاسم في مقابلة على قناة “الميادين” الفضائية: “إذا يعتقد الإسرائيلي من خلفه الأميركي بأنّه بزيادة الضغط علينا سيُحقّقان أهدافهما، فلن يحقّقا الاهداف مهما كان الضغط”. أضاف: “لدينا قرار بالمواجهة، وثمة خياران لا ثلاثة”. وحول الخسائر التي مُني بها “حزب الله” قياديّاً وعسكريّاً خلال الحرب الأخيرة، قال قاسم: “كل القيادة العسكرية كانت مملوءة وموجودة، ولم يكُن هناك أي موقع عسكري شاغر”.كما أكد أنّ “حزب الله” جاهز للمواجهة، معلناً أنّه “حتى اللحظة الأخيرة من الحرب، كان المقاتلون قادرين على الوصول إلى الخيام”. وقال: “نحن نرمّم أنفسنا، ونتعافى وجاهزون للمواجهة”.
لم يقف المنحى الاستفزازي للحزب عند موقف أمينه العام بل سُجلت مساء الجمعة الماضي عراضة مسلحة لشبان خلال مسيرة عاشورائية في شوارع العاصمة وفي زقاق البلاط تحديداً. هذا التحدي للشرعية ولمعارضي السلاح، دفع بالدولة الى التحرك. فقد علق رئيس الحكومة نواف سلام على الحادثة قائلاً “الاستعراضات المسلحة التي شهدتها بيروت غير مقبولة بأي شكل من الأشكال وتحت أي مبرر كان. وقد اتصلت بوزيري الداخلية والعدل وطلبت منهما اتخاذ كل الإجراءات اللازمة إنفاذاً للقوانين المرعية الإجراء ولتوقيف الفاعلين وإحالتهم على التحقيق”.
وافيد ان وزير الداخلية أحمد الحجار طلب من قوى الأمن الداخلي والأمن العام تحديد هوية الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو المسلح في بيروت واتخاذ الإجراءات اللازمة. واشار وزير العدل عادل نصار الى أنه تواصل مع المدعي العام التمييزي طالبًا منه اتخاذ الإجراءات القانونية الفورية بحق كل من شارك في الاستعراض المسلح الذي شهدته شوارع العاصمة بيروت. وفي أعقاب ذلك، تلقى نصار اتصالاً من القاضي جمال حجار أبلغه فيه ببدء الاستدعاءات في هذا الملف. وتحدثت معلومات عن مداهمات في زقاق البلاط.
واما في المقلب الاخر فاستبق الموفد الأميركي توم برّاك عودته إلى بيروت وكتب عبر حسابه على منصة “إكس”: يستيقظ أمل لبنان! الفرصة سانحة الآن. إنها لحظة تاريخية لتجاوز الطائفية المتوترة في الماضي، وتحقيق وعد لبنان الحقيقي بأمل “بلد واحد، شعب واحد، جيش واحد”. وكما دأب رئيس الولايات المتحدة على مشاركة العالم: “لبنان مكان عظيم، بشعب عظيم. فلنجعل لبنان عظيمًا من جديد”.
وتكثفت الاتصالات في بيروت لوضع اللمسات الاخيرة على الرد اللبناني، وشارك فيها المبعوث السعودي الامير يزيد بن فرحان. في السياق، افيد ان اجتماعا رئاسياً ثلاثياً سيعقد في الساعات المقبلة في قصر بعبدا استباقاً لوصول برّاك الى بيروت الاثنين المقبل. وقبل اللقاء الثلاثي، عقد مستشارو الرؤساء الثلاثة إجتماعاً بعد الظهر، لاستكمال البحث في الرد اللبناني على ورقة الموفد الأميركي. وافادت تقارير صحافية أن بن فرحان زار امس رئيس الحكومة نواف سلام في منزله وبحثا في نتائج الاتصالات حول الرد اللبناني. غير ان معطيات اخرى اشارت الى ان بن فرحان غادر لبنان فجرًا، بعد ان التقى سلام للمرة الثانية، وقد عُلِمَ ان بن فرحان خلال اللقاءات السابقة مع المسؤولين، شدّد على أهميةِ إنجاز الاستحقاقاتِ المطلوبة بما يتماشى مع ما التزم به لبنان في خطاب القسم والبيان الوزاري خصوصًا في ملف حصريةِ السلاح بيد الدولة وحتمية اقرار الاصلاحات وتطبيقها. وافيد ان رد لبنان يشمل تمسكاً لبنانياً رسمياً بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، من دون الإشارة إلى إجراء حوار داخلي بشأن هذا الملف. كما يشدد على تمسك لبنان بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار كاملاً من قبل إسرائيل. وعلم ان مروحة الإتصالات العربية الجارية من أجل إنجاز الرد اللبناني على الورقة الاميركية تسارعت في الساعات الماضية وشملت فرنسا وايضا إيران. وأفيد ان لا تسليم جزئيا ولا كاملا لسلاح حزب الله وأن النقاش في التنازلات الجزئية يأتي بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان ويوضع ضمن إطار عملي وزمني لبناني.
وكانت معلومات اشارت إلى ان “حزب الله” سلّم ردّه على ورقة برّاك إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث أكد تمسكه بتطبيق قرار وقف إطلاق النار بكامل مندرجاته، مشدداً على أن لا حاجة لاتفاق جديد يعيد النظر بما تم الاتفاق عليه سابقاً والحزب طالب إسرائيل بتطبيق هذا القرار بشكل كامل. واعتبر “حزب الله” في رده حسب هذه المعلومات أنه مستعد لمناقشة ملف سلاحه ضمن إطار استراتيجية دفاعية أو من خلال حوار داخلي، مؤكداً استعداده للمشاركة في نقاش بناء. في المقابل، قال المكتب الاعلامي للرئيس بري ان “ما يتم تداوله من كلام أو رسائل منسوبة له أو نقلا عن زواره عبر بعض وسائل الإعلام عارٍ من الصحة جملة وتفصيلا واللقاءات مستمرة حتى الآن ولم يستجد أي موقف نهائي”.
وعصر امس وصل إلى بيروت وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي والتقى الرئيس عون حيث أكد متانة العلاقات البريطانية- اللبنانية، واستمرار الدعم الذي تقدمه بلاده للبنان في المجالات كافة، وخصوصاً في المجال العسكري، لافتاً الى انها تتابع باهتمام الوضع في لبنان وما تقوم به الدولة منذ انتخاب الرئيس عون.
اما الرئيس عون فأكد أن عديد الجيش في الجنوب سيصل إلى 10 آلاف عسكري في منطقة جنوب الليطاني، مشيراً الى انه لن يكون هناك أي قوة مسلحة في الجنوب غير الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، إضافة الى “اليونيفيل”.
ورأى عون ان استمرار احتلال هذه التلال الخمس التي لا قيمة عسكرية لها في ظل التطور التقني لأجهزة المراقبة، يحول دون تثبيت الامن والاستقرار في الجنوب، كما امتناع إسرائيل عن إعادة الاسرى اللبنانيين المحتجزين لديها وعدم توقف الاعمال العدائية التي تطاول احياناً الضاحية الجنوبية لبيروت والطرق المؤدية الى العاصمة، كل ذلك يجعل من الصعب على الدولة بسط سلطتها بشكل كامل، وحماية المواطنين، وتطبيق قراراتها ومنها حصرية السلاح.
ودعا عون الى الضغط على إسرائيل لسحب قواتها وتقديم الضمانات اللازمة لعدم تكرار الاعتداءات على لبنان، والتقيد بالقرار 1701 بكل مندرجاته.