المصدر: المدن
ح*ب الله والجواب اللبناني: هل يبدأ التفاوض بالنار؟
التباعد كبير بين ما أعلنه الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، وبين ما تطلبه الورقة الأميركية من لبنان. كذلك فإن التباعد موجود بين موقف الحزب وموقف الدولة اللبنانية التي ستقدم جواباً موحداً للموفد الأميركي توم باراك، بناء على التواصل المستمر بين الرؤساء الثلاثة. لهذا التباعد جملة أشكال، في المضمون، وفي الأولويات وكذلك في الشكل. موقف حزب الله أصبح معروفاً، كذلك موقف الدولة اللبنانية، أما ما هو غير معروف يبقى الموقف الإسرائيلي ورد الفعل الأميركي.
في المضمون، فإن الدولة اللبنانية متمسكة بحصر السلاح بيدها، وامتلاك قرار الحرب والسلم، انطلاقاً من الدستور والطائف والبيان الوزاري. كما أنها ستطالب بالضغط على إسرائيل للانسحاب بالتزامن مع عملية سحب سلاح حزب الله من شمال نهر الليطاني. هذا الأمر يرفضه حزب الله ويؤكد أنه يريد أن يتحقق الانسحاب الإسرائيلي أولاً. أما مسألة تسليم السلاح فهي بالنسبة إليه: مسألة داخلية لبنانية ولا يجب أن تكون عرضة للضغوط الخارجية أو للتدخل، وهي تحل بالحوار من ضمن الاستراتيجية الدفاعية واستراتيجية الأمن الوطني.
في الأولويات، فإن الأولوية بالنسبة إلى الإسرائيليين والأميركيين تبدأ من سحب سلاح حزب الله بشكل كامل، من شمال النهر الليطاني، وتحديداً ما بين الليطاني والأولي. وبعدها سحب السلاح من البقاع وبيروت وضواحيها. وبنتيجة سحب هذا السلاح يبدأ التحرك الأميركي بالضغط على إسرائيل لدفعها إلى الانسحاب من النقاط الخمس، ويتم العمل على إطلاق مسار للحصول على مساعدات في سبيل إعادة الإعمار. أما بالنسبة إلى حزب الله فالأولويات مختلفة كلياً. هو يريد أن تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار، وتنسحب من لبنان، وتوقف عمليات الاغتيال والضربات والخروقات الجوية، وتطلق سراح الأسرى، وبعدها يكون الحزب مستعداً للدخول في حوار داخلي حول الاستراتيجية الدفاعية. فهو حتى الآن لا يتحدث عن تسليم سلاح، بل يتمسك بمسألة الاحتفاظ بعناصر القوة التي يمتلكها، ويريد البحث عن صيغة تستفيد منها الدولة اللبنانية وهو شريك فيها.
أما في الشكل، فإن واشنطن وتل أبيب تريدان أن يتم سحب السلاح بشكل علني، وأن يُتخذ قرار واضح في مجلس الوزراء ينص على الالتزام بقرار حصر السلاح بيد الدولة، ووضع آلية تنفيذية مع جدول زمني لسحبه. في المقابل، يرفض حزب الله الاتجاه إلى أي قرار في مجلس الوزراء، ويعتبر أن ذلك سيؤدي إلى اهتزاز حكومي وأزمة سياسية قد تؤدي إلى توترات داخلية.
أمام هذا التضارب والتباعد، فإن الدولة اللبنانية تسعى لأن تقدم موقفاً متوازناً يدمج ما بين التناقضين. فجوابها سيركز على حصر السلاح بيد الدولة، وعلى تطبيق اتفاق الطائف وتحقيق ما ورد في البيان الوزاري، وأن الدولة مستعدة للعمل على ذلك. ولكن في المقابل، لا بد لهذا أن يحصل بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي، ووفق قاعدة الخطوة مقابل خطوة، من تسليم السلاح وانسحاب إسرائيل من كل النقاط التي تحتلها وإطلاق سراح الأسرى وصولاً إلى ترسيم الحدود. أما بشأن القرار والآلية، فهناك ضغط دولي كبير حول إقراره بمجلس الوزراء. وهو مسألة لم تُبتّ حتى الآن، كما أن لبنان يعرض أن يتم تسلم سلاح الحزب في شمال الليطاني وفق الآلية التي اعتمدت في جنوب النهر، أي من دون أي عراضة إعلامية.
من غير المعروف بعد كيف سيكون رد الفعل الأميركي والإسرائيلي على جواب لبنان. أما بالنسبة إلى حزب الله، فالمعطيات تفيد بأنه لا يوافق تماماً على الردّ اللبناني، لأنه يرفض مسألة التزامن، وموقفه بات واضحاً بضرورة التزام إسرائيل بكل الأولويات التي يحددها قبل الدخول في حوار حول استراتيجية دفاعية. وقد بقي حزب الله حتى اللحظات الأخيرة على تواصل مع المسؤولين اللبنانيين لعدم الالتزام بأي جدول زمني أو آلية تنفيذية في الجواب.
في المقابل، فإن الأجواء الديبلوماسية تفيد بأن تل أبيب وواشنطن لن تكونا راضيتين على الردّ اللبناني.
أمام كل هذا الجو، بقيت التوقعات باحتمال حصول تصعيد إسرائيلي مرتفعة جداً، انطلاقاً من قناعة أن إسرائيل ستصر على مواصلة عملياتها العسكرية للضغط على حزب الله ودفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات وللضغط على الدولة اللبنانية أيضاً. بالنسبة إلى إسرائيل، فبحسب التسريبات، وضع نتنياهو تاريخ الأول من أيلول كمهلة أخيرة لإعادة سكان المستوطنات الشمالية، ما يعني أنه يريد الانتهاء من الوضع العسكري مع لبنان بحلول ذلك التاريخ، إما من خلال الديبلوماسية أو من خلال الضغط العسكري. في حالة التصعيد لا بد من انتظار رد فعل حزب الله، الذي يأخذ في الحسبان كل الاحتمالات ويتحضر لها. فهو لا يريد الحرب ولا افتعالها، ولكن من غير المعروف حتى الآن إذا كان التصعيد الإسرائيلي سيستدرجه إليها. وعندها ستكون كل المواعيد في مهب المواجهة أو التفاوض بالنار.