الأربعاء ٢٥ أيلول ٢٠١٩ - 13:30

المصدر: اليوم الثالث

إشكالية توحيد الأعياد المسيحية: مقاربة قبطية

طالما كان “توحيد الأعياد المسيحية” بين كل كنائس المسكونة حلماً يراود العديد من المؤمنين شعباً وإكليروسَ باعتبارها خُطْوةً ولَبِنةً أُولَى–إن تمتْ- لتحقيق مَزيد من خطوات الوحدة والشركة الإيمانية بين الكنائس “ليكون الجمع واحدًا” (يوحنا17 :21). وعلى الرغم من أن دعوات توحيد الأعياد– وغيرها من دعوات التقارب بين الكنائس- قد لاقت كثير من المعوقات وردود الفعل المنفعلة والمنفلتة من أصحاب صكوك الإيمان، إلا أن طبيعة الحُلم –حُلم التقارب- تقتضي المثابرة والإلحاح لدحض وتفنيد الحُجج الواهية ل “الفريسية الجديدة”، والفريسيين الجُدد الذين يُبدّون الحرف على الروح، والشكل على الجوهر، والأنا على “خلاص النفوس” الغاية الأسمى للإيمان (1بطرس1 :9).

بداية الأزمة

في ١٨ أيلول/سبتمبر ٢٠١٨ وخلال لقاء “البابا تواضروس” مع شعب كنيسة الشهيد مار مرقس الرسول بويست هنريتا روتشستر بنيويورك للإجابة على تساؤلات الشعب القبطي، سأل أحدُ الحضور البابا: هل يمكن توحيد الأعياد “القيامة والميلاد” مع الكنيسة الغربية؟ وكانت إجابة البابا: نحن نحاول في اتجاه “توحيد عيد القيامة”، وكل أربع سنين يتفق موعد العيد مع الكنيسة الغربية تلقائيًا. وكنا قد اقترحنا أن يكون الموعد الموحد في الأحد الثالث من شهر نيسان/أبريل، وهناك أصوات ترى أن يكون في الأحد الثاني لكننا ننتظر إجماع كل الكنائس.

 وبالفعل نحن قدمنا اقتراحاتنا بخصوص هذا الموضوع لكنائس كثيرة في العالم ودعوناهم لبحث الموضوع، لأن حركة الناس وهجرتهم جعلت كنائس كثيرة غير متفقة على مواعيد الأعياد وتختلف التقاويم، ولكن حتى الآن لا توجد خطوة رسمية وإعلانه مناقشة الأمر في المجمع المقدس “السلطة الأعلى في الكنيسة”، ثم طلب البابا من الحضور الصلاة من أجل هذا الأمر.

توصيات المجمع المقدس

وقد تلقَّفَ المسيحيون في مصر تصريحات البابا بشأن “إمكانية” توحيد الأعياد كالعادة بين مؤيدٍ ومعارضٍ، وأثارت موجة من الجدل والزخم المستمر حول أصول وضع التقويم القبطي، ومدى إمكانية توحيد مواعيد اﻷعياد مع الكنائس الغربية، وتأثير هذا الأمر على الإيمان والعقيدة الأرثوذكسية.

لكن البيان الصادر عن المجمع المقدس، الجمعة 14 حزيران/ يونيو 2019، لم يوضح نتيجة المقترح الذي قدمه البابا، وذكر فقط أنه “في حالة الاحتياج إلى استثناءات لقوانين الكنيسة والتقليد المقدس نتيجة احتياجات رعوية بكنائس في بلاد المهجر يجب على الكاهن الرجوع إلى أسقف إيبارشيته، ويمكن للأسقف الرجوع إلى قداسة البابا”.

25 كانون الأول/ديسمبر أم 7 كانون الثاني/يناير؟

كان المسيحيون جميعًا يحتفلون بعيد الميلاد في 25 كانون الأول/ديسمبر -الذي يوافق التاسع والعشرين من شهر كيهك القبطي- حتى العام 1582م، حين بدا الأمر وكأنه ثمة خطأٌ في طريقة الحساب فلكيا، إذ اعتقد المسيحيون -حينذاك- أن اﻷرض تُكمِّل دورتها حول الشمس في 365 يومًا وربع اليوم، لكن الصحيح هو أنها تحتاج لـ 365 يومًا وخمس ساعات و48 دقيقة و46 ثانية لتكمل دورتها. ما يعني أن هناك خطأ في التقويم يساوي 11 دقيقة و14 ثانية عن كل عام.

في ذلك الوقت أمر بابا روما بحذف 10 أيام من التقويم اليولياني لحل اﻹشكالية، وحذف 3 أيام كل 400 سنة، وهو ما تبعته الدول الغربية، بينما لم تنفذه الكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية في تقويمها الذي يقدّر السنة بـ365 يومًا وربع حتى اﻵن، مما نتج عنه الاختلاف في موعد عيد الميلاد ليصبح 29 من كيهك ما يوافق 7 كانون الثاني/يناير، وفي السنة الكبيسة يوافق 8 يناير.

 إذن أصل الإشكالية حسابي بحت، وبفرض استمرار الحياة على الأرض حتى عام 9000 ميلادية، عندها سيحتفل المسيحيون المصريون بعيد الميلاد في 1 آذار/مارس، بدلًا من 7 يناير، بينما سيكون عيد القيامة وقتها في 22 حزيران/يونيو، بدلًا من نيسان/إبريل أو أيار/مايو.

ولكن ما يَهمنا نحن هو ما يُعانيه المسيحيون المصريون في المهجر بسبب اختلاف مواعيد الأعياد بين كنيستهم الأم، وبين كنائسهم في بلاد المهجر، ومن هنا تحديدًا بدأت تطفو على السطح أصواتٌ تطالب بتوحيد الأعياد، ومن هنا أيضا بدأ الخلاف.

خطورة بالغة على إيمان الكنيسة

من جانبه اعتبر “اﻷنبا أغاثون” أسقف مغاغة والعدوة، أن توحيد الأعياد هو خطوة غير محسوبة تؤدي إلى التأثير في الإيمان الأرثوذكسي، وأصدر بيانًا بعنوان “الوحدة في اﻹيمان قبل الوحدة في اﻷعياد” أعلن فيه رفضه توحيد اﻷعياد مع الكنيسة الكاثوليكية، ﻷنه يرى أن “اﻷعياد من المُسَّلمَات اﻹيمانية التي سُلمت للكنيسة، وسُلّمت إلينا فلا يجوز مدّ اليد عليها، بالتغيير أو التبديل، بالزيادة أو النقص أو بالحذف” بحسب البيان المُشار إليه.

وأضاف البيان: “قد يترتب على تغيير موعد بعض اﻷعياد، أو اﻷعياد ككل، أن البعض من اﻹكليروس أو الشعب البسيط، ربما يتخيلون أنه تمت الوحدة مع كنيسة ما أو مع أكثر من كنيسة، فيتخلون عن إيمانهم ومعتقداتهم، ويتقدمون للأسرار الكنسية في الكنائس اﻷخرى، ثم تدريجيًا يتأثرون بالطوائف، ويصبح داخل كنيستنا إكليروس وشعب طائفي، وهذا يمثل خطورة بالغة على إيمان الكنيسة وعقائدها”.

 

وقد رصد “اليوم الثالث” آراء بعض الأقباط، فمن جانبها تقول “هالة فؤاد” التي تعمل مدرسة فى إحدى المدارس الحكومية في القاهرة إنها عندما اطّلعت على بيان “اﻷنبا أغاثون” على موقع “مطراني مغاغة والعدوة” على “فايسبوك” صُدمت من التعليقات المتطرفة ما بين مؤيد ومعارض للبيان، ولكن ما استوقفها هو تعليق لشاب مصري مقيم فى أمريكا يرفض تعديل موعد الاحتفال بالأعياد وأنه لا يجد داعٍ لتغييرها بدعاوَى أنهم يُقيمون في دول غربية، حيث أنه مهاجر من أكثر من 20 سنة ومازال يحتفل بالعيد فى الموعد المعلن من الكنيسة الأم.

 وذكر مثالاً يدعم وجهة نظره، فقال إنه بين حين وآخر قد يضطر إلى تناول بعض الكحوليات بسبب الطقس شديد البرودة، فهل يُعني ذلك أن يطالب الكنيسة بتغيير إيمانها وإباحة الخمور إرضاءً لنا؟!

أما “سامح حليم” من كنيسة العذراء بالمعادي، يشير فى حديثه لـ “اليوم الثالث” إلى أن ما يهمه هو ضرورة توقف ما أسماه “إسهال التصريحات والبيانات”، وأضاف أن على آباء الكنيسة أن يتوقفوا عن إعثار شعب الكنيسة وشحنهم بطاقات غضب سلبية من خلال إصدار بيانات تُعّمق الخلاف وينتج عنها حروب كلامية لا تخلو من التطاول والسُّباب، وتخرج منها الكنيسة مثخنة بالجراح. ورأى أن الحل الأسلم والأمثل يكون من خلال مناقشات مغلقة داخل “المجمع المقدس” ولا يستبق أي عضو من المجمع ويُعلن رأيه الخاص قبل مناقشة القضايا المطروحة داخل المجمع، وقبل حتى إصدار “البيان الختامي” من قرارات وتوصيات.

 حقيقة الأمر أن ما حدث في الإجتماع الآخير للمجمع المقدس هو تأجيل البت في مسألة “توحيد الأعياد”. وسوف يظل هذا الملف –وغيره من الملفات- مفتوحًا لحين إشعار آخر.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها