د. تراز منصور

الأثنين ٣١ تموز ٢٠٢٣ - 09:30

المصدر: صوت لبنان

أسرار العملات الرقمية والمشفرة

ملامح اقتصاد عالمي جديد تظهر بقوة وبسرعة تفوق التغيّرات التي سجّلها الاقتصاد عبر التاريخ. وأدّت جائحة كورونا “كوفيد-19” إلى الإسراع بهذه التحوّلات محقّقة على أرض الواقع، تجربة عالمية للتعامل مع الدفع الرقمي عبر بطاقات الائتمان واستخدام تطبيقات الدفع عبر الإنترنت، وتؤشر لبداية انتهاء عصر العملات الورقية والتوجه نحو الاستثمار في العملات المشفّرة والرقمية من جانب المستثمرين، بالتزامن مع تنافس الدول حول العالم للفوز بإصدار أول عملة رقمية صادرة عن البنوك المركزية.
أين أصبحت العملة الرقمية اللبنانية اليوم، وما هو حال المواطن اللبناني الذي يستثمر في العملة المشفّرة البيتكوين BTC ويتعرّض للمضاربة الشديدة والخطرة؟
العملة المشفّرة والمضاربة الخطرة
ثمّة فرق بين العملة المشفّرةcryptocurrency كالبيتكوين BTC وبين الرقمية Digital Currency أو العملة الورقية Paper Currency.
العملة المشفّرة هي عملة افتراضية، تختلف عن العملات الأخرى الرقمية والورقية. فهي سلعة استثمارية خاضعة لقواعد العرض والطلب، وهي لا تصدر عن المصارف المركزية، كما أنّها غيرمنظّمة أو مدعومة من هذه المؤسسات، ويمكن تداول هذه العملة كأي أداة استثمارية في بورصات العملات الافتراضية، ممّا يعني أنّها عُرضة لضغوط مضاربية جامحة، والدلالة على ذلك ارتفاع أسعارالبيتكوين BTC في الفترة الأخيرة إلي ما يقارب الـ 58000 ألف دولار وتراجعها بعد أيام قليلة بنسبة 25 %.
وجدير بالذكر، أنّه عند إصدارها الأول في العام 2008 سُعّرت البيتكوين بـ 1309 لكل دولار أ وهي صدرت إلكترونيًا من مجموعة تستعمل الإسم المستعارSatashi Nakamato، وبالتالي فهي عملة مضاربية غير صالحة لتلعب دور النقد التقليدي كوسيط للتداولmedium of exchange أو وحدة حساب Unit of Account، أو مخزنًا للقيمة Store of value.
إنّ عدد الوحدات البيتكوين المصدّرة إلكترونيًا يبلغ لغاية 30 تموز الجاري 19 مليون وحدة، وبالتالي إنّها غير مؤهلة لتحلّ محل العملات التقليدية كالدولار واليورو والينّ، والتي تُستخدم لتمويل تجاري ومالي دوليين يبلغ حجمها تريليونات ( 1000 مليار) من هذه العملات شهريًا.
وجدير بالذكر في هذا الإطار أنّه نتيجة للظروف المالية والاقتصادية الصعبة، يلجأ بعض اللبنانيين إلى المضاربة في هذه العملة، علمًا أنّ مصرف لبنان كان قد حذّر في العام 2018 من خطورة التداول أو الاستثمار فيها.
العملة الرقمية اللبنانية
ظهرت العملات الرقمية وظهر معها المزيد من الأمل للبعض، والمزيد من القلق للبعض الآخر. وتماشيًا مع التحوّل الرقمي عالميًا، وتحضيرًا للاندماج في اقتصاد المعرفة، بدأ مصرف لبنان منذ العام 2018، العمل على فكرة إيجاد البديل عن العملة الورقية التقليدية، وهي العملة الرقمية اللبنانية Central Bank Digital Currency (CBDC)، ليصار إلى إصدارها والتَداول بها إلكترونيًا بين الزبائن والمصارف والمصرف المركزي، عبر منصّات التواصل وتطبيقات الهواتف الذكية، لتحلّ مكان الشيكات وبطاقات الائتمان.
ولكنّ إصدارها الآن مجمّد إلى أن يتمّ إنجاز برامج الأمانSecurity programs وتجهيزات المنصّة الإلكترونية لدى مصرف لبنان، وكذلك والتطبيقات الإكترونية لدى المصارف والمؤسسات المالية والشركات التجارية وأخيرًا الأفراد.
وجدير ذكره، أنّ البنك المركزي كان قد أصدر بتاريخ 17 كانون الثاني 2020 تعميمًا وسيطًا رقمه 539، أجاز به للشركات المالية بالعمليات المصرفية أو المالية بواسطة الأجهزة الإلكترونية للتمويل أو الدفع الفوري، بحيث يصل المال فورًا من المُرسل إلى المستفيد بمجرد إرساله. ولقد استفادت شركتان من مفعول هذا التعميم وهما:
– Ariba المالية، وهي شركة FinTech، وتطبيقها للتحويل الإلكتروني هو Zaky.
– Pinpay المعلوماتية – المالية، أي أنها شركة TechFin، المملوكة بغالبيتها من بنك عودة، وتطبيقها الإلكتروني هو Haweli. وهكذا نجد أنّ لبنان دخل بهدوء في هذا الوقت الضائع، إلى عالم التكنولوجيا المالية الحديث.
لو كان إصدار العملة الرقمية اللبنانية قد تمّ قبل جائحة كورنا وتنفيذ الإقفال العامLOCK DOWN أو قبل انهيار العملة، لكانت الجدوى الاقتصادية لهذه العملة قد تحققت، بحيث أنّ التداول بين المواطنين والمصارف قد تحوّل تدريجيًا إلى التطبيقات الإلكترونية من دون الحاجة إلى ولوج المواطنين إلى المصارف، حماية لهم من مخاطر التعرّض لفيروس الكورونا، وكان من شأن إصدارها توفير الشيكات والبطاقات الإلكترونية، والاستغناء عن طباعة العملة، خصوصًا في ظلّ تراجع سعر صرف الليرة، ولا سيّما أنّ كلفة طباعة العملات النقدية من الفئات الصغيرة (ألف ليرة وما دون) هي أكثر بكثير من قيمتها الاقتصادية.
تؤكد مصادر من مصرف لبنان أنّ لا علاقة بين طباعة العملة الورقية أو الإصدار الرقمي بالتضخم الحاصل اليوم، عازية السبب الأساسي له، بأنّه ناتج عن التوسّع في حجم الكتلة النقدية في البنك المركزي، بغية إقراض الدولة وتمويل المالية العامة. ويعتبر انفلاش هذه الكتلة النقدية تضخمي، كونه تحقق في غياب زيادة متوازية في الانتاج.
إنّ التحوّل الرقمي الذي كان يؤمل تحقيقه عالميًا في العام 2030، قد تحقّق بمعظمه في زمن كورونا في العام 2020، وأسطع مثال على ذلك، الأهمية التي اكتسبها موقعAmazon في تسيير التجارة الإلكترونية والشهرة الكبيرة التي حصدها نشاطه عالميًا في زمن كورونا.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها