المصدر: المدن
أوروبا تتخبط… إدانة إسرائيل لا محالة
من سؤال “هل تدين حماس؟” الى “هل تدين ما تفعله اسرائيل بالأبرياء أيضاً؟” هذا حال الغرب الذي ظهر بصورة الداعم الأول لـ”إسرائيل” في البداية، مصراً على “حقها في الدفاع عن نفسها”، ومؤكداً أن معركة إسرائيل مع الارهاب “ليست معركتها وحدها”، من دون أن يستدرك مسبقاً بأن موقفه قد يتساوى لاحقاً مع الراعي لجرائم حرب ضد الانسانيّة.
اليوم بات “الغرب” نفسه بعد أسابيع من هذا الموقف الشرس والداعم للاحتلال بلا حدود ولا قيود، في موقع المحرج أمام مئات المنشورات التي عرضت مشاهد قتل الأطفال والنساء والرجال بشكل واضح ومتعمد، وجعلت الضغط الشعبي دافعاً لحكومات الغرب وجمهورياته نحو “الإدانة المباشرة” لإسرائيل.
ربما لم تكن الدول الغربيّة تتوقع أن تشهد ساحاتها تظاهرات حشدت الملايين دعماً لغزة، أو ربما كانت تتوقع، لكنها راهنت على أنّ هذه التظاهرات قد تخفت مع الوقت. على العكس، كانت تحشد المزيد مع توالي الأيام من الحرب على غزة، الى أن تحولت الى لقاءات أسبوعيّة عفويّة غير مرتبطة بموعد محدد.
والحال أنّه لا يمكننا أن نتغاضى عن دور الإعلام البديل في تسليط الضوء على ما يحدث في فلسطين، فالدور الذي اتخذه لنفسه من خلال تبيان حقيقة ما يحدث بوجه الرواية الاعلاميّة المتحيزة لصالح اسرائيل، جعله يمثل الشرارة الأولى التي دفعت بالناس الى الخروج الى الشارع للمطالبة بوقف الحرب ومحاسبة “اسرائيل” على جرائمها.
وقد كان لافتاً موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شدد في زيارته الأولى لإسرائيل في الشهر الفائت، على ضرورة “القتال بلا رحمة”، وكان أول من طالب بإنشاء تحالف دولي لقتال “حماس” في غزة، على غرار التحالف في مواجهة “داعش”. لكنه هو نفسه، طالب في آخر تصريح له، حكومة نتنياهو بالتوقف عن “قتل الأبرياء” واصفاً الاعتداء على المستشفيات “بالأمر الكارثي”.
في حين لم يكن يتوقع أحد بعد المجاهرة بالتحييز العلني لصالح إسرائيل، أن يتغير الموقف الأوروبي الرسمي الذي أعلن بصريح العبارة وقوفه الى جانب اسرائيل، وتقديمه دعماً غير مشروط لها في حربها على “الارهاب”، حيث أثبتت هذه الدول بأنّه لا يمكن لها تفصل مواقفها السياسية عن المطالب الشعبيّة التي لم تخفت رغم مساعيها في تكميم حرية التظاهر والتعبير، وإلا فستعرض نفسها لانتقاد لاذع على اعتبارها ديموقراطيات منقوصة ونسبيّة وزائفة وموسمية أيضاً.
والحال أن كلمة ماكرون حاكت المطالب الشعبية والخطاب الدائر في وسائل التواصل الاجتماعي، فالمَيل أو الدعم الفرنسي لوقف إطلاق النار، خرج بشكل تدريجي الى العلن وبشكل مبطن لأول مرة بعد التصويت لصالح المشروع العربي لوقف إطلاق النار في جلسة الأمم المتحدة، لكنه بات واضحاً وجلياً في التصريح الذي أتى على لسان ماكرون الذي رأى بأنّ “لا شرعية ولا مبرر” في استمرار الحرب وقتل المدنيين.
الى جانب الموقف الفرنسي، عبّر رئيس الحكومة الاسبانية، الأربعاء الفائت، عن الرغبة في الاعتراف بدولة فلسطين، مستنكراً “المجزرة” التي تقام بحق الفلسطينين كما وصفها، وكانت وزيرة الحقوق الاجتماعية في اسبانيا إيون بيلارا، قد تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الحرب على غزة، حيث كانت من أوائل السياسيين في مواقع رسمية حالية الذين طالبوا بمعاقبة نتنياهو على جرائم الحرب التي تقام في غزة واحالته للمحاكمة.
أثر الإعلام البديل
أما تسمية الأشياء بمسمياتها بدلاً من التلطي خلف ضرور احترام القانون الدولي الانساني من قبل السياسيين، فيمكن ترجمته بأنّ الغرب يمنح إنذراً لإسرائيل ويبادر الى وضعها في خانة المتهم عن قتل آلاف الأبرياء الفلسطينين، كما وأنّه يشعر بالوهن والاحراج أمام الضغوط الشعبية التي، إذا تمادى في التغاضي عنّها، عرّض نفسه لأزمة سياسية داخليّة.
أمام الجرائم الاسرائيلية التي باتت شبه موثقة في وسائل التواصل الاجتماعي، أجبرت هذه الدول على التحرك، وخصوصاً بعد اتهامها بالتواطؤ وازدواجية المعايير، وإن أتى تحركها متأخراً نسبة للآلاف من الفلسطينيين الذين قتلوا. وهذا التحرك المتوجس يعني أن هذه الأنظمة أجبرت على مراجعة مواقفها كونها ستؤثر مستقبلاً في المسار السياسي للشخصيات والأحزاب الموجودة في الحكم على اعتبار أنّ الموقف من فلسطين لم يعد مجرد موقف عابر، وإنما سيكون أشبه بامتحان أوليّ للمرشحين حول انسانيتهم ومدى التماسهم للديموقراطية التي تناهض الاضطهاد بكافة أشكاله وتنادي بحقوق الانسان من دون تمييز.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها