المصدر: المدن
“المالية” و”التفتيش” بالمرصاد: فضيحتان وهدر بوزارة التربية
فيما تتصارع روابط المعلمين في التعليم الرسمي مع وزير التربية عباس الحلبي لرفع بدلات الإنتاجية للأساتذة من 300 دولار الحالية إلى 600 دولار، كشرط لبدء العام الدراسي من دون إضرابات.. تعج وزارة التربية بمئات الموظفين (في الملاك أو متعاقدين) الذين لديهم عقود بآلاف الدولارات، أو معينين في لجان تُنفق عليها ملايين الدولارات. ويتقاضون بدلات إنتاجية مثلهم مثل الأساتذة، فيما كان يفترض أن تكون بدلات الإنتاجية مخصصة للأساتذة حصراً. أما الدول المانحة، فتنفق الأموال على مشاريع في وزارة التربية من دون وضع دعم المدرسة الرسمية في أولوياتها.
الكلفة مرتفعة جداً
وفق معلومات “المدن”، أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وزيرَ التربية عباس الحلبي أن مالية الدولة غير قادرة على تحمل كلفة مضاعفة بدلات الإنتاجية (الكلفة الإجمالية قد تصل إلى 27 ألف مليار ليرة. وهي مرتفعة جداً!). وبالتالي، لم تحسم قضية مضاعفة بدلات الإنتاجية بعد، ولا إطلاق العام الدراسي أيضاً، وإذا كان الأساتذة سيقبلون العمل مثل العام الفائت.
لكن المعادلة القائمة في وزارة التربية هي أنه ممنوع على الأستاذ تلقي مستحقات مالية لا تصل إلى 900 دولار بالشهر (في حال رضخت الحكومة لمطلب رفع بدلات الإنتاجية) فيما جزء كبير من الموظفين في الوزارة (غالبية الموظفين الإداريين هم أساتذة محالين إلى الوزارة) يتقاضون مستحقات بآلاف الدولارات. ويفترض أنهم يتقاضون بدل مثابرة مثلهم مثل أي موظف إداري، أي لا يجب منحهم بدل الإنتاجية بالدولار. بمعنى آخر، كان يجب على وزارة التربية عدم دفع هذه التعويضات للموظفين الإداريين والأساتذة المحالين إلى الوزارة أو إلى جهاز الإرشاد والتوجيه، وحصرها بالأساتذة في المدارس والثانويات. وهذا من شأنه خفض الكلفة ورفع قيمة بدلات الإنتاجية للأساتذة العام المقبل.
المالية توقف بدل المثابرة
هذه الفضيحة وصل صداها إلى وزارة المالية، التي أوقفت دفع بدل المثابرة للموظفين الإداريين والأساتذة المحالين إلى وزارة التربية. ووفق مصادر مطلعة في وزارة المالية، أرسلت الأخيرة إلى وزير التربية مؤخراً كتاباً تسأل فيه عن بدلات الإنتاجية بالدولار التي يتقاضاها الموظفون في وزارته. وأوقفت دفع بدل المثابرة لجميع الإداريين والأساتذة المحالين إلى الوزارة، في انتظار رد الوزير. فلا يجوز أن يتقاضى الموظف في الوزارة بدل مثابرة وبدل إنتاجية في الوقت عينه، عملاً بمبدأ منع ازدواجية دفع بدلات المثابرة. فالموظف الإداري (عددهم قليل) والأساتذة المحالين إلى الوزارة باتوا بعداد الموظفين، ويفترض أن ينطبق عليهم ما ينطبق على موظفي القطاع العام. والأمر لا يقتصر على المستحقات الوظيفية بل على دوام العمل أيضاً. فالأساتذة المحالين إلى الوزارة يداومون 27 ساعة بالأسبوع، على اعتبار أنهم أساتذة، فيما يفترض أن يكون دوام عملهم 35 ساعة بالأسبوع.
التفتيش يلاحق الإرشاد
فضيحة جديدة فجرها التفتيش التربوي تتعلق بمهام الأساتذة المكلفين بمهام تربوية في الإرشاد والتوجيه. والحديث يدور عن أكثر من 500 أستاذ محالين إلى هذا الجهاز. وهم باتوا بعداد الموظفين الإداريين وتنطبق عليهم القواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بالدوام والرواتب التي يخضع لها الموظفون الإداريون. فقد أكد التفتيش في كتاب مرسل إلى وزير التربية على إخضاع المرشدين لدوامات العمل الرسمية، وعدم جواز التعاقد معهم للتدريس خلال الدوام الرسمي سواء في المؤسسات التربوية الرسمية أو الخاصة. وقد تبين للتفتيش أنه لا يكتفى للمرشدين بالعمل في مهام غير المكلفين بها، بل يكلفون بمهام تدريب تتعلق بالامتحانات الرسمية وفي لجان المناهج في المركز التربوي للبحوث والإنماء. وهذا يخالف القوانين لناحية وجوب الانقطاع عن أي عمل مأجور أو أي مهمة أو وظيفة أخرى. ويخالف القانون لناحية تقاضي أتعاب عن تلك المهمات.
أموال تؤخذ من درب الأساتذة والمدارس
جرت العادة في وزارة التربية توسط الأساتذة، الذين يتعبون من التعليم ولا يريدون مواصلة التدريس، لنقلهم إلى الوزارة للعمل كموظفين إداريين. في مقابل تلجأ المدارس إلى التعاقد مع أساتذة لسد النقص بعد إلحاق الأساتذة بملاك الوزارة. وكان يفترض عدم تخصيص الوزارة بدلات إنتاجية لهم، لأنها تؤخذ على حساب الأساتذة، طالما أنه يخصص لهم بدل مثابرة في القطاع العام. لكن لم تكتف الوزارة بتخصيص بدلات إنتاجية، بل يكلف هؤلاء الموظفون بمهام في اللجان (لجان المناهج والطلاب السوريين والعراقيين والامتحانات وغيرها) خلال دوام العمل الرسمي وتدفع لهم أتعاب بالدولار. هذا فيما كان حرياً دفع هذه الأموال لصناديق المدارس الرسمية الفارغة، أو رفع بدلات الإنتاجية للأساتذة كي لا تحصل أي اضطربات في العام الدراسي المقبل.
لكن الوزارة تتذرع بأن الحكومة عاجزة عن مضاعفة بدلات الإنتاجية للأساتذة من ناحية، ولجأت إلى فرض رسم على الطلاب مؤخراً لتغذية صناديق المدرسة. وهذا الأمر أدى إلى إشكاليات قانونية تتعلق بضرب مبدأ مجانية التعليم في مرحلة التعليم الأساسي. لذا عاد الوزير وأصدر قراراً جديداً لتخصيص هذه الرسوم ليس لصناديق المدارس، بل لصناديق لجان الأهل. وهذا سيؤدي إلى إشكاليات مالية كبيرة في كل مدرسة، كما يقول مدراء لـ”المدن”، لأن الإنفاق من صندوق لجان الأهل مقيد جداً، وفي غالبية المدارس لجان الأهل لا تجتمع أو لا تقوم بدورها.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها