المصدر: المدن
“انفجار النار” في عكار العتيقة يطلق موسم الحرائق
على مدار ثلاثة أيام، اندلع حريق في منطقة حرف السنّ في خراج بلدة عكار العتيقة، منذ صباح السبت 24 حزيران، مبشرًا بانطلاقة موسم شديد الخطورة في غابات لبنان ومساحاته الحرجية، وقد التهم في هذه الساعات ما لا يقل عن 95 هكتاراً. وفيما شبهت الفرق الميدانية الحريق بـ”انفجار النار” الذي يحدث نتيجة تجمع غازات كثيفة في الوادي، وتمتد منه ألسنة اللهب، شارك في إخماده الدفاع المدني الذي استنفر آليات أغلب مراكز عكار، إلى جانبه فريق “درب عكار” الذي عمل على بناء خطوط عزل، وتعامل مع النيران الخطيرة بصورة عملية للحد من تمددها.
“انفجار النار”
وحسب التقارير الميدانية لفريق “درب عكار”، فإن الحريق سرعان ما تمدد من خراج بلدة عكار العتيقة إلى المنحدرات المكسوة بالصنوبر البيروتي والسنديان حتى رأس الجبل، حيث المزارع والبيوت السكنية. وعلى الفور، “تدخلت وحدات الدفاع المدني، ثم تبعها تدخل لفريق درب عكار لمكافحة حرائق الغابات. ومع تطور الحريق، وبمتابعة من وزير البيئة ناصر ياسين، تم التواصل مع قيادة الجيش التي أوفدت طوافتين تابعتين للقوات الجوية، ثم عززتهما في اليوم الثاني بطوافات إضافية بسبب ضراوة النيران، التي خلفت أضراراً فادحة، وأمنت بلدية عكار العتيقة الدعم اللوجستي وصهاريج المياه للفرق العاملة على الأرض”.
وفي حديث لـ”المدن”، يقول العضو في “درب عكار” خالد طالب، إن هذا الحريق هو الأشد تدميرًا وخرابًا بعد حريق القبيات سنة 2021. حينها، التهم الحريق نحو 2500 هكتار من غابات القبيات المليئة بالثمار وأشجار الصنوبر وتلك الصمغية، وسجل أعلى نسب الخسائر بموسم واحد في لبنان.
أما الحريق في خراج بلدة عكار العتيقة، فقط التهم أغلب الغطاء النباتي، باستثناء مساحة معينة من الجبهة الغربية، وبلغ ارتفاع مستوى النيران نحو مئتي متر، وكاد يهدد المنازل السكنية. ويقول طالب إن نحو 95% من أضرار الحريق مباشرة، ولا يمكن تعويضها، وتشكل انطلاقة لموسم حرائق قد يمتد حتى أيلول المقبل، حسب العوامل المناخية.
ويصف طالب ظروف الحريق بالمعقدة والقاسية جدًا، ما استدعى استنفار معظم مراكز الدفاع المدني في عكار، وتحديدًا في الجهة الشرقية من الحريق التي طاولت فيها النيران المنازل، فعملت الفرق على الدفاع عنها بكل قوة وبالإمكانيات المتوفرة وحالت دون وقوع اصابات. في المقابل، تركزت جهود فريق درب عكار على الجبهة الغربية من الحريق، فعملت على اقامة خط عزل امتد لمسافة أكثر من 1100 متر من أعلى حرف السنّ حتى المنازل وأخمدت وبردت عموم المنطقة، كما تدخل لمرات في الجبهة الشمالية.
ومع حلول مساء اليوم الثاني، تمت السيطرة على أغلب جبهات الحريق، فعملت طوافات الجيش اللبناني على معالجة هذه البؤر.
ويذكر فريق درب عكار أهم العقبات التي تواجه فرق الإطفاء في هذه الظروف:
– الطوبوغرافيا والتضاريس الوعرة: منحدرات شديدة تُسرع من انتقال النيران خاصة مع تدفق الرياح في منحدرات الوادي بشكل جنوني، مع خطر تساقط الصخور.
– الوقود الجاهز للاحتراق ومعظمه كان مع اشجار الصنوبر والسنديان مع وجود كميات تشحيل كبيرة في أرض الغابة.
مسار المواجهة
في هذا الوقت، يوجه كثيرون في عكار أصابع اللوم إلى البلديات، التي تتلكأ منذ سنوات عن وضع خطة استباقية للحرائق، أو مجرد التحذير منها، ضمن الأراضي الواقعة تحت سلطتها.
ومنذ اندلاع حرائق 2019، لم تظهر استجابة قوية وفعالة للدولة في وضع خطة لإدارة الأزمة على الصعيد الوطني، خصوصًا أن قدرات الدفاع المدني محدودة على مستوى الجهوزية البشرية والتقنية لهذا النوع من الحرائق. ويرى خبراء بأن إدارة الأزمة تبدأ قبل اندلاع الحرائق، عبر رفع منسوب التدخل السريع لمكافحتها، وإذا لم يتخذ لبنان اجراءات سريعة، ستستمر الحرائق بالتوسع إلى أن تقضي على الأراضي الطبيعية والموارد الحرجية، لننتقل بعدها إلى مرحلة التصحر وزوال الأحراج، في ظل أوضاع مناخية غير مساعدة.
وهنا، يذكر طالب أن الاستجابة للحرائق راهنًا، تندرج في إطار “الاستراتيجية الوطنية المحدّثة للحد من مخاطر حرائق الغابات في لبنان” التي أطلقتها الشهر الفائت وزارة البيئة.
وتهدف الاستراتيجية إلى التقليص من خطر اندلاع المتكرر لحرائق الغابات، والوقاية منها قبل حدوثها من خلال تنفيذ خطط وإجراءات محلية. وسيحل هذا الموسم، لاختبار مدى فاعلية الاستراتيجية ومستواها أمام التحديات الهائلة التي تواجه لبنان في الحفاظ على ثروته الطبيعية والحرجية.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها