المصدر: المدن
بشراسة غير مسبوقة: جلسة حكوميّة جديدة لحماية سلامة
يوم أمس الاثنين، استكمل مجلس الوزراء انقلابه على هيئة القضايا في وزارة العدل، بهدف عزل الفريق القانوني الذي كلّفته الهيئة لضمان حقوق الدولة في أموال رياض سلامة، المشتبه باختلاسها من المال العام، والمحتجزة حاليًا لصالح النيابات العامّة الأوروبيّة. الجديد يوم أمس، هو المذكرة التي وجهتها الأمانة العامّة للمجلس، لوزير العدل هنري خوري، لدعوته إلى جلسة حكوميّة خاصّة يوم غدٍ الأربعاء، بهدف تثبيت قرار عزل الفريق القانوني، وإجبار هيئة القضايا على الامتثال لهذا القرار. وفي لهجة المذكرة، يبدو من الواضح أنّ ثمّة شراسة غير مسبوقة، في الدفاع عن مصالح حاكم مصرف لبنان القانونيّة.
وبصورة أوضح: باتت الحكومة اللبنانيّة خصمًا صريحًا لمصالح الدولة والمجتمع اللبناني، وحليفًا لمصالح حاكم مصرف لبنان. أمّا الكلفة، فلن تكون أقل من تبديد الأموال المشتبه باختلاسها من قبل الحاكم وشركائه، لصالح المحاكم الأوروبيّة، بدل أن تسعى الدولة لاستعادة هذه الأموال. أمّا هدف هذه الخسارة الفادحة، فهو ببساطة أن يستفيد فريق الدفاع القانوني عن الحاكم من واقع تجاهل الدولة لمصالحها، كي يتم القول أن لبنان لا يعتبر أنّ سلامة اختلس أموال مصرف لبنان العموميّة.
ملف “آنا كوساكوفا ورفاقها”!
مضمون كتاب الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، يُقرأ من عنوانه، الذي يتحدّث عن ملف جنائي إسمه “آنا كوساكوفا ورفاقها”. والمسكينة كوساكوفا، ليست سوى صديقة حاكم مصرف لبنان الأوكرانيّة ووالدة إبنته، وأحد الأسماء المتعددة التي استعملها الحاكم لتبييض الأموال المشتبه باختلاسها، من خلال شركات واجهة، إلى جانب أسماء شقيقه رجا وإبنه ندي وإبن شقيقته مروان جو عيسى الخوري وغيرهم. هكذا، يظهر مستوى النكران والخفّة في أولى سطور المذكّرة، التي مازالت تتجاهل حتّى اللحظة أنّ المشتبه به والمطلوب الدولي ليس سوى حاكم المصرف المركزي.
المذكرة الحكوميّة، تعيد التأكيد على قرار مجلس الوزراء الصادر يوم الجمعة الماضي: تقديم أسماء جديدة لمحامين فرنسيين للتعاقد معهم (…) وذلك لعدم توافر معلومات وافية وواضحة حول الأسماء المرفوعة. كما أعادت التأكيد على عدم اقتناع “السادة الوزراء بالأسماء المرفوعة”، ما يفرض النقاش بأسماء المحامين “المقترحين والواجب إعطاء الصيغة النهائيّة لعقودهم بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء”، وضعًا للأمور “في موقعها الدستوري والقانوني الصحيح” وحفاظًا “على مصالح الدولة العليا”.
باختصار، ما يهدف إليه الكتاب ليس سوى إعادة التأكيد على عزل المحامين الذين تعاقدت معهم هيئة القضايا، لتمثيل الدولة اللبنانيّة في ملف حاكم مصرف لبنان الجنائي المفتوح في أوروبا، في مقابل “الدعوة إلى جلسة عاجلة وطارئة لمجلس الوزراء وعلى جدول أعمالها بند وحيد يتعلّق بموضوع الاتفاق بالتراضي مع محامين فرنسيين لمعاونة رئيس هيئة القضايا في الدعوى المقدمة من الدولة الفرنسيّة أمام قاضية التحقيق الفرنسيّة، في ملف آنا كوساكوفا ورفاقها”.
المناورة في خدمة سلامة
كل ما يجري، ليس سوى حلقة إضافيّة من حلقات المناورة التي تصب في خدمة حاكم مصرف لبنان، في هذا الملف بالتحديد. فخلال الجلسات التي جرت في شهر نيسان الماضي في فرنسا، ركّز فريق الدفاع القانوني عن حاكم مصرف لبنان على الطعن بصلاحيّة المحامين الذي تولّوا الدفاع عن مصالح الدولة اللبنانيّة، بتكليف من هيئة القضايا، بحجّة عدم امتلاك هيئة القضايا موافقة وزير الماليّة على هذا التكليف. أمّا هدف هذه الخطوة، فكان إبعاد الدولة اللبنانيّة عن الملف القانوني بشكل تام، للقول بأن الدولة اللبنانيّة لا تعتبر أن هناك اختلاسات حصلت أساسًا.
في وقت لاحق، أبعد وزير الماليّة يوسف الخليل نفسه عن هذه المناورات، بعدما وجّه كتابًا لهيئة القضايا اعتبر فيه أنّ وزارة الماليّة لا تملك صلاحيّة الموافقة على تكليف الفريق القانوني. وبهذا الشكل، تفادى الوزير منح هذه الموافقة، ربما امتثالًا لضغوط معيّنة استهدفته وفق بعض المصادر، لكنّه تفادى أيضًا التورّط بالعرقلة الصريحة لتكليف المحامين. ومنذ تلك اللحظة، بات فريق الدفاع عن سلامة يحتاج إلى مناورة أخرى، لإقصاء المحامين المدافعين عن مصالح الدولة اللبنانيّة في فرنسا.
هنا، دخل مجلس الوزراء على الخط، بذريعة عدم وجود معلومات وافية عن المحامين الفرنسيين المكلفين من الهيئة، وبحجة وجود شكوك حول “يهوديّة” أحد المحامين (افترض الوزراء هنا أن يهوديّة المحامي تستدعي الشك بصهيونيّته). ثم تبيّن لاحقًا عدم صحّة هذه الذرائع، إذ أن عائلة “داوود” التي ظهرت في إسم أحد المحامين المكلفين تعود لأصوله الجزائريّة، لا اليهوديّة كما اعتقد بعض الوزراء (راجع المدن). لا بل تبيّن أيضًا أن المحامي من مناصري القضيّة الفلسطنيّة، وتطوّع سابقًا في ملفّات تخدم هذه القضيّة بالتحديد.
حجج مجلس الوزراء القانونيّة باطلة
في كل الحالات، وحسب مصادر قانونيّة متابعة للملف، ما قامت به هيئة القضايا كان قانونيًا مئة بالمئة، إذ أنّ تكليف المحامين بالنيابة عن الدولة اللبنانيّة هو من اختصاصها، ولا علاقة لمدير عام وزارة العدل -الذي حضر جلسة مجلس الوزراء- بهذا التكليف. وطالما أنّ وزير العدل وقّع عقود التكليف، فهي قانونيّة ولا غبار عليها. ومن الشائع عرفًا وقانونًا أن يجري تكليف المحامين بمبادرة من الهيئة، وبتوقيع وزير العدل، وخصوصًا في الحالات الطارئة التي تستدعي تدخلًا سريعًا من جانب الهيئة والمحامين الذين يمثّلون الدولة اللبنانيّة.
وكما هو واضح، تُعتبر حالة ملف حاكم مصرف لبنان الجنائي (وليس ملف آنّا كوساكوفا كما يعتقد مجلس الوزراء) حالة طارئة تستدعي الدخّل السريع، خصوصًا أن القضاء الفرنسي يتجه لعقد جلسة جديدة للبت بمصير الأصول المحتجزة، في شهر تمّوز المقبل، ما يستدعي وجود فريق قانوني خاص للبدء بجمع المعطيات والدفاع عن حق لبنان بهذه الأصول. أمّا التسويف والمماطلة، فلن يخدم إلا فريق الدفاع القانوني عن حاكم مصرف لبنان، الذي حاول بالفعل سحب ورقة التكليف من يد المحامين الذين يمثلون مصالح الدولة اللبنانيّة.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها