المصدر: صوت لبنان
عن محكمة العدل وعدالة الممانعين وذكرى لقمان الثالثة
أثار عقد محكمة العدل الدوليّة جلستها للنظر في الدعوى التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد دولة إسرائيل، بتهمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، حماسة منقطعة النظير لدى قوى المقاومة الممانعة. ومُجّدت العدالة الدولية بقدر ما كانت قد هُشّمت صورتها، عندما تشكلت المحكمة الدولية للنظر باغتيال رفيق الحريري. واتهمت انها أداة صهيونية وأميركية وجزء من مؤامرة كونية على المقاومة.
أقيمت حينها الدنيا ولم تقعد، وتشكلت جبهة معادية للعدالة الدولية، وهُدّد القضاة والمحققين، وأكملت الاغتيالات مسيرتها، وأُسبغت القداسة على القتلة.
حوصرت المحكمة المذكورة بقيود وشروط منعتها من القيام بعملها بشكل حرّ. الى أن جمّد عملها ومن ثم أغلقت نهاية العام الماضي، بعد صدور حكم اتهام، عجز الأمن والقضاء اللبنانيين عن تنفيذه بثلاثة أشخاص، فارين من العدالة.
حتى الآن، جميع قضايا الاغتيال التي نظر فيها القضاء اللبناني لم يصل أي منها الى نتيجة او حكم.
وآخر ضحايا مسلسل الاغتيالات كان المثقف المناضل لقمان سليم، الذي مرت 3 سنوات على اغتياله الأسبوع الماضي.
هذه المواقف المتناقضة تجاه العدالة، والتي انقلبت 180 درجة، ليست سوى الدليل على أن قضية العدالة آخر ما يهم جبهة المقاومة والممانعة فعلياً.
لكن العدالة لا تتجزأ. ولا شك أن من يشيطن العدالة عندما تتهمه ويمجدها فقط عندما تتوجه ضد إسرائيل العدوة، لا تعود عدالة.
وتبين الوقائع المستمرة، تعرّض كل من يعارض سياسات جبهة المقاومة او الممانعة، من سياسيين وصحافيين وأصحاب رأي، للتهديدات العلنية بالموت، ولحملات التخوين.
ما يعني ان الرسالة التي وصلتهم حتى الآن: فلتطمئنوا. حتى لو أجرمتم، وحتى لو لم يمكنكم الإفلات من الاتهام والمحاكمة؛ فأنتم لستم كغيركم من المتهمين. ستظل المقامات محفوظة. وسوف يظل الأمل بالإفلات قائماً، كي ترتفع أيديكم الطليقة بعلامات النصر.
لقد جعلوا القتل أقصر الطرق للتخلص من كل معارض سياسي. وأن القتل هو الطريق الأسهل لاستلام السلطة والبقاء فيها او لتغيير السياسات.
قرأت مؤخراً ان الإسرائيلي مردخاي كيدار، كان قد كتب يوما مقالاً بعنوان “الحياة وجودتها في الوطن العربي، أرخص بضاعة في العالم”.
محكمة لبنان الدولية لم تكن فقط من أجل الحريري أو من أجل لبنان، بل من اجل العالم العربي ومستقبله ومن أجل ضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم المروعة من العقاب. كانت فرصة كي نقف بوجه تغيير الواقع السياسي بواسطة القتل، ولانطلاق حقبة تعلن بدء اتخاذ العدالة مجراها، ولبناء ثقافة تتغلب على العنف والتآمر وفبركة الجثث المشوهة المرمية على الطرقات.
الآن هناك فرصة جديدة لتفرض العدالة الدولية نفسها. فمحكمة العدل الدولية، التي كانت في العام 1966، قد رفضت شكوى رفعتها اثيوبيا وليبيريا ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، فقدت أهميتها منذ ذلك الحين، ولم تعد دول الجنوب العالمي تعير قراراتها أي اهتمام. ويبدو اليوم ان المحكمة تنبهت الى تلك النقطة السوداء من تاريخها، وتحملت مسؤولية تغيير النظرة اليها، وانها تدرك الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني من الممارسات الإسرائيلية الشائنة.
فأصدرت القرار التاريخي الذي يعد بإمكان تحقيق العدالة يوماً ما في فلسطين، متحدية كافة الدول، ولا سيما الولايات المتحدة، في دعوة للتعامل بجدية مع القانون الدولي، في زمن يكثر فيه العنف والنزاعات، ويتردى احترام سلطة مؤسسات القانون الدولية.
انها فرصة لنحقق في زمن العولمة الاقتصادية عولمة العدالة وحكم القانون وفرض الحقوق.
ان موقف قوى الممانعة ضد محكمة الحريري الدولية، هو نفسه موقف واشنطن والقوى الغربية، التي يزعمون مناهضتها، من محكمة العدل الدولية. انها سياسة الكيل بمكيالين.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها