الأثنين ١ تموز ٢٠١٩ - 08:50

المصدر: Arab Economic News

طاقم المستثمرين الجدد…

بنجاح، إجتاز 17 مصرفا في الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، “إختبار الضغط” Stress Test، الذي يُخضع المصارف إلى عمليات مالية غير حقيقية وإنما تحاكي الحقيقة، بغية اختبار قدرة صمودها في حال وقوع أزمات مالية وإقتصادية. وحده بنك “كريدي سويس” بقيت نتائجه معلقة رغم أنه لم يفشل، بل نال تصنيف “مشروط من دون إعتراض” إلى حين إجراء بعض الإصلاحات التي حددها مجلس الإحتياطي الإتحادي الأميركي (البنك المركزي). ويبقى الهدف من هذه الإختبارات التي تتعرض لإنتقادات منذ بدء المراجعة في العام 2009، هو طمأنة الأسواق المالية.

ما ستكون النتائج لو إضُطرت مصارف لبنان للخضوع لتلك الإختبارات؟ من المؤكد أن الأنفاس ستنقطع رغم التجارب الطويلة والمرّة التي مرّت بها المصارف اللبنانية، وخرجت منها سليمة بعد محاكاة واقعية لأزمات إقتصادية ومالية. فقد عايشت وتعايشت تحت مظلة مصرف لبنان، مع المفاعيل والترددات، ولا تزال تعاني من سوء أداء السلطة في معالجة المسببات لا النتائج.

مؤسسات المجتمع المالي التي تزور لبنان هذه الأيام لإصدار أحكام في تقارير ينتظرها المستثمرون وأصحاب الرساميل، تشيح بنظرها عن نشاط المصارف وأدائها المحكوم بأثقال التصنيف السيادي المعرّض للخفض في آب/أغسطس المقبل. فبعثة “المادة الرابعة” لدى صندوق النقد الدولي، كما وكالات التصنيف العالمية، تركز على الشقّ المالي من أزمة لبنان، ويبدو جليا أنها لم تقتنع بأن “مسرحية الموازنة” التي إقتصرت على إحتساب رقمي لعجز إنتصف العام قبل أن تضغطه مليارات “سيدر” المشروطة، هي علّة لبنان الوحيدة. ولا تنفكّ تذكّر المسؤولين بأن الإصلاحات الكفيلة بتصويب الإنحرافات ومكافحة الفساد هي مفتاح الحلّ.

تحفظ المسؤولون على تقرير “موديز” بشدة كونها ألمحت إلى إحتمال إتخاذ حكومة بيروت “إجراءات تشمل إعادة هيكلة الدين لعجزه إجراء إصلاحات حقيقية” من دون أن تسقط المطالبة بهذه الإصلاحات الإقتصادية والمالية لتفادي الأسوأ. قبلها “فيتش” وبعدها “ستاندرد أند بورز”، ستضعان هذا البند في ميزان التصنيف السيادي للبنان. إصلاح مسار الدين العام لوقف تناميه إلى ما يفوق الـ160% من الناتج المحلي الإجمالي حاليا، هو هدف المجتمع المالي لئلا يضطر إلى خفض تصنيف لبنان إلى مرتبة CCC، وهو الحدّ الذي يرفع معدلات الفوائد المحلية إلى أكثر من 14% التي إفتتحها أحد المصارف قبل أيام، فيزيد تاليا حجم الإنكماش في الإقتصاد الوطني.

يجول وفد صندوق النقد في بيروت، حاملا معه توقعاته الخاصة. فالنمو لن يتجاوز الـ0.3% لهذا العام، فيما الناتج المحلي الإجمالي قارب حافة الـ59 مليار دولار. هي أرقام تبدو أكثر تفاؤلا مما أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن نمو الـ0%، ومن تقديرات خبراء الإقتصاد لناتج الـ53 مليار دولار إستنادا إلى أرقام الإحصاء المركزي لعامي 2017 و2018. قد يتلاقى الصندوق مع بعض المسؤولين بأن مسار النمو السلبي لن يتغيّر إلا مع دخول نحو 2.5 مليار دولار إلى خزينة الدولة. والحلّ برأي الوفد الدولي هو بتكبير الصحن الضريبي عبر مكافحة التهرّب الضريبي وليس حكما بالضرائب وحدها.

اليوم مساء، تفرج لجنة المال والموازنة عن مشروع موازنة 2019 بعد تمحيص ألغى بنودا كانت تعوّل عليها الحكومة لخفض العجز العام الى 7.6%. وإلى حين إقرار مشروع الموازنة في مجلس النواب، تبقي المؤسسات الدولية آمالها معلّقة على وعي المسؤولين في بيروت بإتقاء شرّ الأحكام التي ستصدر تباعا بدءا من آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر لتحدّد جاذبية لبنان في سوق الإقتراض العالمية، كي لا تبقى تعوّل على دعم من هنا وهناك، على غرار الدعم القطري الذي بدأ يُترجم بالإكتتاب بمبلغ 500 مليون دولار في سندات “اليوروبوند” اللبنانية. ومن شأن ذلك أن يعوّض قرار وزارة المال إرجاء إصدار الـ3 مليارات دولار التي كانت تعتزم طرحه في الأسواق في نيسان/أبريل الماضي، إلى حين تحسن قابلية الأسواق.

رسائل سياسية تلقتها بيروت هذا الأسبوع. لكن، هل تتعظ قبل فوات الأوان؟
لا شكّ في أن إنعدام النمو هذا العام أثار مخاوف المجتمع الدولي على إقتصاد لبنان، لكن ليس أبعد من تلك الحدود، وتحديدا بما يطول إحتياطات مصرف لبنان وقدرته على الدفاع عن الليرة اللبنانية. يدرك المسؤولون أن إعادة الجدولة ليست صفقة سهلة، فالتكاليف ستكون كبيرة على المجتمع أولا، وهم الذين يحرصون في كل مناسبة على رعاية موقع اللبنانيين لئلا تأتي سياسات التقشف والضرائب على حسابهم ومن جيوبهم الفارغة.

لا ضير إن تخلى أهل السلطة عن بعض عاداتهم السيئة وأطماعهم التي لا حدود لها. فالصفقات تغلّف التسويات وتقتل الوعود وتفرّغ الإنجازات. الكهرباء في لبنان تبقى أسيرة التقنين وعاصية على كل تغذية. لذا، قد يسلّم اللبنانيون بكل ما يتردّد من خلف الكواليس ليحظوا بتغذية مقبولة تقيهم شرّ لهب التقنين الصيفي الآتي حتما بدءا من آب/أغسطس. إذ يُقال إن لا نية للحكومة، أو بالأحرى لطرفي التسوية (تياري “المستقبل” و”الوطني الحر”) بإدخال الكهرباء ضمن مشاريع “سيدر”، ليتمّ في المقابل إخراجها وتلزيمها خارج الأصول إلى “طاقم المستثمرين الجدد”، وهم من المحظيين الذين باتت حصصهم مكرّسة في كل التلزيمات لا المناقصات!

لا ضير من وقف السجالات التويترية التي ترجمتها الساحة الشوفية أمس، حادثا أمنيا كاد يغرق البلاد في حال إرباك لن تجد مَن يسرع إلى ضبطها. فالعالم منشغل من أوساكا اليابانية، برسم خرائط للعلاقات الدولية في عصر “صفقة القرن”. قليل من الوعي والحكمة يقي لبنان الكثير من الآثام المميتة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها