ميريام سويدان

الثلاثاء ٨ آب ٢٠٢٣ - 15:29

المصدر: المدن

“طبيب الشارع” وصل الى بيروت: معاينات واستشارات طبية مجانية

“متى كانت آخر مرّة زرت فيها طبيب صحّة عامة؟”… يفتتح الطبيب حسن خنافر، أو كما أطلق على نفسه “طبيب الشارع”، فيديوهاته بهذا السؤال، مخاطباً المارّة في المساحات العامّة في بيروت. والصادم أن أغلبهم لم يزر طبيباً أو يُجري فحوصاً طبيّة منذ سنوات، لأسبابٍ عديدة أبرزها، وفق إجابات المارّة، كلفة الرعاية الصحيّة المرتفعة وامتناع شركات التأمين عن تسديد كافة التكاليف.

قد يبدو مشهد إيقاف أشخاصٍ بشكلٍ عشوائي في الشارع مألوفاً، لا سيما بعدما اجتاح هذا “الترند” وسائل التواصل الاجتماعي مع صانعي محتوى جعلوا من هذا الأسلوب، المشهور عالمياً والذي يلقى رواجاً واسعاً، مادة لخلق محتوى يميل في أغلب الأحيان إلى سخافة أو حتى التنميط والمهانة. فأحدهم مثلاً يحمل ميزاناً في حقيبته، يجول في الشارع إلى أن يلتقي بامرأة، حينها يسألها عن وزنها، ثم يُخرج الميزان من حوزته ويطلب منها قياس وزنها للتأكّد من صحة كلامها، فـ”النساء يكذبن في وزنهن وعمرهن”، وفق صانع المحتوى هذا. وآخر مثلاً يمشي في الشارع و”يصطاد” النساء ليسألهن عمّا إذا كنّ خضعن لعمليات تجميل، بأسلوبٍ سطحيٍّ، وفي كثير من الأحيان يُلقي العبارة نفسها عليهن، “متل القمر بتشبهي هيفا وهبي/ مايا دياب”، في حصرٍ للجمال في هذين النموذجين من النساء.

الأمر مختلف مع حسن، وهو طبيب صحة عامة ثلاثيني، درس الطب في كندا ومقيم حالياً هناك، لكنه يزور لبنان بانتظام.

يرتاد حسن الشارع، حاملاً ميكروفوناً، وكاميرا الهاتف تلاحق المارّة بالطريقة نفسها التي استخدمها العشرات قبله، لكن المفارقة أن المحتوى الذي يُقدّمه الطبيب فيه منفعة، ولو بسيطة، للأشخاص الذين يلتقيهم وللمشاهدين.

يروي خنافر لـ”المدن” أن فكرة “طبيب الشارع” أتت من مفهوم الطبّ بشكل عام، والقائم على العمل التطوّعي وتقديم الخدمات والمساعدة. يقول خنافر: “لقد شاهدت الكثير من صانعي المحتوى يتّبعون أسلوب التجوّل في الشارع وطرح أسئلة عشوائية على الناس، استوحيت منهم وفكّرت، لماذا لا أقدّم محتوىً طبيّاً بهذا الأسلوب؟”.

الفكرة التي طرحها خنافر ليست الأولى عالمياً، إذ سبق أن نفّذها الطبيب الأميركي مايكل فارشافسكي، المعروف باسم Dr. Mike، والذي يملك أكثر من 11 مليون متابع لقناته التي افتتحها في “يوتيوب” منذ العام 2016. إلا أن خنافر هو الطبيب الأول لبنانياً وعربياً الذي يقدم على هذه المبادرة، منذ تموز/يوليو الفائت.

يجول خنافر مرتدياً زِيّ الطبيب، في الشارع، يطرح أسئلة طبيّة على المارّة، وفي بعض الأحيان يُعاينهم ويُقدّم لهم إرشادات طبيّة. يقول خنافر إن جولاته اقتصرت على أماكن عامة في بيروت كالكورنيش مثلاً باعتباره مكاناً مختلطاً يجمع فئات عمرية واجتماعية مختلفة، إلا أن خطّته هي التوسّع إلى خارج بيروت والتصوير في مدن أخرى وقرى نائية، لا سيما أن مبادرته تلقى ترحيباً واسعاً. يُضيف: “من أصل 20 شخصاً ألتقيهم في اليوم، واحد فقط يزور طبيب صحة عامة بانتظام، وهذا مؤسف”.

وفق خنافر، فإن غالبية المواطنين اللبنانيين لا تعرف الكثير عن الرعاية الصحيّة الأولية ومعلوماتها في المجال الطبي ضعيفة، وقد يكون ذلك مُضاعفاً في السنوات الأخيرة بفعل الأزمة الاقتصادية التي جعلت الطبابة رفاهية لمن استطاع إليها سبيلاً. هذا عدا المفاهيم الخاطئة المنتشرة، والتي تُسخّف دور طبيب الصحة العامّة، أو “طبيب العائلة”. إذ يُفضّل اللبناني مثلاً زيارة طبيبٍ متخصص عند الحاجة، في حين أن البروتوكول الصحي السليم يقول بأن يُتابع الشخص مع طبيب صحّة عامة على مدار العام، والأخير بدوره يُحيله إلى متخصص عند الحاجة. لذلك يرى خنافر أن النظام الصحي اللبناني بحاجة إلى إعادة تأهيل وهيكلة “تبدأ أولاً برفع ثقة اللبناني في طبيب الصحة العامة”.

يبدو خنافر حريصاً في فيديوهاته على الحفاظ على الخيط الرفيع بين تقديم المنفعة الطبيّة لأشخاص قد لا يمكلون كلفة معاينة طبيّة مثلاً، وبين تسخيف المحتوى الطبي باعتباره أحد “ترندات” وسائل التواصل. يظهر ذلك في كل فيديو يحثّ فيه خنافر “مريض الشارع” على زيارة طبيب صحة عامة وإجراء فحوص دوريّة.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها