علي نور الدين

الثلاثاء ١١ تموز ٢٠٢٣ - 20:19

المصدر: المدن

عوائق قانونيّة ودستوريّة تمنع التمديد لرياض سلامة

أقل من ثلاثة أسابيع تفصل لبنان عن انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيما غيّر المشهد كليًا الأسبوع الماضي بيان نوّاب الحاكم الأربعة، الذين لمّحوا إلى إمكانيّة اعتكافهم أو استقالتهم في حال حصول شغور في حاكميّة المصرف المركزيّة. وهذا البيان، أعاد إلى الأذهان شبح التمديد لحاكم مصرف لبنان، خصوصًا أن استقالة أو اعتكاف النائب الأوّل للحاكم سيغيّب الشخصيّة التي يفترض أن تتولّى مهام الحاكم بحسب القانون، في حال عدم تعيين حاكم جديد بعد انتهاء ولاية سلامة. وهذا تحديدًا ما طرح الشكوك والهواجس، التي أحاطت بخلفيّة هذا البيان وسبب إصداره، ومدى ارتباطه بوجود رغبة سياسيّة بالتمديد لولاية حاكم مصرف لبنان، بحجة تفادي الشغور في الحاكميّة.

ومع ذلك، ثمّة لائحة طويلة من الوقائع والحقائق التي تبرز على هامش انتهاء ولاية سلامة، والتي ستجعل مهمّة التمديد لحاكم مصرف لبنان مسألة شائكة من الناحيتين الدستوريّة والقانونيّة، حتّى لو اعتكف أو استقال نوّاب الحاكم.

التمديد ليس من صلاحيّة مجلس الوزراء
تمرير قرار التمديد لحاكم مصرف لبنان في مجلس الوزراء، سيحتاج إلى أكثريّة الثلثين لتأمين نصاب الجلسة، تمامًا كحال جميع المراسيم التي يقوم المجلس المصادقة عليها في اجتماعاته. وبهذا المعنى، لن يحتاج رئيس الحكومة نجيب الميقاتي إلى الاكتفاء بالدعوة إلى الجلسة ووضع مقترح التمديد على جدول أعمالها، بل سيحتاج إلى خوض معركة تأمين نصاب هذه الجلسة، في وجه رئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل، المقنع بإمكانيّة تلافي الفراغ من خلال تعيين حارس قضائي على المصرف المركزي. كما سيحتاج ميقاتي إلى جرّ حزب الله إلى معركة التمديد لسلامة، في حين أنّ الحزب ما زال يميل إلى الضغط على نوّاب الحاكم لتحمّل مسؤوليّاتهم في حال شغور منصب الحاكم.

لكن بمعزل عن كل هذه الإشكاليّات السياسيّة، ثمّة إشكاليّات قانونيّة ودستوريّة لا تقل أهميّة. فالمادّة 18 من قانون النقد والتسليف تنص على امتلاك الحكومة صلاحيّة تعيين الحاكم في ولاية كاملة من ست سنوات، لكنّها لا تمنح الحكومة صلاحيّة تمديد أو تقصير ولاية الحاكم الموجود أساسًا.

وبهذا المعنى، أقصى ما يمكن أن تقوم به الحكومة الحاليّة بحسب القانون هو تعيين رياض سلامة في ولاية جديدة وكاملة، لا تمديد ولايته لفترة معيّنة. وهذا السيناريو، أي تعيين سلامة في ولاية جديدة، مستبعد جدًا، إن لم يكن مستحيلًا. فعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم جديد في ولاية كاملة، في ظل الفراغ الرئاسي، هي المسألة الوحيدة التي يمكن أن تبرّر التمديد لسلامة، لمنع الشغور في منصب الحاكميّة إذا استقال أو اعتكف النائب الأوّل للحاكم. فعلى أي أساس سيتم تبرير تعيين سلامة نفسه في ولاية كاملة وجديدة، بدل تعيين حاكم جديد؟

هذا المشهد، يقودنا للنظر باتجاه مجلس النوّاب، الذي يملك وحده صلاحيّة تعديل قانون النقد والتسليف، للسماح بتعديل ولاية حاكم مصرف لبنان الحالي رياض سلامة وتمديدها. وهذا الطرح، سيعيد السجال حول إمكانيّة التئام الهيئة العامّة لمجلس النوّاب للتشريع، في ظل الفراغ الرئاسي، وهو ما ترفضه الغالبيّة الساحقة من قوى المعارضة من حيث المبدأ، فكيف سيكون الحال إذا كان هدف الجلسة تمرير قانون إشكالي وغير شعبي من هذا النوع؟ عند هذه النقطة، سيحتاج مشروع القانون إلى تأييد نوّاب كتلة لبنان القوي لتأمين نصاب الجلسة التشريعيّة، إلى جانب نوّاب الثنائي وحلفائهما، وهو ما سيستحيل تأمينه بالنظر إلى موقف النائب جبران باسيل من فكرة التمديد للحاكم.

القانون يمنع الشغور أو الفراغ
القانون ينص إذًا على الموانع التي تحول دون التمديد للحاكم في مجلس الوزراء. لكنّه ينص أيضًا على جميع الأدوات الممكن تخيّلها لمنع الشغور في منصب الحاكم، ما سيسحب جميع الذرائع التي يمكن استخدامها لاقتراح التمديد لرياض سلامة.

فكما بات معروفًا اليوم، تنص المادّة 25 من قانون النقد والتسليف على استلام النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان مهام الحاكم في حال حصول أي شغور في الحاكميّة. وفي حال غياب النائب الأوّل –وليس استقالته- يمكن أن يحل مكانه النائب الثاني، تمامًا كما تنص المادّة 27 من القانون نفسه. إلا أنّ القانون لا ينص على أي مخرج، في حال انتهاء ولاية الحاكم واستقالة النائب الأوّل في الوقت نفسه، وهو ما يعطي نوّاب الحاكم ورقة الضغط التي يستخدمونها، من خلال التلويح بالاستقالة في حال حصول أي شغور في الحاكميّة.

ومع ذلك، ورغم عدم وجود مخرج لاحتمال شغور المنصبين معًا (الحاكم والنائب الأوّل)، إلا أنّ قانون النقد والتسليف يحتوي على المواد التي تمنع الوصول إلى هذا السيناريو. فاستقالة النائب الأوّل للحاكم لا تصبح نافذة بمجرّد تقديمها، بل يفترض أن تتم الموافقة عليها من قبل الحكومة بموجب المادّة 24 من قانون النقد والتسليف. وعلى هذا الأساس، وفي حال تقدّم النائب الأوّل باستقالته، على أعتاب الشغور في منصب الحاكم، يمكن لمجلس الوزراء أن يرفض الاستقالة أو يتريّث في قبولها، كما يمكن له أنّ يطلب من النائب الأوّل الاستمرار بممارسة مهامه حتّى إشعار آخر، وهو ما سيفرض على النائب الأوّل للحاكم البقاء في منصبه.

أمّا إذا قرر نوّاب الحاكم الاعتكاف وعدم ممارسة صلاحيّاتهم، رغم عدم قبول استقالتهم في مجلس الوزراء، فسيترتّب عليهم مسؤوليّات قانونيّة وجزائيّة، بحكم تعمّدهم عرقلة انتظام عمل المرفق العام. مع الإشارة إلى أنّ نوّاب الحاكم الأربعة يقسمون اليمين على أداء وظائفهم ضمن المفاهيم الدستوريّة، أمام رئيس الجمهوريّة، بالنظر إلى حساسيّة المهام التي يقومون بها في المجلس المركزي لمصرف المركزي. كما نصّ قانون النقد والتسليف على وجود تباينات في مدّة ولاية الحاكم ومدّة ولاية نوّابه، للحؤول دون تطابق موعد انتهاء ولاية الحاكم مع موعد انتهاء ولاية نوّابه، كي لا يحدث الشغور في الحاكميّة.

مخارج متعددة في حال الشغور
ببساطة شديدة، لا يمكن بحسب القانون تمديد ولاية سلامة في مجلس الوزراء، كما لا يوجد أي حجّة قانونيّة تفرض هذا التمديد، حتّى لو تقدّم نوّاب الحاكم باستقالتهم، في ظل الموانع القانونيّة التي تحول دون حصول الفراغ في منصب الحاكميّة.

ومع ذلك، وحتّى إذا حصل المحظور، وأصرّ نوّاب الحاكم على تحدّي القانون والاعتكاف وعدم تسيير أعمال المصرف، وحتّى إذا أراد هؤلاء تحمّل المسؤوليّة الجزائيّة التي ستنتج عن هذا التحدّي، ثمّة مخارج متعددة تسمح بتلافي الشغور في منصب الحاكميّة، من دون التمديد لرياض سلامة.

فالقانون يسمح للحكومة أو لهيئة القضايا أو أي طرف متضرّر من الشغور في مصرف لبنان، يتوجيه مراجعة لدى مجلس شورى الدولة، بوصفه القضاء الإداري الذي يملك صلاحيّة التدخّل في هذه الحالة. وبإمكان مجلس شورى الدولة أن يصدر قرارًا يسمح بتعيين مدير أو مسؤول مؤقّت، لتسيير أعمال المصرف ومنع الشغور في منصب الحاكميّة. وهذا الخيار، يختلف عن الخيار الذي يتبنّاه رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل، والقاضي بالتوجّه إلى القضاء العدلي، بهدف فرض تعيين حارس قضائي يحافظ على مصالح وموجودات المصرف المركزي. وأخيرًا، يبقى أمام مجلس الوزراء خيار تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وهو خيار سيصبح واجبًا إذا تبيّن أنّ كلفة التقاعس عن القيام به ستكون شغورًا في أخطر منصب مالي ونقدي في الدولة اللبنانيّة.

كل ما سبق ذكره، يؤمّن ما يكفي من أسلحة قانونيّة ودستوريّة للحكومة، لمواجهة التهرّب من المسؤوليّة الذي حاول نوّاب الحاكم القيام به في بيانهم، ولمواجهة أي محاولة للتمديد لحاكم مصرف لبنان. إلا أنّ استخدام كل هذه الأسلحة القانونيّة سيحتاج أولًا لوجود إرادة سياسيّة قبل كل شيء، لتمرير المرحلة الراهنة وطوي صفحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أمّا في حال وجود رغبة بالتواطؤ للتمديد لسلامة، فجميع هذه الأسلحة هذه ستبقى على الرف، فيما سيكون التمديد لسلامة الخيار المفروض بحكم الأمر الواقع، في الساعات الأخيرة وبغياب أي بديل.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها