فرانسوا ضاهر

السبت ٢٥ كانون الثاني ٢٠٢٥ - 13:45

المصدر: صوت لبنان

في المعادلة السياسية الجارية على أرض الواقع

من الثابت أن الفريق الممانع وعلى رأسه ممثّلو الطائفة الشيعية في لبنان بغطاء من تيار مسيحي راجح عددياً (التيار الوطني الحر) قد تمكّنوا من إرساء أعراف وممارسات وآليات عمل غير دستورية، من خلال رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري، أجازت لهم التحكّم بعمل المجلس المذكور وانتاجيته، كما بترسيخ آلية لانتخاب أي رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بالتسوية دوماً، والحؤول دون انتخابه، في كل الأحوال، بالأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس المذكور.

وهذا ما مكّنهم على مدى أربع ولايات رئاسية متتالية من التوصل الى مراميهم، بما في ذلك الرئاسة الأولى التي تمّ انتخابها بالأمس.

وإن الذي ساعد في تحقّق هذه الوضعية هو أن الفريق المعارض، فريق ١٤ آذار، قد كان مشرذماً دوماً، منقسماً على ذاته، وراضخاً في الباطن لكل هذه الأعراف والممارسات والآليات غير الدستورية التي كان يبتدعها خصمه.

من ناحية أخرى، عمل الفريق الممانع على وضع يده على السلطة الاجرائية، حتى ولو لم يكن له الأكثرية المطلقة في تكوين المجالس الوزارية التي تؤلفها.
فإستخدم لهذه الغاية حيازته دوماً على الثلث العددي المعطّل من الوزراء في التركيبة الحكومية حتى يحول دون إنعقادها عند الاقتضاء، كما إستخدم مصطلح الميثاقية بمفهوم مقاطعته لجلسات مجلس الوزراء لشلّ العمل الحكومي حينما يكون متجهاً الى مقرّرات يعارضها، كما إستخدم كذلك فعل الامتناع عن توقيع المراسيم والمقرّرات التي كانت تصدر عن الحكومة بصورة مخالفة لرأيه، من خلال إمساكه بوزارة المالية التي كان يسعى الى إبقائها على الدوام من حصته الوزارية، خلافاً لاحكام الدستور ومحاضر إتفاق الطائف.

وها نحن اليوم، ضمن هذه المعادلة السياسية في الداخل اللبناني، حيث يعمل الفريق الممانع على الإبقاء على قبضته على السلطة الاجرائية. وذلك حتى يفسّر اتفاق ٢٠٢٤/١١/٢٧ على نحو يناسبه، ويقحم السلطة اللبنانية في تغطية مفاهيمه وتفسيراته له، ويحمل تلك السلطة على أن تكون ظهيراً له عندما يستسيغ مقاومة العدو الاسرائيلي لاحقاً، ويتمكّن من أن يوفّر لنفسه أيضاً، عبر الوزراء المحسوبين عليه، الامدادت الخارجية، وبخاصة من الجمهورية الاسلامية الايرانية، لترميم قدراته العسكرية وتدعيم بيئته البشرية وتأمين وصول الاموال اليه لإعادة بناء مجتمعه وتقويم مشروعه السياسي الإقليمي وتحقيق نصرته في الداخل اللبناني.

وعليه، يكون العهد الجديد في مواجهة كل هذه المعادلة السياسية، وإن التشكيلة الحكومية المرتقبة هي معدّة لأن ترصد الى أي مدى هي قادرة على تفكيك كل هذه القبضة التي تحكم آلية عملها، والى أي مدى هي قادرة على إسقاط كل هذه الأعراف والممارسات والمصطلحات غير الدستورية التي تقوّض سلامة وصحة وسيادة أدائها.

ومن هنا، تكون المعارضة اللبنانية السياديّة قد إعتمدت إستراتيجية مقلوبة. فعوضاً عن أن تطرح عقد مؤتمر وطني تأسيسي إثر إتفاق ٢٠٢٤/١١/٢٧ (كما أشرنا الى ذلك تكراراً)، ذهبت الى ملعب الفريق الممانع، ووافقت معه على ترميم المؤسسات الدستورية في البلد، وهي مجرّدة من الأدوات التي تمكّنها من الإمساك بمفاصل عملها. فضلاً عن أنها غير متفاهمة معه، على المشروع السياسي الذي سيحكم الكيان اللبناني بعد هذا الإتفاق. ولا حول هويته ومصيره وتركيبته وكيفية إدارة شؤونه، ولا حول النظام السياسي الواجب إعتماده لتحقيق استقراره وسلمه الأهلي، بصورة مستدامة.

فالمطلوب من اللبنانيين من قبل الدول الصديقة الغربية والعربية هو الانقلاب على التركيبة السياسية السائدة وعلى المعادلة التي تحكم هذا الكيان من خلال حكم مركزي فقد فيه السياديّون الحياديون أدوات قلب موازين القوى فيه من خلال مؤسساته الدستورية. بحيث لم يبقى لهم الاّ طرح إعادة النظر بالتركيبة بحدّ ذاتها. عسى أن تستجيب هذه الدول لمؤازرة هذا الطرح دون سواه، من خلال مؤتمر دولي تعقده لهذه الغاية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها