فرانسوا ضاهر

الخميس ١٨ تموز ٢٠٢٤ - 21:12

المصدر: صوت لبنان

في مصير حقوق المودعين والدائنين في لبنان

في مصير حقوق المودعين والدائنين في لبنان :

١- إن الغالبية الغالبة مجمعةٌ في الباطن (بالأدلة والاستقراء) على عدم إعادة ودائع المودعين بالعملة الأجنبية الاّ في حدود سقف مالي نقدي يصل الى ماية (١٠٠٠٠٠) الف دولار اميركي يستوفى وفق تعميم مصرف لبنان رقم ١٥٨ على مدى خمس عشرة سنة تقريباً، او وفق التعميم ١٦٦ ضمن مبالغ سنوية محدودة ولآجال محدودة أيضاً.

٢- بدليل أن أولئك السياسيين من ممانعين ومعارضين يتشدّقون بأنهم يعملون على إعادة كل ودائع المودعين. غير أن أفعالهم ومشاريع القوانين المنكبين على دراستها في أروقة المجلس النيابي (قانون الكابيتال كونترول وقانون إعادة الانتظام المالي وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي وقانون استرداد الأموال المهربة الى الخارج وقانون إنشاء الصندوق السيادي وقانون الإثراء غير المشروع وخطة التعافي الاقتصادي الحكومية وغيرها) إنما تناقض في مضمونها تصاريحهم وادلاءاتهم العلنية.

٣- فضلاً عن ذلك إن أصحاب المصارف وكبار إدارييها يجهدون من جهتهم لتصفية ودائع المودعين بشرائها نقداً بما لا يتجاوز عشر (١٠/١) قيمتها الاسميّة او الدفتريّة. وذلك مثلما جهدوا، على حساب ودائع المودعين دوماً، لتغطية ديون عملائهم المقترضين لديهم بالعملة الاجنبية، اما بالشيكات المصرفية المحرّرة بذات العملة واما بالدولار الاميركي النقدي بعد تقويم تلك القروض بالليرة اللبنانية على سعر صرفها الرسمي.

٤- اما كبار الاقتصاديين كما فريق عريض من السياسيين من خلفهم فإنهم يجيدون بدورهم إغراق الحقيقة بنظرياتهم الفضفاضة والمغلوطة والخاوية التي تقول بأنه يجب تتبع كيف أنفقت المديونية العامة للدولة وتحديد المسؤولين عن هذا الإنفاق ومقدار مسؤولية كل منهم فيه. وذلك حتى يمكن استرداد الأموال المسروقة والمهدورة والمنهوبة والمحوّلة الى الخارج عنوةً، فيتمّ بعد ذلك توزيعها على المودعين من أصل مجمل ودائعهم. علماً أن مسألة التتبع هذه، هي مستحيلة التحقّق، على وجه مطلق، بالنظر لما تتطلبه من مراجعات قضائية وملاحقات إدارية قد تطول لسنوات دون أن تصل الى أي نتائج فعلية، بالنظر لتركيبة البلاد السياسية وانعكاسها على الاداء القضائي وأجهزة الرقابة والتفتيش الإداري فيها.

٥- اما القضاء في لبنان فقد تولّى من جهته، على مدى السنوات الأربع الأخيرة، تصفية حقوق الدائنين بالعملة الاجنبية عن طريق الترخيص للمدينين بتسديد ديونهم تجاههم بالعملة الوطنية على سعر صرفها الرسمي، ملحقاً خسائر فاحشة بهم (بهؤلاء الدائنين). وذلك خلافاً لأحكام القانونين العام والخاص ولقواعد العدل والانصاف. مراعياً في ذلك دوماً مصلحة المدين، ولو سيء النية، على حساب الدائن.

٦- بحيث يكون المودعون والدائنون في لبنان امام منظومة بكامل أركانها وأجنحتها، السياسية والمصرفية والقضائية، تتناغم في ما بينها وتتكامل في الطروحات الفضفاضة والنظريات الخاوية والمغلوطة والقوانين المجوّفة، لغاية إبتلاع ودائع المودعين وإسقاط حقوق الدائنين لمصلحة أصحاب المصارف والمقترضين لديهم والمدينين السيئي النية.

٧- حتى يمكن القول في المحصّلة، ليس في كل ما تقدم ما ينبئ بإمكانية إعادة بناء ما تهدّم من لبنان وبإعادة الثقة الى القطاعين العام والخاص فيه، لآماد قد تطول. الامر الذي يعزّز الاقتصاد النقدي ويجعله القاعدة الاساس في كل أنواع التعاملات، مع ما يستتبع ذلك من تهرّب ضريبي ويفتح الباب على مصراعيه لتبييض الأموال من خلال الأسواق المحلية.

٨- في حين أنه يقتضي العمل، بكل بساطة وشفافية وصدقية، على إصدار قانون (كنّا قد إقترحنا صيغةً له على المعنيين وجمعيات حماية حقوق المودعين) يلزم الدولة ومصرف لبنان بإيفاء كتلة مديونيتهما العامة للمصارف على دفعات مقتطعة من موازنتهما السنوية لغاية إطفائها كاملة ضمن مهلة زمنية محدّدة. وذلك حتى تتمكّن هذه الأخيرة (المصارف المذكورة) من إستعادة سيولتها، فتقوم للتوّ وتدريجاً بردّ ودائع المودعين المودعة لديها. فتسلم وتنأى عن التوقف عن الدفع والتصفية، كما عن إعادة الهيكلة، التي تهدف في العمق الى إعادة النظر بتركيبة القطاع المصرفي برمته.

القاضي السابق
والمحامي فرانسوا ضاهر

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها