الأثنين ١٠ حزيران ٢٠١٩ - 08:34

المصدر: Arab Economic News

مربكة هي العقوبات…

مربكة هي العقوبات التي تُفرض على دول لسلوكيات خاصة تتعارض مع مصالح العالم… أربع دول شكلت محور تعاون في ما بينها، وواجهت، أقله حتى اليوم، المجتمع الدولي بكل سلطته وقوّته، لتبقى سدّا منيعا في وجه ما تعتبره تسلّطا على شؤونها الداخلية وإمتداداتها الخارجية التي فرّخت إذرعا عسكرية إنتشرت في بيئات حاضنة، بدءا من الشرق الأوسط وصولا إلى أميركا اللاتينية.

العقوبات كانت السلاح الأفعل لقطع تواصل السلسلة التي تبدأ من روسيا وتتمركز في إيران لتعبر منها إلى سوريا قبل أن تستقرّ في فنزويلا. هي سلسلة سياسات تقف في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل كعنوان للمواجهة، لكنها تهدف بالطبع إلى أبعد من ذلك، ربما إلى تشكيل قوة تتوازن بثقلها مع ما يحاول “البوليس الدولي” أي أميركا، فرضه بقوة السلطة الوحيدة على كافة دول العالم.

لكن، مربكة هي العقوبات التي حيّرت الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي بادر إلى فتح جزء من المعابر الحدودية مع كولومبيا بعد إقفال لمنع دخول أطنان من مساعدات المجتمع الدولي وقطع هجرة طالت 1.3 مليون مواطن. قرارٌ تزامن مع تشديد الخزانة الأميركية ضغطها على شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة PDVSA لإعتمادها على مخففات اللزوجة من أميركا لتضيفها إلى نفطها الثقيل جداً، فيُصبح قابلاً للتصدير. لكن تلك التجارة حُظّرت في كانون الثاني/يناير، ما أرغم الشركة على البحث عن مورّدين آخرين، يُشاع أنها شركة “روسنفت” الروسية التي باتت تسيطر على الشق المالي لـPDSVA منذ تخلفها عن الإستثمار في السندات الروسية. رغم ذلك، إنخفضت صادرات فنزويلا النفطية 17% في أيار/مايو بسبب العقوبات.

مربكة هي العقوبات التي دفعت طهران إلى التحالف القسري مع موسكو، بعد مواجهات مباشرة كادت تنفجر في حرب سوريا، من أجل جبه موجة التشدّد الأميركي التي طالت أخيرا “شركة الخليج الفارسي” للبتروكيماويات لوقف دعمها المالي للحرس الثوري الإيراني. ويستهدف إجراء وزارة الخزانة “الحدّ من تمويل أضخم مجموعة بتروكيمياويات في إيران وأكثرها ربحا، ويشمل 39 فرعا ووكيلا لها في الخارج”. وقطاع البتروكيماويات هو الثاني بعد النفط من حيث الإيرادات، الذي تشمله عقوبات واشنطن إثر فضّ وفاق “الإتفاق النووي” وتداعياته التي طالت إستثمارات القارة العجوز أولا، بعدما جمّدت تعاملات مختصة بمؤسسات مالية ومصارف وشركات تجارية وأجهزة عسكرية وشخصيات بارزة متهمة بتمويل أنشطة إرهابية.

مربكة هي العقوبات التي تطوّق روسيا من كل حدب وصوب، إذ تأتيها مرة من باب خرق معاهدة الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ومرة أخرى من باب التجسّس وإغتيال الجواسيس أو حتى من باب الإتهام بخرق العقوبات المفروضة على دول أخرى مثل إيران وسوريا وفنزويلا، وأيضا بسبب “إستخدام أسلحة كيماوية أو بيولوجية في خرق للقوانين الدولية”. وقد بلغ عدد رزم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا منذ العام 2012، أكثر من 60 رزمة، 7 منها منذ تسلم دونالد ترامب رئاسة أميركا في كانون الثاني/يناير 2017.

لا ينتهي طوق العقوبات عند هذا الحدّ. فالنماذج تطال أيضا سوريا وكوريا الشمالية اللتين تلتقيان بدول “المحور المُعاقَب” من خلال إعتماد سياسات متشابهة أفضت إلى حصار إقتصادي بفعل طوق العقوبات. ورغم حملات التظاهر بوجود مكامن قوة ومناعة وصمود، أنهكت تلك العقوبات الناتج المحلي الإجمالي لكل من دول المحور بفعل وقوع إقتصاداتها في الإنكماش بدل النمو، وضعف العملات الوطنية بدل الإستقرار، وإرتفاع التضخم وتاليا أسعار الإستهلاك، وإرتفاع البطالة مع تراجع فرص العمل الجديدة نتيجة إنعدام الدفق الإستثماري الأجنبي. كل ذلك أفضى إلى أزمات فقر وجوع وهجرة.

هل لبنان على خريطة العقوبات؟
بما أن “حزب الله” مصنّف أميركيا كأحد أذرعة إيران العسكرية، كان من الطبيعي أن تشمله العقوبات. وبما أن الحزب دخل الحياة السياسية في لبنان من بابها العريض، فهو أيضا أقحم لبنان، حكومة ومجتمعا، في سلة الحصار الإقتصادي والمالي ولو من بعيد، رغم أن لبنان يتجاهل دوما حجم التداعيات التي قد تخلّفها العقوبات على إقتصاده المنهك منذ الإضطراب الجيوسياسي في المنطقة الذي أقفل أبواب التسوية وفتح باب التدخلات العسكرية.

وأكثر، يبدو لبنان في غفلة عما يجري في الساح العالمية. فرئيس حكومته سعد الحريري في “نصف إستقالة” بعد العطب الذي أصاب التسوية الرئاسية ويتهدّد بتقويض ما بُنيت عليه من إتفاقات سرية وعلنية، فيما رئيس التيار البرتقالي وزير الخارجية جبران باسيل يشاكس مهددا بتعثر مساعي التوافق، ومثيرا عنصرية العمالة متسبّبا بأزمات مع دول شقيقة، ومُتهما بوضع العصي في دواليب “سيدر” وملياراته سدّا لعجز إرتفعت سريعا تقديرات نسبه من معدّل مخفّض إلى 7.5% في مشروع موازنة 2019 إلى 8.5% إن لم تُرغم المصارف على الإكتتاب بنحو 7 مليارات دولار بفائدة 1%.

لكن، “لا سيولة لدى المصارف تكتتب بها، ولا قدرة لها أن تتحمل الإكتتاب بفوائد خارج آليات السوق”، يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وفق محضر اللقاء الشهري الذي إنعقد بتاريخ 31 أيار/مايو الماضي. ما تسرّب كان كافيا للمصارف نفسها، إذ إقتصر موقفها على عدم وصول “الطلب الرسمي” إلى أروقة الجمعية، مع أن وزير المال إحتسب ملياراته ضمن مشروع الموازنة، فيما ألمح رئيس الحكومة مرارا إلى تكفّله بإقناع المصارف بالإكتتاب!

مربكة هي العقوبات التي أوقعت لبنان ما بين نارين: “حزب الله” أحد مكوّنات مجتمعه، والمصارف الرئة الوحيدة التي يتنفس منها، فيما ينشغل السياسيون بمناكفاتهم وهم يبحثون في كومة القش بحثا عن مكاسب جديدة لا عن تعزيز مشاعر الثقة…

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها