المصدر: المدن
ملف النفايات إلى الواجهة: هل يعاد فتح مطمر الناعمة؟
لبنان مقبل على إنفجار بيئي، مشهد النفايات قد يعود إلى الشارع، مطامر ومكبات النفايات بدأت بالامتلاء. هذه تحذيرات تطلق بين الفينة والأخرى في ملف النفايات. وبات البلد يحوي على أكثر من ألف مكب عشوائي في كافة المناطق ولا سيما الريفية منها، ما يفاقم تلوث التربة والمياه الجوفية. وعمليات الحرق في المكبات تؤدي إلى أمراض سرطانية.
الأهالي والناشطون: لا ثقة
خلال العام 2018، بلغت كلفة إدارة النفايات الصلبة التي دفعتها الدولة اللبنانية 180 مليون دولار، فيما بلغت كلفة التدهور البيئي للقطاع حوالى 200 مليون دولار. وإدارة ملف النفايات تخضع لعدة وزارات في آن معاً. ما يعني أن آلية العمل بها بطيئة جداً، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان، وعدم التمكن من تأمين اعتمادات للشركات المتعهدة.
وما يعيد أزمة النفايات إلى الواجهة هو كالعادة التلويح بإعادة فتح مطمر الناعمة، الذي جرى إقفاله في العام 2016، بعد سلسلة من الاحتجاجات، استمرت أكثر من ثلاث سنوات، كما لا يمكن إغفال الدور السياسي الذي لعبه الحزب التقدمي الاشتراكي بإغلاق المطمر، الذي كان يستقبل نفايات لبنان بأكمله منذ العام 1998.
بالرغم من الحركة الناشطة لوزير البيئة ناصر ياسين، وإطلاقه لخطة بيئية في العام 2022، إلا أن البعض يراها مناورة لا أكثر. وهذا ما يلفت إليه المهندس فؤاد يحيى (من لجنة أهالي الناعمة)، في حديثه لـ”المدن”، قائلاً، “على مدى عامين راقبنا عمل الوزراة في ملف النفايات، ولم نرَ حلولاً فعلية لمشكلة النفايات، مع تمدد للشركات المحتكرة لجمع النفايات، وهي التي تسعى جاهدة إلى القول بأن حل الأزمة هو إنشاء مطامر، أو إعادة فتح مطمر الناعمة، لأن لديه قدرة استعابية للمزيد من النفايات”. ويشير يحيى بأن الخطة التي وعد بها أهالي منطقة الشوف وعاليه، جراء إقفال مطمر الناعمة، كالتغذية الكهربائية للمنطقة، وإنشاء معامل للفرز في بلدات المنطقة، نفذت لعام، ومن بعدها دخلت المناكفات السياسية في الملف.
يتحضر الناشطون من أهالي القرى المجاورة لمطمر الناعمة للتصعيد، حالما يرون أن الدولة متجهة لفتح المطمر. يقول الناشط في منطقة عاليه، ومسوؤل النادي العلماني في عاليه داود عياش، إن “معظم البلديات في المنطقة المحيطة بالمطمر تم حَلَها، كبلديات الناعمة وعرمون وعبيه، وهي نية واضحة للحزب التقدمي الاشتراكي للضغط على البلديات للموافقة على إعادة فتح المطمر أو حلها، وقد نجح بذلك”. ويلفت الناشط عياش، إلى أن “حل البلديات، هو لكي لا يكون هناك جهات أساسية كالبلديات، تواجه قرار فتح المطمر. فقد حُصرت مهام البلديات المنحلة بيد قائمقام عاليه السيدة بدر زيدان، التي ستنفذ قرار السلطات السياسية لدى إعادة فتح المطمر”. ويلفت عياش، بأنه جرى تقديم طرح من قبل المراجع المختصة أن يتم إعطاء الكهرباء 24/24 مقابل فتح المطمر ورمي نفايات لبنان فيه، لكن ذلك لم ولن يمر. يقول عياش إن المعمل من المفترض أن يؤمّن حوالى 6 ساعات كهرباء بعد الانتهاء من الصيانة. وتجدر الإشارة إلى أن المولدات متوقفة عن العمل من سنة 2019، بحجة عدم وجود اعتمادات لشراء الزيوت وتصليح المولدات. ومنذ حوالى الشهر تأمن وصول المعدات والزيوت، وتم إصلاح اثنين من المولدات وتحويل الكهرباء على الشبكة، بانتظار إنجاز الصيانة بالكامل قريباً، وفق الناشط عياش.
توقف معامل الفرز عن العمل
عند إقفال مطمر الناعمة في العام 2016، قامت بلدة عبيه بإنشاء معمل لمعالجة النفايات، معتمدة على الفرز من المصدر. واستطاعت أن تصل إلى 80 % بمعالجة نفايات البلدة، بعد تعود أهالي البلدة على فرز نفاياتهم في المنزل. وتكفلت البلديات بمعالجتها في المعمل، والتخلص من النفايات العضوية. لكن مجلس البلدية برئاسة غسان حمزة، قدم استقالته، بعد حديث الحزب التقدمي الاشتراكي عبر النائب أكرم شهيب، عن إعادة فتح مطمر الناعمة، وفق ما يقول رئيس البلدية لـ”المدن”: “لقد ضحكوا علينا بإمدادنا في الكهرباء وقد وُفرّت لمدة عام، ومن بعدها توقفت، على إعتبار أن المطمر بحاجة لصيانة، مع ترافق الموضوع بتلزيم المطمر لمجلس الإنماء والإعمار”. ويشير حمزة، بأن معمل بلدته توقف عن العمل بعد يومين من استقالة البلدية، وجرى تلزيم جمع النفايات إلى شركة سيتي بلو، التي تقوم بجمع النفايات في المنطقة كل 15 يوماً، والمنطقة تغرق بالنفايات، ما يدل على نية للضغط لإعادة فتح المطمر، لكن ذلك لن يمر إلا على أجسادنا”. ووفقاً لحمزة ، “إن الاعتمادات التي كانت مخصصة لبلديات المنطقة من أجل معالجة المحلية للنفايات، لم تصل. وهذا يدل على فساد وسرقة من قبل المعنيين”. كما لا يؤمن حمزة بالدور الذي يلعبه وزير البيئة ناصر ياسين “الذي تبين أنه من المنظومة السياسية القائمة في البلد”.
وقد حاولت “المدن”، التواصل مع النائب الاشتراكي عضو تكتل “اللقاء الديمقراطي” راجي السعد، لسؤاله عن دورهم في هذا الملف، لكنها لم تلقَ جواباً.
حقائق عن مطمر الناعمة
لم يخلُ يوماً مطمر الناعمة من المناكفات السياسية، وأُرفق أيضاً بتحذيرات عدة عن انفجارات محتملة في المطمر في العام 2021، إضافة إلى قضية التلزيمات للشركة المشغلة. في العام 2018 تعاقد مجلس الإنماء والإعمار مع شركة Clean Energy Solution، لتشغيل وصيانة هذه المنشآت حتى تاريخ تسليمها إلى مؤسسة كهرباء لبنان في العام أيار 2021. ومنذ ذلك تاريخ أصبحت المنشآت بعهدة مؤسسة كهرباء لبنان. ويقول مكتب مجلس الإنماء والإعمار لـ”المدن”: “ليس هناك أي علاقة بين مهام تشغيل وصيانة منشآت وصيانة مطمر الناعمة الصحي، التي ما زالت بعهدة مجلس الإنماء والإعمار”. كما يرى المجلس والشركة المتعهدة، بأنه مطمرٌ نموذجي وصحي في منطقة الشرق الأوسط، فيما يراه أهالي المنطقة قنبلة موقوته في محيط قراهم.
“المدن”، جالت في مطمر الناعمة لتطلع على أعمال التشغيل والصيانة، وعمل المولدات الكهربائية، بعد أن كانت متوقفة عن العمل لأكثر من عام، وتوقف معها إمداد القرى بالكهرباء مجاناً. قد يُخيل للبعض بأن المطمر عبارة عن جبل للنفايات على جانبيه، لكن التجوال بالمكان هو أشبه بمحمية طبيعية، لا روائح كريهة تنبعث منه، ولا حتى هناك تواجد للبعوض، أو الحشرات التي تتكاثر على النفايات. حيث تمت معالجة النفايات التي تم استقبالها على مدى سنوات، عبر التخلص من الغازات المنبعثة، وتمديد شبكة غاز موصولة بأنابيب تحت الأرض ومفتوحة عبر “ريغارات” يستخدمها العمال لتنفيس الغازات التي تتجمع داخل المطمر، إضافة إلى تمديدات لأربعة فلترات (مشعلة) مهمتها حرق هذه الغازات عبر ساعات الضغط الموجودة تحت الأرض. كما تتضمن مهمة العمال، التعامل مع عُصارة النفايات من خلال نقلها من منطقة التجمع، إلى معمل التكرير الذي يحتوى على 6 مستنقعات. ومنها يقوم العمال بسحب العصارة إلى خلاط كبير لتخلط فيه أطنان من الكلس قبل أن تنقلها الصهاريج إلى نهر الغدير. كما يهتم العمال بالعشب الذي زُرع على مساحة المطمر التي تُقدر بـ 300 ألف متر مربع. كما تعمل في المعمل 6 مولدات للكهرباء تترواح كلفة إنتاجها الكهربائي في معمل الناعمة بين 3 و3.5 سانت للكيلو واط الواحد، وتعتبر كلفة أقل بكثير مقارنة بباقي معامل الكهرباء التي تعمل على المحروقات مثل الفيول التي تبلغ حوالى 20 سانت”.
ووفقاً لمجلس الإنماء والإعمار، من الناحية التقنية، يمكن لمطر الناعمة استقبال كميات من النفايات، ولا يمكن تحديدها إلا بعد تحديد خلايا الطمر التي يتم استخدامها. أما قرار إعادة فتح المطمر فهو يعود إلى مجلس الوزراء.
معالجة النفايات عبر إنشاء 15 مطمراً صحياً
يُنادي وزير البيئة ناصر ياسين، منذ تسلمه الوزارة، بمعالجة النفايات عبر اللامركزية الإدارية، أي إنشاء 15 مطمراً صحياً في المناطق اللبنانية، تُمكِّن اتحاد البلديات في المناطق من معالجة نفاياتها، وتخفيف الضغط عن المطامر التي أنشأت في المدن. وفي حديثه لـ”المدن”، يقول ياسين، إن الخطة التي وضعها، “قائمة بالبداية على فترة انتقالية التي لا زلنا بها، عبر البدء بالفرز من المصدر، وإنشاء معامل ثانوية لمعالجة الفرز، ومن ثم إنشاء المطامر”.
الحديث عن مطامر في المناطق، يدفع بالسؤال عن تأمين الغطاء السياسي والطائفي الذي يبرز مع معالجة النفايات، والتي ترفض القرى وفعاليتها استقبال نفايات منطقة أخرى. فيقول ياسين، بأن “الأزمة لا تحل إلا عبر هذه المطامر، وقد رأينا الحلول التي نشأت بعد العام 2015، واعتمدت على المطامر البحرية، التي تعد سيئة وتلحق أذىً في البيئة”. وبرأي وزير البيئة، “إن لم تقتنع القوى السياسية والبلديات، بقرار المطامر ووفق ثقافة الفرز من المصدر، فعلى كل بلدية أن تعالج أزمتها، وتؤمن بدائل. وأماكن إنشاء المعامل تكون عبر اختيار الكسارات في المناطق الريفية، أو معالجة المكبات العشوائية، وتأمين معمل للفرز، في كل اتحاد بلديات”.
يتحدث ياسين عن مطمر الناعمة، لافتاً إلى أن المطمر يعمل بطريقة جيدة، ومطابق للمواصفات البيئية، لكن عدم تأمين الاعتمادات اللازمة لتشغيله وانقطاع خدمة التغذية الكهربائية عن المنطقة، أدى إلى غياب الثقة لدى المواطنين، عند الحديث عن نية مستجدة لفتحه. مشدداً، إلى أن قرار الفتح هو نقاش قائم مع هيئات المجتمع المدني والمنطقة، ومؤكداً بأن المطمر سيعالج فقط نفايات الشوف وعاليه. مضيفاً، يمكن إنشاء مطامر مشابهة له في المناطق التي تلحظها الخطة، وتؤمن التغذية الكهربائية لعديد من المناطق.
ولحظت خطة ياسين لمعالجة النفايات تأمين اعتمادت للبلديات، عبر قانون يؤمن جباية للنفايات، كتلك المشابهة لرسوم القيمة التأجيرية التي يدفعها المواطن، وهي عبارة عن دولارين عن كل منزل في الشهر في المناطق الريفية، وثلاثة دولارات في المدن الساحلية، وتزداد فاتورة الجباية من المصانع والمستشفيات. مشيراً إلى أن “هذه القرارات بحاجة للعمل التشريعي، وهو متوقف الآن. كما أن آلية التمويل التي تنتظر اعتمادات وهبات دولية، تسلك طريقاً طويلاً”.
ويتحدث ياسين، عن الخطورة الكبرى التي نشأت من خلال المكبات العشوائية، وعمليات الحرق، فنسبة التلوث بها عالية جداً وتؤثر على التربة والمياه الجوفية. ويستغرب ياسين، اقتناع الناس بعدم صحية المطامر، بل يرضون بالمكبات العشوائية.
يُطمئن ياسين، إلى أن القدرة الاستعابية لمطمر الكوستا برافا، تنتهي بأوائل العام 2025، في حين القدرة الاستعابية لمطمر الجديدة تنتهي في العام 2024. وهو ليس راضياً عن آلية العمل المتبعة عبر تجميع النفايات بشكل عشوائي، وعمل إدارات المعامل. فكلها حلول مؤقتة لا تعالج المشكلة الرئيسية.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها