علي نور الدين

الأربعاء ١٢ تموز ٢٠٢٣ - 14:56

المصدر: المدن

“نكبة” وليس ازدهاراً: القطاع السياحي يقود تضخّم أسعار السوق

بالرغم من الاستقرار النسبي في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، استمرّ مؤشّر أسعار المستهلك بتسجيل ارتفاعات قياسيّة، لغاية أواخر شهر أيّار الماضي، كما تشير الأرقام التي نشرتها مؤخّرًا إدارة الإحصاء المركزي.

فبحلول تلك الفترة، سجّل معدّل التضخّم نسبة قياسيّة غير مسبوقة، مع ارتفاعه إلى حدود 260.21% على أساس سنوي، مقارنة بـ211.43% خلال الفترة المماثلة من العام الماضي، و119.83% خلال الفترة المماثلة من العام 2021، و56.53% للعام 2020. ببساطة، لم يشهد لبنان معدلات تضخّم مماثلة، حتّى في أوجّ الانهيارات السريعة في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي.

السياحة والاتصالات: قاطرة ارتفاع الأسعار
من المعروف أنّ مؤشّر أسعار المستهلك يستعرض، فضلًا عن معدّل التضخّم العام، مؤشّرات الأسعار التي تعود إلى كل باب من أبواب إنفاق الأسر، وهو ما يسمح بمعرفة نوعيّة القطاعات الاقتصاديّة وأصناف السلع والخدمات التي تقود ارتفاع أو انخفاض الأسعار في السوق.

الدخول في أرقام المؤشّر، سرعان ما يُظهر أن قطاع المطاعم والفنادق قاد ارتفاع الأسعار في شهر شهر أيّار بالتحديد، على أبواب موسم الاصطياف، حيث ارتفعت أسعار هذه الخدمات بنسبة 375.52% على أساس سنوي (أي مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي)، وهو ما تجاوز بنسبة كبيرة معدّل التضخّم العام في السوق.

وكان من الواضح أنّ ارتفاع الأسعار في القطاع السياحي، في الشهر الأخير الذي يسبق فصل الصيف، جاء مدفوعًا بسعي الفنادق والمطاعم إلى تعديل ورفع أسعارها، استباقًا لارتفاع الطلب على خدماتها مع مجيء المغتربين. مع الإشارة إلى أنّ أسعار هذه المؤسسات مدولرة أساسًا، وبغطاء من القرارات الرسميّة التي اتخذتها وزارة السياحة في مراحل سابقة.

في الوقت نفسه، سجّل قطاع الاتصالات نسبة تضخّم مرتفعة أيضًا، قاربت حدود 600% على أساس سنوي، وهو ما يوازي حدود 2.3 مرّات نسبة التضخّم العامّة في السوق. وجاء ارتفاع الأسعار في هذا القطاع نتيجة تحويل أسعار خدمات الاتصالات الخليويّة والأرضيّة خلال العام الماضي إلى دولار “صيرفة”، وهو ما رفع من الفارق بين أسعار السوق بين شهري أيّار 2022 وأيّار 2023.

وتجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الاتصالات تدرس اليوم رفع تعرفة شركة أوجيرو بنحو 7 أضعاف، وهو ما سيشمل رسوم الخطوط الثابتة وكلفة المكالمات وأسعار باقات الانترنت. وهذا القرار، سيؤدّي إلى مفاقمة نسبة ارتفاع الأسعار في القطاع، المرتفعة أساسًا، حسب بيانات شهر أيّار الماضي.

السلع الأخرى المستوردة: استمرار مفاعيل الدولار الجمركي والدولرة
على المقلب الآخر، سجّلت أسعار المواد الغذائيّة ارتفاعًا بنسبة 304.25% على أساس سنوي، في نهاية شهر أيّار. كما ارتفعت أسعار الملبوسات والأحذية بنسبة 285.61%، مقارنة بنسبة 287.8% للمفروشات والأدوات المنزليّة، و464.2% للتبغ والمشروبات الكحوليّة.

وفي المحصّلة، استمرّت جميع أبواب الإنفاق هذه بالتأثّر بالتعديلات التي طرأت مؤخّرًا على سعر صرف الدولار الجمركي، أي سعر الصرف المعتمد لسداد الرسوم على السلع المستوردة. وكانت وزارة الماليّة قد أجرت في شهر أيّار بالتحديد آخر الزيادات في سعر صرف الدولار الجمركي، حيث جرى رفعه ليوازي سعر صرف المنصّة، بعدما تم رفعه سابقًا من 1507.5 ليرة للدولار إلى 15,000، ثم 45 ألف ليرة، ثم إلى 60 ألف ليرة (راجع المدن). ومن هذه الزاوية بالتحديد، يمكن فهم استمرار الزيادات السريعة والحادّة في أسعار السلع المستوردة في شهر أيّار الماضي، بعد كل الزيادات السابقة التي تحققت منذ بداية العام الحالي، بالرغم من الاستقرار النسبي الذي يشهده سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

وبالإضافة إلى تداعيات رفع الدولار الجمركي، استمرّت أسعار المواد الغذائيّة بترجمة أثر دولرة أسعار محال السوبر ماركت، التي جرت هذا العام بغطاء من وزير الاقتصاد والتجارة، وبدفع من لوبيات المستوردين وتجّار الجملة. فبيانات شهر أيّار الماضي تعكس وضع الأسعار مقارنة بوضعها قبل سنة واحدة تمامًا، أي قبل اتخاذ قرارات الدولرة، وهو ما يعكس التحوّلات التي جرت بفعل الدولرة في نسبة التضخّم السنويّة المسجّلة خلال أيّار الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أنّ تقرير البعثة الرابعة لصندوق النقد الدولي، الذي صدر أواخر الشهر الماضي، كان قد ربط في العديد من الفقرات ما بين الارتفاع الأخير في معدّلات التضخّم، وانتقال المؤسسات التجاريّة والسياحيّة للتسعير بالدولار. كما ربط التقرير ما بين ظاهرة الدولرة، واستمرار الضغوط على سعر صرف الليرة اللبنانيّة في السوق، ما سيسهم بدوره في رفع معدلات التضخّم بشكل إضافي.

ارتفاع أسعار الخدمات الحسّاسة
بالتوازي، شهدت العديد من أبواب الإنفاق الحسّاسة ارتفاعات خطيرة في الأسعار. فأسعار الخدمات الصحيّة مثلًا، ارتفعت بحلول شهر أيّار الماضي بنسبة 303.2%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، فيما يكتسب هذا المؤشّر حساسيّة استثنائيّة بالنظر إلى محدوديّة التغطية التي يقدّمها اليوم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أمّا أسعار النقل، التي ترتبط بدورها بالقدرة الشرائيّة لمداخيل محدودي الدخل، فارتفعت أيضًا بنسبة 259.93%. وعلى النحو نفسه، ارتفعت كلفة المياه والكهرباء والغاز بنسبة 174%، بينما ارتفعت كلفة الإيجارات بنسبة 208%، والخدمات السكنيّة بنسبة 182%.

في خلاصة الأمر، تستمر كل هذه التطوّرات باستنزاف الأجور والرواتب، في حين أنّ التصحيح الشامل والمنظّم للرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص مازال غائبًا عن جدول أعمال السلطة حتّى هذه اللحظة. والبديل في الوقت الراهن، ليس سوى التصحيح العشوائي للأجور، الذي يجري في القطاع الخاص، مقابل تقديم بعد المساعدات الاجتماعيّة الدوريّة لموظفي القطاع العام، والاعتماد على آليّات منصّة صيرفة لزيادة القدرة الشرائيّة للرواتب.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها