فرح منصور

الأربعاء ١٩ نيسان ٢٠٢٣ - 22:02

المصدر: المدن

أحكام تصل للإعدام بأحداث خلدة.. والبراءة لمسلّحي “الحزب”

عاد ملف أحداث خلدة القضائي إلى الواجهة مجدداً (راجع “المدن”). وتسلل التوتر السياسي إلى منطقة خلدة، بعدما تمكّن ح ز ب ا ل ل ه من التنصل من المسؤولية، وحماية عناصره من الملاحقة والمساءلة، وفرض المحاكمة على أبناء عرب خلدة فقط (راجع “المدن”).

تدخلات واضحة
خلال السنوات الماضية، تمكن ح ز ب ا ل ل ه من حماية عناصره من الملاحقة القضائية، فالتدخلات السياسية التي مارسها نواب ح ز ب ا ل ل ه بشكل واضح على سير ملف التحقيقات داخل القضاء اللبناني، أتت نتيجتها بتبرئة عناصر ح ز ب ا ل ل ه من الإشكال المسلّح بشكل نهائي.

وفجر يوم الأربعاء، 19 نيسان، أصدر رئيس المحكمة العسكرية العقيد الركن خليل جابر الأحكام القضائية الأخيرة في ملف “أحداث خلدة”. وقرار جابر قضى بسجن المدعى عليهم من أبناء العشائر في خلده، وعدم ملاحقة أو معاقبة أي عنصر تابع ل ح ز ب ا ل ل ه ولسرايا المقاومة، بالرغم من إثبات مشاركتهم في الإشكال المسلح.

وبالعودة إلى 21 آب 2021، فإن الإشكال كان قد بدأ بين مجموعة من المسلحين التابعين لعناصر ح ز ب ا ل ل ه وسرايا المقاومة وبين مجموعة من أبناء عرب خلدة، أثناء تشييع علي شبلي الذي قتل في عملية ثأر قبل يوم واحد من المعركة، التي انتهت بمقتل أربعة من عناصر ح ز ب ا ل ل ه  وجرح العشرات.

الحكم النهائي
ومساء يوم أمس، قرر القضاء اللبناني إقفال الملف نهائياً. وأصدرت الأحكام التي تراوحت بين الأشغال الشاقة والإعدام، على 36 متهماً من عشائر خلدة من بينهم 19 موقوفاً و9 مخلى سبيلهم. آخرون يحاكمون غيابياً. وقد تراوحت العقوبات بالحكم على المتهمين بالسجن بين سنة ونصف السنة لتصل إلى 10 سنوات، وبحكم الإعدام على المتوارين عن الأنظار.

واللافت في هذه القضية، أن الأحكام صدرت بعد جلسة وحيدة عقدتها المحكمة العسكرية يوم الثلاثاء 18 نيسان، والتي قضت بالأشغال الشاقة 10 سنوات بحق المتهم غازي موسى، و9 سنوات لكل من محمد موسى، إسحاق موسى، عيسى الغصن، سعد الشاهين، ومحمد غصن موسى، وبغرامة 5 ملايين ليرة لبنانية، وإلزامهم بتقديم بندقية حربية وتجريدهم من حقوقهم المدنية. وبالحكم بالسجن لمجموعة أخرى لسنة ونصف السنة. كما وأعلنت براءة حوالى 10 متهمين لعدم كفاية الدليل، والحكم بالإعدام على المتوارين عن الأنظار. وأصدرت بحقهم مذكرات إلقاء القبض ووضعتها حيز التنفيذ.

فشل المفاوضات
ويمكن القول أن الإسراع في إصدار الأحكام كان نتيجة فشل المفاوضات بين ح ز ب ا ل ل ه وعشائر خلدة داخل وزارة الدفاع. سيما أن الاحتقان الشعبي في منطقة خلدة بدأ يتسرب إلى الشارع خلال الساعات الماضية، نتيجة الإخلال بالشروط والضمانة التي قُدمت لهم من ح ز ب ا ل ل ه .

ومفاد ذلك، أن الضمانة التي قُدمت لعرب خلدة من حزب الله خلال التفاوض الذي جمعهما لم يُطبّق. والحزب الذي يتمتع بالنفوذ الواسع داخل القضاء اللبناني والمنظومة السياسية، كان قد أكد لأهالي عرب خلدة بأن الأحكام القضائية على المدعى عليهم ستكون مخففة ومنصفة، ولن تتجاوز العقوبات مدة 5 سنوات، شريطة إقفال هذا الملف نهائياً، غير أن الحقيقة لم تكن كذلك، بل وصلت العقوبات إلى حد الإعدام.

أحكام مجحفة؟
وفي النتيجة فإن التدخلات السياسية في مجرى القضاء ساهمت في استياء الأهالي من عدم تطبيق ح ز ب ا ل ل ه لشروط المفاوضات، وعرقلته للتحقيقات وهروبه من العدالة. ولا يتردد الوكلاء القانونيون في ملف أحداث خلدة في التوقف عند حقيقة أن الأحكام غير منصفة، وأن التحقيقات السابقة لم ينتج عنها توقيف أي عنصر من عناصر ح ز ب ا ل ل ه ، خصوصاً بعد أن منعت اللجنة الأمنية التابعة لحزب الله المحققين من استجواب الجرحى داخل المشافي.

خداع واضح
وفي حديث “المدن” مع المحامية داليا شحادة، فقد أكدت أن المفاوضات لم تكن إلا خدعة كبيرة، “والتدخلات السياسية سيطرت على هذا الملف وأدت إلى هذه النتائج الظالمة. خصوصاً أن الملف يعتبر ضعيفاً داخل القضاء لعدم توفر المعطيات الكافية بسبب منع التحقيق مع حزب الله بشكل نهائي، وبالتالي فإن التدخلات السياسية لم تنصف قضية العشائر في خلدة”.

ويؤكد الوكلاء القانونيون في هذا الملف أنهم سيتوجهون نحو استئناف هذه القرارات ورفضها، والضغوط القانونية ستمارس بالشكل المطلوب لمعالجة هذا الملف. فأي عدالة ستظهر عندما يتم التحقيق مع فريق واحد فقط ومعاقبته وحده؟

ونظراً لحساسية هذا الملف، فمن المتوقع أن تستمر تحركات أهالي عرب خلدة في الشارع. وحسب الشيخ حسن شاهين، مسؤول الشؤون الدينية في خلدة والمكلف بمتابعة هذا الملف مع الأهالي، فقد أوضح أن الغضب يسيطر على سكان خلدة، خصوصاً بعدما تم خداعهم وعدم تطبيق ما توصلت إليه المفاوضات.

وهنا يجب أن نشير إلى أن التدخلات السياسية في ملف خلدة لم تنحصر على تعاطي القضاء في هذا الملف، بل وصلت إلى حد منع الأهالي من النزول إلى الشارع والضغط عليهم لإقفال الملف نهائياً. ووفق ما أفاد الشيخ شاهين، فإن الأهالي في صدد التحضير لبيان توضيحي حول ما حصل، وذلك في مطلع الأسبوع المقبل. فيما المرجح أنهم سيترجمون غضبهم في الشارع خلال الأيام المقبلة.

ومن الواضح أن ح ز ب ا ل ل ه تمكّن من التملص من المعاقبة في هذا الملف، خصوصاً بعدما ردد قادة ح ز ب ا ل ل ه سابقاً أنهم لن يساوموا على حادثة خلدة التي قضى فيها 4 عناصر ل ح ز ب ا ل ل ه . لذلك، استعان الحزب بهيمنته وسيطرته وفائض قوته لتأمين الحماية الكاملة لعناصره، وبالرغم من عرض المقاطع المصورة أمام القضاء اللبناني التي تُظهر تورط عناصره في الإشكال المسلح، إلا أن القضاء لم يحرك ساكناً، ولم يتم استجواب أي جريح أو مسلح تابع لسرايا المقاومة.

مرحلة الطعن
هذا واعتبر المحامي محمد صبلوح في حديثه لـ”المدن” أن “الأحكام التي صدرت ليست عادلة، وسنتجه للطعن أمام محكمة التمييز العسكرية”. وأكد أن اللجنة الثلاثية للمدافعة عن المتهمين قد تقدمت أمام القضاء اللبناني بالصور والمقاطع المصورة لعناصر حزب الله المسلحة ولتفاصيل موكبهم، “إلا أن المحكمة العسكرية لم تحقق معهم أبداً”.

وخلاصة الأمر، ملف خلدة لن يكون الملف الأخير الذي يسيّره ح ز ب ا ل ل ه وفق ما يريد. ولا شك أن هيمنتة الدائمة على الملفات القضائية الحساسة ستؤدي حتماً إلى تحريك الضغائن الطائفية وإلى وقوع ما يماثل أحداث خلدة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها