بلقيس عبد الرضا

الأحد ٢ نيسان ٢٠٢٣ - 20:20

المصدر: المدن

أصحاب المهن اليدوية بلا حماية: ازدهرت أعمالهم وتدهورت معيشتهم

على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية لم تستثن أي قطاع أساسي في البلاد، إلا أن بعض المهن القديمة عادت لتزدهر من جديد، على غرار عمل “الإسكافي” أو الكندرجي، أو الخياطة، حتى أن “السنكري” (السباك) وغيره من المهن التقليدية بات يفرض تسعيرته بالدولار الأميركي، لكن هذه الفئة من العمال، لا تعيش وضعاً جيداً، خصوصاً بعد التلاعب في سعر الصرف، إذ انعكست التقلبات في سعر الدولار سلباً على أعمالهم.

مهن تقليدية
محمد الكردي (53 عاماً) يعمل في مهنة الخياطة منذ 20 عاماً. في مكان بسيط في منطقة طريق الجديدة يستقبل زبائنه في ساعات محددة، منذ الساعة 12 ظهراً حتى الساعة 6 مساء، نظراً لأنه لم يتمكن من تسديد فواتير اشتراك المولد بعدما باتت تسعيرتها بالدولار، فقرر تقنين الاشتراك لمدة 6 ساعات يومياً.

يقول لـ”المدن”: “مع تبدل قيمة العملة منذ بداية العام، اضطررت لرفع الأسعار، وبات تقصير البنطلون بنحو 75 ألف ليرة، أي أقل من دولار، وتغيير المقاسات والتفصيل مابين 120 و200 ألف ليرة، أي نحو دولارين على الأكثر. حاولت جاهداً أن أبقي الأسعار بالليرة اللبنانية على عكس الكثير من الخياطين، لأن القدرة الشرائية لسكان المنطقة محدودة”. يعترف الكردي، بأنه يوميته قد تتخطى حاجز المليوني ليرة، ولكن لا فائدة من هذه المبلغ مقارنة مع ما قبل الأزمة. فقبل 2020، كانت التسعيرة 3000 ليرة لتقصير البنطلون، أي نحو دولارين، ومابين 10 و20 دولاراً أي 35 ألف ليرة للتفصيل وما إلى ذلك.

يعاني الكردي من الربو، والسكري، وهي أمراض مزمنة تحتاج منه معالجة دائمة. يقول “في ظل الظروف الحالية من الصعب الحصول على العلاج. الأدوية مسعرة بالدولار. ولا يوجد أي تأمينات صحية أو حتى تعاقدية لأصحاب المهن البسيطة، وهو ما يزيد من تعقيد الحياة في لبنان”.

غياب الحماية الاجتماعية
انعكاس الأزمة الاقتصادية على أصحاب المهن البسيطة، ليس أمراً جديداً، لكن التقلبات الأخيرة في سعر الصرف، وتخطيه حاجز 140 ألف ليرة، ومن ثم هبوطه النسبي إلى 110 ألاف ليرة، أربك أصحاب المهن التقليدية. يقول جوزيف شعيا “أعمل في مهنة تصليح الأحذية منذ أكثر من 40 عاماً، لم أشهد أزمة خانقة كالتالي نعيشها اليوم”. يشير إلى أنه خلال شهر آذار تكبد خسائر مالية كبيرة، خصوصاً بعدما رفع التجار الأسعار المتفق عليها على البضائع التي يحتاجها لتصليح الأحذية، ولذا اضطر شعيا إلى تبديل أسعار تصليح الأحذية عدة مرات في اليوم الواحد، وفي بعض الأحيان تكبد الفرق في سعر الصرف. من جهة أخرى، رفع مالك المحل الذي لا تتخطى مساحته 40 متراً، الإيجار إلى 120 دولاراً، أي ما يقارب من 13 مليون ليرة، فيما يتقاضى مقابل تصليح الحذاء مابين 100 و200 ألف ليرة، أي بين دولار أو دولارين، وبالتالي يحتاج إلى تصليح ما لا يقل عن 60 حذاء تقريباً فقط لتسديد إيجار المحل، من دون الأخذ بالاعتبار اشتراك المولد، وتكاليف العامل الذي يسانده في العمل، وتأمين المستلزمات المعيشية، ويحتاج ما لايقل عن 50 مليون ليرة لتسديد النفقات الأساسية وتأمين أدنى حد لمقومات الحياة.

أجور مهترئة
خلال الأشهر الثلاث الماضية ارتفع سعر الدولار من 42 ألف ليرة منذ بداية شهر كانون الثاني إلى 140 ألف ليرة في منتصف شهر آذار، أي بمعدل 275 في المئة، هو ما انعكس على أسعار كافة المستلزمات الأساسية والبضائع، لكنه لم يترجم فعلياً بزيادة أجور العاملين في المهن البسيطة، مثل العامل في ورش تصليح الكهرباء. يلفت أحمد ترمس إلى أنه لا يزال يتقاضى 80 دولاراً ونحو 4 ملايين ليرة شهرياً. كباقي العاملين في هذه المهنة، لا يتمتع ترمس بأي ضمانات صحية أو اجتماعية. يقول لـ”المدن”: بدأت العمل منذ العام 2018، وتوقعت خلال عدة سنوات أن افتتح ورشة خاصة بي، لكن الأزمة جعلتني أسير راتب لا يتخطى في أفضل الأحوال حاجز 100 دولار”.

لايبدو الأمر أفضل بالنسبة إلى عمال السنكرية، حسب ما يؤكده إبراهيم ياسين، العامل في هذا المجال. منذ عام تقريباً، فرض تسعيرته بالدولار لكن عمله متقطع، في بعض الأحيان يعمل ليوم أو يومين في الأسبوع كحد أقصى، وما يتقاضاه لا يكفي حتى لتأمين إيجار منزله وتأمين النفقات الغذائية.

تتراوح أجرته اليومية ما بين 15 و25 دولاراً، وهي تسعيرة أقل مما كانت عليه قبل الأزمة عام 2019، حين كانت أجرته لا تقل عن 50 دولاراً.

لا يوجد إحصاء رسمي دقيق حول عدد العاملين في المهن التقليدية، ولا توجد أي نقابة لحمايتهم، وعلى الرغم من زيادة الإقبال على مصالحهم إلا أن ما يتقاضونه اليوم، تتآكل قيمته في ظل استمرار انهيار الليرة اللبنانية بهذا الشكل الدراماتيكي.

تتنوع أوجه المعاناة التي يعيشها العاملون في المهن غير المحمية في لبنان، فحتى وإن تقاضوا أجورهم بالدولار، فلا قدرة لهم على تأمين قوت عائلتهم التي باتت مفروضة بالدولار، بالإضافة إلى الصعوبة يواجهونها في التنقل، وصولاً إلى الطبابة التي لا يتمتعون بها.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها