الياس الزغبي

الجمعة ٣١ آذار ٢٠٢٣ - 14:45

المصدر: صوت ابنان

إيران السعودية تركيا الجوامع والفوارق

صحيح أن هذه الدول المحورية الثلاث، في الشرق الأوسط أو على تخومه، تتقارب أو تتشابه من حيث الحضور والفعالية والحجم والانتماء الديني وقوة التأثير في محيطها، ولكنها تتمايز في تاريخها وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وكذلك في حاضرها واستراتيجية انتسابها إلى العصر. فإيران، ذات التاريخ الامبراطوري العريق كانت مؤهلة، بفعل المخزون الوطني والاقتصادي ووجودها على العمود الفقري للقوس الإسلامي الهائل من اندونيسيا إلى المغرب، وعلى تقاطع شرق آسيا بغربها وبين البحور والشمال، كي يكون لها دور مركزي لا يقتصر على القوة العسكرية وتصدير الثورة، بل يتركز بصورة أساسية على الاستنهاض الحضاري لشعوبها والمحيط. كانت تتجه إلى هذا الدور الحضاري الرائد، حتى في ظل حكم آل بهلوي، لكنّها شهدت انتكاسة، بل إرتكاسة على هذا المستوى، تحت نظام الآيات وعمائم الملالي والحرس الثوري من ٤٤ سنة. فقد تمددت عسكرياً وبسطت نفوذها بالسلاح والمال على دول متاخمة أو بعيدة، على حساب نموها الحضاري وانخراطها في العصر. وقد ثبت أن النمو العسكري، وحتى النووي، ليس مقياساً للتقدم والاستقرار والنجاح، فتجربة الاتحاد السوفياتي سبقتها، وتجربة كوريا الشمالية زامنتها، وواضح مصير التجربتين. تركيا، من جهتها، وبمعزل عن تاريخها الإمبراطوري وتجسيدها الخلافة الإسلامية، قدمت تجربة حضارية رائدة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وشهدت نظاماً علمانياً متقدماً بفعل الثورة الأتاتوركية جعلتها في مصاف الدول الاوروبية والأميركية، انفتاحاً وانتساباً إلى العصر. صحيح أن هويتها الحضارية عانت انتكاسة في السنوات الأخيرة بفعل محاولات نظام أردوغان إعادتها إلى ما قبل الدولة المدنية العلمانية، لكنّ تجذّر انتمائها إلى الحضارة العالمية كان الأقوى، فحافظت على مرتكزات حداثتها في المجتمع والثقافة والسياسة والعلاقات الدولية، وهي تتجه إلى استعادة ما خسرته على هذا المستوى نتيجة الحيوية لدى أحزابها واعتياد شعبها على الخيار الديمقراطي. أمّا المملكة العربية السعودية التي لا تاريخ إمبراطورياً لديها، ولا مشاريع عسكرة وبسط نفوذ واحتلال دول، بل سياق تاريخي عاقل كونها تحتضن الحرمين الشريفين، وتحافظ على معنى مرتكزها التاريخي العربي، فإنها تخوض بجرأة غمار انخراطها في الحداثة والعصر، بما يسبق بأشواط الدولتين المذكورتين آنفاً. وقد أثبتت أن الحضور الحقيقي والقوة الحاسمة هما للرؤية التطورية التغييرية وشجاعة الانتساب للعصر. وهي اليوم قبلة أنظار العالم التائق إلى الاستقرار وانتظام العلاقات بين الدول على قاعدة الاحترام المتبادل ومصالح الشعوب وحقوقها. هذه المقارنة السريعة والبسيطة تجعل المراقب يستشرف مستقبل إيران وتركيا. فالنموذج السعودي الحديث سيُصيبهما بالعدوى، والعكس غير صحيح: أي أن العسكرة ونفوذ السلاح هما النموذجان الصالحان. وكل تلاقٍ بين إيران والسعودية أو مع تركيا سيكون محكوماً برؤية العصر، وليس بأحكام الماضي وجبروت القوة. والرهان الصحيح هو تعميم النموذج السعودي. أو سَعوَدة إيران وتركيا وسائر المنطقة. فلننتظر متغيرات غير بعيدة على هذا المستوى. إذذاك يمكن أن نترقب استقراراً وازدهاراً في الإقليم… ولبنان.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها