خضر حسان

الثلاثاء ٢٧ حزيران ٢٠٢٣ - 21:13

المصدر: صوت لبنان

الأزمات الاقتصادية تعزّز مكانة النفط: الغاز “رمز” المرحلة الانتقالية

أيقنت دول العالم أن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية لن يستمر إلى الأبد، وأن المستقبل للطاقة المتجدّدة لما فيها من وفر اقتصادي وتقليص للمخاطر البيئية، ما ينعكس إيجاباً على الإنسان وعلى اقتصادات الدول. ولأن الاعتماد على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة وتسريع النمو الاقتصادي، ملوِّث للبيئة ومكلف للاقتصاد على المدى البعيد، كان القرار على مستوى دولي بالانتقال التدريجي نحو المصادر المتجددة. وشكَّلَ مؤتمر باريس للمناخ، في العام 2015، محطة مفصلية في السعي للتحوّل نحو تخفيف انبعاث الغازات التي تؤدّي للاحتباس الحراري.
ومنذ نحو 8 سنوات حتى اليوم، سارعت الدول إلى تأكيد التزامها، عن طريق تشجييع الاستثمارات التي تعتمد الطاقة النظيفة. لكن متغيِّرات مهمّة طرأت على المستوى الدولي، على رأسها انتشار فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا، أوجَبَت العودة إلى الواقعية وعزّزت مكانة النفط كمحرِّك أساسي للنمو الاقتصادي، لكنها فَرَضَت أيضاً الغاز كمنافس للنفط ومُمَهِّد نظيف للانتقال إلى مرحلة جديدة، ربّما يطول انتظارها. وهذه الواقعية تجسّدت بما حمله مؤتمر آسيا للطاقة.

خفض مستوى التوقّعات
فَرمَلَ فيروس كورونا حركة الاقتصاد العالمي. وسَعَت الدول خلال انتشار الفيروس والفوضى الدولية التي أحدثها قبل فهمه وتطوير لقاحات تسيطر عليه، إلى تركيز استخدام مقدّراتها لدعم شعوبها واقتصاداتها لتمرير المرحلة المستجدّة. ولذلك، فإن الشعوب كانت أحقّ بإنفاق كلفة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والمقدَّرة بنحو 4 تريليونات دولار سنوياً، لتخفيف الانبعاثات الملوِّثة إلى مستوى الصفر بحلول العام 2050. على أن يسبقه تأمين البنى التحتية لذلك، حتى عام 2030.

ومع بدء السيطرة على الفيروس، كان الاقتصاد العالمي قد دخل مرحلة الارتفاع الشديد في معدّل الدين العام نسبة للناتج المحلّي. ولاحقاً، دعّمت الحرب في أوكرانيا القلق على الاقتصاد، حتى باتت توقّعات صندوق النقد الدولي في نيسان 2023 تشير إلى انخفاض النمو من 3.4 بالمئة في العام 2022 إلى 2.8 بالمئة في العام 2023، قبل استقراره عند مستوى 3 بالمئة في العام 2024.
انعكاسات هذه المستجدّات التي ما زالت مستمرة، تدفع الدول إلى تخفيض توقعاتها حول تقليص الانبعاثات والاستثمار في هذا المجال والتحضير للانتقال نحو طاقة نظيفة، ما يُبقي الاعتماد على الوقود الأحفوري قائماً، بل ومن المتوقَّع “زيادة الطلب العالمي على النفط بحلول العام 2045 بمعدّل 110 ملايين برميل يومياً”، وفق ما أكّده الأمين العام لمنظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، هيثم الغيص، خلال كلمته في مؤتمر آسيا للطاقة.
وعَبَّرَ المشاركون في المؤتمر يوم أمس، عن حقيقة استمرار الطلب على النفط من خلال توقّعات تخطّي الطلب على المادة إلى “أكثر من 2 مليون برميل يومياً لهذا العام”، حسب ما أشار إليه الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، أمين الناصر، الذي اعتبر أن “التحول الكامل للطاقة في الاقتصاد العالمي، في ربع قرن فقط، هو فكرة خيالية”.
تُركِّز الدول على تنمية اقتصاداتها، وهي إن اتّجهت نحو اعتماد الطاقة النظيفة، فالاتجاه لا يعني الانعطاف التام والفوري، لأن ذلك سيكون على حساب الاقتصاد، وهو ما حذّر منه رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الذي حسم أن “تقليص الانبعاثات والوصول إلى مرحلة الصفر، لا يجب أن يأتي على حساب النمو الاقتصادي”، وتَرَكَ تقرير مصير الوصول لصفر انبعاثات إلى كل دولة بحسب امكانياتها وقدراتها، على أن الحقّ الأساس لكل دولة، هو التنمية.

دور الغاز
عدم التخلّي كلياً عن هدف تقليص الانبعاثات والتحوُّل نحو الطاقة البديلة، وسط الإبقاء على خيار استعمال النفط بشكل رئيسي في الاقتصاد، صَبَّ في مصلحة الغاز الذي اكتسب أهمية إضافية مع تحوُّله إلى مادة للصراع الدولي على خطوط استخراجه وتوزيعه، في ظل بحث أوروبا عن مصدر بديل عن الغاز الروسي. كما تطمح الدول التي اكتشفت الغاز في بحرها في حوض شرقي المتوسّط، إلى تنمية اقتصاداتها انطلاقاً من ثروتها الغازية.

المعطيات المتوفِّرة حول استحالة وقف استعمال النفط فجأة، والحاجة لتسريع النمو الاقتصادي الدولي، والصراع حول الغاز، يعني أن الواقعية انتصرت في سباق التحوُّل نحو طاقة نظيفة. على أنَّ طبيعة الغاز الأقل تلويثاً وسعرها المنافس للنفط وحاجة الانتقال إلى الطاقة النظيفة لتريليونات الدولارات “يعني أن الغاز سيبقى مصدراً للطاقة حتى العام 2040، بصفته وقوداً تحوُّلياً، وسيرافق الانتقال نحو الطاقة المتجددة مستقبلاً”، وفق ما يؤكّده لـ”المدن”، الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب.
وتدرك مجمل الدول، حسب أيوب، أن مستقبل الغاز في طريق التحوُّل نحو الطاقة النظيفة “لذلك تسرِّع أوروبا الانتقال نحو طاقة الرياح والشمس والهيدروجين. وهذا التسريع أتى مدفوعاً بالحرب”. ويتوقّع أيوب أن “يستقر الطلب على الغاز، عوض أن يرتفع”. ومع ذلك، هناك حلول أخرى تنتهجها بعض الدول لتخفيف كلفة الحصول على الغاز والنفط، وهي “الربط الكهربائي”، أي شراء الكهرباء من دولة لأخرى عبر شبكة مترابطة بتمويل من جهات دولية كالبنك الدولي.

إعادة قراءة الواقع بات أمراً ضرورياً “بدل قول الشعارات الكبرى”. فالاقتصاد العالمي يمرّ بمرحلة حرجة تصعِّب اتخاذ القرارات الكبرى التي تحتاج لاستثمارات ضخمة وهدوءاً على مستوى عالمي. لذلك، وُضِعَت جانباً عملية تسريع الانتقال نحو الطاقة النظيفة في العام 2030. فالأهم راهناً هو الخروج من الأزمات الاقتصادية وتفادي كوارث التضخُّم الاقتصادي والفقر والبطالة وغير ذلك.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها