فرح منصور

الخميس ١٥ حزيران ٢٠٢٣ - 17:57

المصدر: المدن

الألمان يرفضون منح لبنان ملف سلامة.. و”أمراض” رجا لانهائية

تدرك الوفود القضائية الأوروبية جيداً أهمية المعلومات التي حصلوا عليها خلال جلسات التحقيق في ملف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. فهي تعلم أن هذه المعلومات ستكون كفيلة بإدانة مجموعة كبيرة من أفراد عائلة سلامة ومن المصرفيين والمسؤولين السياسيين، لذلك، من الطبيعي أنها لن تفرّط بها ولن تتبادلها مع أحد.

رفض المشاركة
وعلى هذا الأساس، تمسّك القضاء الألماني بملف سلامة، ورفض تقديمه للقضاء اللبناني. وعلّل موقفه بأنه يعلم أن الحاكم يحمل الجنسية اللبنانية، ومقيم على الأراضي اللبنانية، لذا، لم يطلب القضاء الألماني توقيف سلامة في لبنان وتسليمه إلى ألمانيا. ولكنه أيضاً لن يسلم ملف التحقيق إلى القضاء اللبناني. مما يعني أن القضاء الأوروبي على ثقة بأن القضاء اللبناني لن يسلمه شخص الحاكم. ولذلك لم يطالب به أصلاً، ولن يتشارك ملف سلامة مع القضاء اللبناني.

يوم أمس، زارت المدعية العامة الألمانية قصر عدل بيروت، والتقت بقاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، وصباح اليوم الخميس 15 حزيران، علمت “المدن” أن وفداً قضائياً ألمانياً اجتمع اليوم، بالنيابة العامة التمييزية وبالقاضي شربل أبو سمرا، لمناقشة ملف رياض سلامة وإبلاغ القضاء اللبناني بعدم موافقة القضاء الألماني على تسليم ملف الحاكم.

رجا.. ووعكته الصحية؟
وتزامناً مع إصرار الوفود الأوروبية على متابعة ملف آل سلامة قضائياً، وملاحقة كل متورط من هذه العائلة، ومن ضمنهم رجا سلامة صاحب شركة “فوري”، وصل وكيل الأخير القانوني إلى مكتب أبو سمرا، ليقدم معذرة طبية عن موكله، ويعلل تغيبه عن جلسته التي كانت محددة اليوم في قصرالعدل ببيروت.

في الواقع، وحدها الأعذار الطبية قادرة على إنقاذ عائلة سلامة من أي تحقيق أو استجواب. ولكن إن دققنا في تفاصيل التقارير الطبية التي يبرزها رجا قبل جلسات استجوابه، سيتبين أن حالة الرجل الصحية متدهورة باستمرار، وأنه مقيم في مستشفى أوتيل ديو، وغير قادر على التحرك.

في المرة الأولى، حين طُلب منه المثول أمام القضاء الأوروبي في بيروت، أصيب بالتهاب قوي في الأمعاء ودخل إلى المستشفى، وكان بحاجة إلى راحة لحوالى أسبوع. وبعد أشهر، طُلب منه المثول أمام المحكمة الفرنسية في باريس، فتغيب عن الجلسة التي كان من المفترض أن تديرها القاضية الفرنسية أود بوروسي، وعادت آلامه الحادة في الأمعاء، وصار بحاجة إلى تدخل طبي لإجراء عملية “تمييل” في المستشفى، وصار عاجزاً عن الحركة وغير قادر على السفر إلا بعد شهرين أو أكثر.

ويمكن القول أن الأمراض لا تصيب رجا إلا قبل جلسات استجوابه. في المقابل، صار واضحاً أن الرجل يجيد اللعب بالوقت، كي يتمكن من التهرب من القضائين اللبناني والأوروبي. ومعذرته الطبية التي قدمها اليوم هي أنه يتلقى علاجه في المستشفى وبحاجة إلى إجراء عملية جراحية لتفتيت الحصى من كليته، وأنه أيضاً يريد إجراء عملية قلب مفتوح.

وهذه الحجج “المريبة” تؤكد أن رجا سلامة خائف من المثول أمام القضاء، وستبقى حالته المرضية متدهورة لفترة طويلة، وسيزعم دائماً أنه بحاجة لإجراء عمليات جراحية كثيرة، مرةً في قلبه وأخرى في كليته وربما لاحقاً في باقي أعضاء جسده، لا أحد يعلم.

القاضية اسكندر والطبيب الشرعي
وإن كان القاضي أبو سمرا قد اقتنع بالتقارير المقدمة من وكيل سلامة اليوم، ووافق على المعذرة الطبية وقرر تحديد جلسة أخرى للحاكم ولشقيقه في 12 تموز المقبل، إلا أن رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانة اسكندر، رفضت المعذرة الطبية، فهي على ثقة أن الشقيقين سلامة يحاولان الهرب من التحقيق، لذلك، لم تقتنع بالمعذرة الطبية التي قدمها رجا سلامة.

انتظرت اسكندر اليوم رجا سلامة في مكتب أبو سمرا، وقررت أن تشارك في هذه الجلسة، وبعد أن تقديم المعذرة الطبية وموافقة أبو سمرا عليها وتحديده جلسة أخرى، اعترضت على ما حصل، وطلبت تعيين “طبيب شرعي” ليعاين رجا سلامة في المستشفى، وبحضور القاضي أبو سمرا، للتأكد من صحة ادعاءاته بالمرض، على اعتبار أن إبراز عائلة سلامة التقارير الطبية قبل كل جلسة سيؤدي إلى تأخير التحقيقات، ولن يصل الملف إلى أي نتيجة. وقد تمر أشهر طويلة ويتقاعد أبو سمرا قبل أن يمثل الحاكم أو شقيقه أمامه.

تثق اسكندر بالطبيب الشرعي، لذلك أصرت على تعيينه اليوم. فهو سيكون قادراً على فضح هذه الألاعيب وكشفها أمام القضاء اللبناني. ببساطة، باتت ألاعيب الشقيقين سلامة مكشوفة أمامها، ولن تمر عليها بسهولة.

وكما كان متوقعاً، مطلب اسكندر لم يُنفذ. فالقاضي أبو سمرا اقتنع بالتقرير الطبي ولكنه طلب من وكيل سلامة إبراز تقارير طبية مفصلة عن حالة موكله المرضية وموقعة، وفي مهلة لا تتخطى 3 أيام، وفي حال لم تبرز هذه التقارير خلال هذه المهلة، سيعين طبيباً شرعياً للكشف على سلامة.

خلاصة هذه المعطيات: القضاء الأوروبي سيستمر في ملاحقة الحاكم والمتورطين معه. والحقيقة التي لا يمكن أن ننكرها اليوم، أن ملف آل سلامة داخل القضاء اللبناني سيبقى على حاله لوقت طويل.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها