المصدر: صوت لبنان
البورصات تتهاوى في الإثنين الأسود والذكاء الاصطناعي سيعيد التوازن إلى الأسواق
تتوالى الأزمات في الأسواق المالية، وآخرها كان هبوط أسهم البورصات العالمية يوم الإثنين الأسود في الخامس من آب 2024 بدءًا من اليابان، بحيث لم يحدث هبوطًا مماثلًا للبورصة منذ العام 1987، مرورًا بالولايات المتحدة وصولًا إلى أسواق آسيا وأوروبا، وتهاوت معها أحلام المستثمرين ومصالحهم. وتكبّدت المؤسسات الخسائر الكبيرة في قطاعات النفط والتكنولوجيا والعملات المشفرة، لتذكّر بالانهيار المالي “سابرايم” الذي حصل العام 2008 وتسبّب بإفلاس كبريات المصارف وشركات التأمين في أميركا والعالم.
يُعتبرتأثير ترقّبات الحروب على الاقتصاد وخصوصًا على الأسواق المالية، أسوأ بكثير من الحروب ذاتها. فإنّ ترقّب الحرب الموسّعة في منطقة الشرق الأوسط والتوتّر المتزايد بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة ومفتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر، هو أحد أسباب هبوط البورصات نهار الإثنين الأسود، إضافة إلى تقرير البطالة في الولايات المتحدة، الذي أشار إلى نسبتها 4.3، وهو المعدل الأعلى منذ نحو ثلاثة أعوام، وكذلك انخفاض عوائد السندات في البلاد. يضاف الى ذلك رفع أسعار الفائدة في اليابان بمعدل أعلى من المتوقع، ما أسهم في تسريع ارتفاع قيمة الين مقابل الدولار واليورو.
وتشير بعض حركة البورصات في الإثنين الأسود إلى انخفاض حاد لأسهم شركة صناعة الرقائق “إنفيديا”NVIDIA)) بنسبة تصل إلى 15٪ في يوم واحد، وهي التي حققت لفترة طويلة عائدات كبيرة لقطاع التكنولوجيا، قبل أن تقلّص خسائرها إلى النصف، في حين انخفضت عملة البيتكوين بشكل حاد أيضًا. كما عانت سوق الأسهم الأسترالية من أسوأ يوم، حيث محت أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها من الأسهم المحلية في جلسة تداول واحدة، لكن مؤشر نيكاي الياباني هو الذي تعرض لأكبر قدر من الضغط، حيث انخفض بنسبة 12٪ يوم الاثنين قبل أن ينتعش بقوة في وقت مبكر من يوم الثلاثاء.
وجدير بالذكر، أنّ المحلّلين الاقتصايين قد حذّروا من تجارة الين في الخارج التي بدأت في التراجع، مّا أدى إلى إطلاق نداءات البيع القسري.
وفي السياق، رأى محلّلون في دويتشيه بنك أنّ حجم توقّعات السوق بشأن عدد مرات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي “على مدى الإثني عشر شهرًا المقبلة، لا يُرى عادة إلا خلال فترات الركود”. وقال كبير خبراء الاقتصاد في شركة إيه إم بي شين أوليفر “إنّ مخاوف الركود عادت الآن بقوة في الولايات المتحدة”. وبدوره اعتبر مدير المحفظة في شركة ويلسون لإدارة الأصول في سيدني نيك هيلي “إنّ البيانات الأميركية أثبتت أنّها أضعف من التوقعات”، ما أثار ردّ فعل قوي في السوق، وقال “من العدل تصنيف ذلك على أنّه تفكيك للوضع، ومن الصعب استقراء المستقبل بعد مضي شهر واحد من البيانات الاقتصادية”.
لقد أثبتت بعض أصول الملاذ الآمن، مثل السندات، أنّها من بين الأماكن القليلة التي يمكن الاختباء فيها من الاضطرابات، حيث تحدت التحرّكات الحادة جميع الرهانات المؤكدة في الأشهر الأخيرة.
وجدير بالذكر، بروز توقعات متفائلة بشأن قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي وقطاع التكنولوجيا، على الإسهام في إخراج الاقتصادات العالمية قوية من التضخم وبشكل سريع، في حين يتابع المستثمرون الأرقام السوقية، والموقّف الأميركي ومبادراته الطموحة، التي قد تعمل كحافز إيجابي لأسعار الأسهم.
مقارنة بين أزمتي 1929 و 2008
وفي مجال المقارنة بين الأزمتين الماليتين للعامين 1929 و 2008 يتبيّن أوجه الاختلاف بحيث
اعتمدت المجموعة الدولية خططًا شاملة لمواجهة الأزمة المالية “سابرايم” العام 2008 تفاديًا لتداعيات أزمة 1929، كما جنّدت واشنطن ودول الإتحاد الأوروبي مبالغ ضخمة تفاديًا لانهيار البنوك.
القضية بدأت عندما أثار انتعاش الاقتصاد الأميركي لسنوات شهية العديد من الأفراد دخول عالم المصارف والبورصات وطلب القروض لتدنّي نسب الفائدة، وخصوصا أن الفرد كان يمكنه دفع 10 بالمائة من المعاملات وأخذ دين على 90 بالمائة المتبقية من المعاملة، وهي النسبة المتأثرة بأحوال البورصة ومؤشراتها، الأمر الذي خلّف آثارا كثيرة على المالكين والمؤسسين الصغار.
الوضعية مماثلة العام 2008 في الأسواق العالمية مع القروض الخاصة بالسكن، والتي مُنحت بسهولة للأفراد في الولايات المتحدة وتركّز عليها الاقتصاد، كما صرح جاك أتالي في الموقع الإلكتروني لجريدة لوموند الفرنسية في 17 سبتمبر”في سنة 1929 السبب كانت البورصة، أما العام 2008، فقروض السكن كانت العامل في الأزمة”.
اختلف التعامل السياسي لرؤساء وحكومات العالم حيال الأزمة المالية الحالية التي تعصف بالعديد من الأسواق العالمية عن تلك التي طبقت في الثلاثينات، فيبدو أن المجموعة الدولية استوعبت درس 1929، إذ عملت الدول الكبرى على مواجهة تداعيات الأزمة لتفادي انهيار اقتصادها وإنقاذ مصارفها وبورصاتها، فقد أقرت الولايات المتحدة بمبادرة من وزير الخزينة هنري بلسن مخططا بمبلغ 700 مليار دولار، قبل ان تعتمد بريطانيا ودول منطقة اليورو مخططات مالية لإنقاذ البنوك من الانهيار، وجاء رد فعل دول الإتحاد الأوروبي في أعقاب قرار البنوك المركزية في ربوع العالم، بخفض من نسب فوائدها في خطوة لدعم المؤسسات المصرفية وإنعاش سياسة القروض المتضررة جراء تدهور الثقة بين الشركاء الماليين والاقتصاديين.
وفي الختام، علينا التأكيد مع المحلّلين الاقتصاديين أنّ قراءة ما حدث من هبوط للبورصات في الإثنين الأسود، تحتاج إلى شهور لمعرفة أسبابها وتداعياتها على الأسواق والاقتصاد العالمي.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها