سمير سكاف

الثلاثاء ١٩ أيلول ٢٠٢٣ - 08:54

المصدر: صوت لبنان

التنمية المستدامة تسقط بالضربة القاضية أمام “النمو” وأمام “التطرف المناخي”!

لا ننتظر شيئاً من قمة التنمية في الأمم المتحدة الآن! توصيات فقط، وحبر على ورق!

الحقيقة موجعة جداً! عام من التطرف المناخي، مروراً بزلزال الأطلس في المغرب ومأساة درنة مؤخراً، عابق بالمآسي وبالمؤشرات المخيفة في غياب العدالة الاجتماعية وفي سحق للفقراء.

عام آخر من تفوق استهلاك الطاقات الأحفورية على الطاقات المتجددة (80% – 17% تقريباً). عام آخر من تفوق الاقتصاد الليبيرالي على “نوايا” الاقتصادات الخضراء والدائرية. عام آخر من “النمو” المجنون للشركات العملاقة، وعلى توسيع الهوة بين كبار الأغنياء وبين فقراء الكوكب؛ بين إيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زوكربيرغ ووارن بافيت وفرنسوا بينو (على سبيل المثال) من جهة وبين مواطني إثيوبيا ومالي وتشاد والكونغو واليمن وفلسطين… ومعظم الدول الأفريقية والنامية وجنوب الكرة الأرضية من جهة أخرى! الحكومات في القمم تتحدث عن التنمية وفي بلادها تخضع لديكتاتورية النمو “المفرط” ولجنون تحقيق الأرباح السريع “في الربع والنصف الأول من السنة”… فحركة الأسهم وأخبارها تتفوق على مآسي الدول النامية!

تتوالى القمم وتتراجع النتائج وتتزايد المآسي! فالقمم الدولية تكرر التمنيات وأطر العمل من دون بلوغ الأهداف المحددة، ومن دون إمكانية لجعل الدول العظمى تفي بتعهداتها في وقف انبعاثات غازاتها لبلوغ الحياد الكربوني! فقد أصبح تحضير القمم هدفاً بحد ذاته، أياً يكن تأثيرها الفعلي على الشعوب! هل هناك مبالغة بالقول أن آخر قمة “جدية” هي قمة باريس التي حددت خارطة طريق جدية في “اتفاق باريس” 2015، على الرغم من عدم تحقيق طموحاته بعد؟!

دفعت الحرب الروسية الأوكرانية الأوروبيين الى زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة، إلا أنه في الوقت نفسه لجأت ألمانيا وبولندا أكثر الى الفحم الحجري الأكثر تلويثاً للهواء بثاني أوكسيد الكربون. كما أن “الموضة” أصبحت لدى بعض الأوروبيين الخضر هو باعتبار الطاقة النووية من الطاقات المستدامة على الرغم من مخاطرها الكبيرة! وها هي ألمانيا تستمر في تشغيل مفاعلاتها الثلاثة، في حين أن نصف مفاعلات فرنسا (56 مفاعلاً) تعمل، ونصفها الآخر في حالة صيانة!

الصين والولايات المتحدة والهند تختصر التلوث المناخي وحدها! بإنتاج حوالى نصف كمية ثاني أوكسيد الكربون في العالم! في حين أن الدول النامية ليست “فاعل” بل “مفعول به”! ليست ملوثِة بل ملوثَة! ولم ينفع صندوق “اتفاق باريس” منذ العام 2015 بتمويل المئة مليار دولار الموعود بها سنوياً لمساندة الدول النامية. وحتى تكنولوجيا الطاقات المتجددة فهي ما تزال “سلعة” تنتجها الدول الصناعية الغنية تبيعها بأغلى الأثمان للدول النامية، بدلاً من تحرير إنتاجها وجعله أكثر “ديمقراطية”! ولم يحصل تعويض جدي عن “الأضرار” بعد. “الملوث لا يدفع”، والتعويضات لم تصل لا في “الكربون كريديت” بعد كيوتو 1997 ولا في أخواته!

ما بعد زمن الكورونا، لم يتعلم العالم الكثير!!! فما يزال رياضيون عالميون مثل لاعبي كرة السلة وكرة القدم والبيسبول والغولف والتنس… ومثل المغنين وممثلي السينما وغيرهم يتقاضون أجوراً شهرية ومكافآت تزيد مليون مرة عن ممرض وممرضة في بلدان نامية. وهذا مؤشر خطير و”تدميري” للبشرية!

ما يزال النمو متفوقاً على التنمية، والجشع متفوق على العدالة الاجتماعية، والظلم متفوق على المساواة والأنانية متفوقة على الانسانية، والسنوات الأكثر ارتفاعاً في الحرارة في التاريخ سوف تتوالى. وبالتالي فإن التطرف في الكوارث وفي أضرارها سيزداد في السنوات المقبلة كنتيجة للتطرف المناخي! وهذا ليس من باب التوقعات والتنجيم، بل هو علاقة واضحة بين الأسباب والنتائج! وأصبحت قمم المناخ تحتاج الى ثورة حقيقية!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها