حسان القطب

الأحد ٢١ نيسان ٢٠٢٤ - 13:36

المصدر: المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

التهديد باجتياح رفح.. والخطر على جنوب لبنان..

تطور الصراع في منطقة الشرق الاوسط، من حربٍ على فلسطين وغزة، اندلعت منذ سبعة اشهر واقتربنا من الدخول في الشهر الثامن للحرب، وما زال افق الحل مسدوداً وغير واضح العالم، مع تعثر المفاوضات، والانقسام العميق داخل اسرائيل حول طبيعة الحل، وكذلك تداعياته على مستقبل اسرائيل في المنطقة في حال قبولها بشروط حركة حماس وفصائل المقاومة..

ايران التي اعلنت على لسان مرشدها الخامنئي، واكثر من مسؤول ايراني انها غير متورطة ولم تكن على علم بالهجوم الذي شنته حركة حماس من قطاع غزة على جنوب الكيان الصهيوني، وجدت نفسها مضطرة، لان تكون قلب الصراع نتيجة الاستدراج الصهيوني لها من خلال قصف وقتل قياداتها العسكرية والامنية في دمشق وسائر انحاء سوريا.. واخرها كان قصف مبنى القنصلية الايرانية في دمشق.. مما دفعها للرد مباشرة، بقصف الاراضي المحتلة انطلاقاً من الاراضي الايرانية، مما جعل المواجهة مباشرة بين الدولتين .. سواء كان هذا القصف، مبرمجاً وسبق التبليغ عنه ام لا.. ولكن مجرد الاستهداف جعل من ايران متورطة بشكل او بآخر في الصراع، وتجنباً لمزيد من التورط.. اعلنت ايران ان قصفها كان رداً على استهداف قنصليتها فقط.. مما يعني ان الرد محدود، دون الرغبة في الانخراط بحربٍ مفتوحة مع اسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة ودول الغرب..

الرد الاسرائيلي، بقصف اصفهان، وهي في قلب وعمق الاراضي الايرانية، كان محدودا جداً ويرقى الى مستوى توجيه انذار او تهديد محدود ولا يمثل حالة اعلان حربٍ على دولة ايران.. لان الموقف الاميركي كان واضحاً بالنسبة لاسرائيل بعدم الرد او الدخول في حربٍ مفتوحة مع ايران.. وان الولايات المتحدة لن تدعم قصفاً اسرائيليا لايران.. ولكنها لن تتردد في الدفاع عن امن اسرائيل وحمايتها من اي هجوم ايراني كما فعلت في تصديها للقصف الصاروخي الايراني..

انخراط حلفاء ايران، في مناوشات محدودة مع اسرائيل، في مواجهات لا توازي حرباً مباشرة، بل هي عبارة عن التاكيد على تضامن محور طهران، ولكن ليس تنفيذاً لاستراتيجية وحدة الساحات.. التي تعتبر انتهت مع البيان الايراني الذي اغعتبر ان الرد الايراني على اسرائيل كان مرتبطاً بقصف القنصلية الايرانية في دمشق وان اي اعتداء أخر.. مماثل.. سوف يواجه بردٍ آخر..دون الاشارة الى العدوان الصهيوني على غزة، والضفة الغربية.. ولبنان.. وسوريا.. وآخرها الاعتداء على العراق…

اسرائيل اعلنت منذ بداية الحرب انها نريد من حربها تغيير المعادلة الامنية في المنطقة وحتى تأسيس تغيير جغرافي.. وكذلك القضاء على حركة حماس والهيمنة على قطاع غزة امنياً..

حتى الان وبعد سبعة اشهر لم تحقق اسرائيل اهدافها..حماس لا زالت مستمرة في مواجهتها.. والشعب الفلسطيني صامد في مواجهته، ويتحمل عبئاً هائلا من التضحيات البشرية والمادية.. واسرائيل بدات تشعر بالخسارة الاستراتيجية من ناحية انفضاض دول المجتمع الدولي عنها رسميا.. من خلال اعتراف دول اوروبية واميركية جنوبية بدولة فلسطين.. وانطلاق آلاف المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في مواجهتهخ مع الكيان الغاصب.. وتراجع اندفاعة بعض الدول العربية عن التطبيع مع اسرائيل رغم الضغط الاميركي.. حتى ان الدول المطبعة بدأت بمراجعة علاقتها بهذا الكيان وممارساته ودوره في المنطقة..

اذا اسرائيل امام حائط مسدود وتريد تحقيق اي انتصار او انجاز ممكن ان تقدمه لشعبها وكذلك في تغيير اي واقع في سياسي وامني وجغرافي في منطقة الشرق الاوسط.. وفي نفس الوقت اسرائيل لا تريدج الانخراط في حربٍ مفتوحة واسعة النطاق مع دولة ايران.. التي هي بدورها تعاني كما اسرائيل من ازمة اقتصادية وانقسام داخلي وحصار وعقوبات اميركية ودولية بالغة التداعيات على الداخل الايراني…

الولايات المتحدة بدأت ضغوطها على حلفاء ايران في المنطقة بأشكال مختلفة..

ميليشيا الحوثي في اليمن، وبطلب ايراني قامت بضرب استقرار الممر البحري الدولي في باب المندب الذي يشكل معبراً بحرياً بالغ الاهمية.. للتجارة الدولية..تحت عنوان حصار مرفأ ايلات..ولكن التداعيات كانت دولية .. مما دفع الولايات المتحدة الى اطلاق عملية (حارس الازدهار) لحماية الممر البحري.. وضرب ميليشيا الحوثي واضعاف قدراته مما خفف عن اسرائيل الضغط العسكري.. ودخلت الولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة عسكرية نيابة عن اسرائيل فيما انكفأ العرب عن المشاركة وخاصة مصر الدولة المعنية اكثر من غيرها مع تضرر وارداتها من انخفاض عبور السفن عبر قناة السويس.. وهذا معناه ان ضبط الحوثي اصبح مسؤولية دولية.. وليس اقليمية كما كان سابقاً..

ميليشات الحشد الشعبي العراقيةـ والتي انخرطت في مواجهات مع قوات التحالف الدولي في العراق، وخاصةٍ الاميركية منها.. توقفت بطلب من رئيس الوزراء العراقي..(محمد شياع السوداني) وبموافقة من قوى التحالف الشيعي في العراق.. وبعد ضربات اميركي قاسية ومؤثرة.. على قدرات وقيادات الحشد الشعبي.. وبعض البيانات التي يصدرها الحشد عن قصف اسرائيل ومعسكراتها تبين انها استعراضية ولا اساس حقيقي لها.. وكان لزيارة رئيس الوزراء العراقي الى واشنطن مؤخرا.. التأثير الكبير على موقف الميليشيات هذه.. بعد توقيع اتفاقات امنية واقتصادية ومالية ونفطية.. بين حكومة السوداني والولايات المتحدة.. وكذلك سوف يكون هناك زيارة تعاون امني واقتصادي بين العراق وتركيا الدولة العضو في حلف الناتو.. مما يعني ان الميليشيات العراقية قد اصبحت خارج معادلة المواجهة…

النظام السوري.. الذي استنزف استمراره حتى اليوم بعد 13 عاماً من الصراع.. الخزينة والثروة الايرانية وكذلك علاقة ايران وحلفائها بالمكون الاسلامي في المنطقة.. بدأ يرسم سياسة خاصة به، بعيداً عن التورط في سياسات محور ايران وحلفاء ايران في المنطقة..وسوء العلاقات وعدم الثقة بدات تطبع العلاقات بين محور ايران ونظام دمشق.. بعد الغارات الاسرائيلية التي استهدفت قيادات ايرانية ومن الميليشيات المؤيدة.. وهناك اتهامات غير معلنة تشير الى تورط اجهوة امنية سورية في تسريب المعلومات للاسرائيليين لقصف هذه القيادات خلال اجتماعها او قصف مستودعات الاسلحة ومخازن الذخيرة.. وقطع طرق الامداد عبر طهران وبغداد الى سوريا ولبنان بقصف معبر البوكمال وغيره وكذلك المطارات السورية ايضاً..

المواجهة في لبنان التي يقودها حزب الله ضد اسرائيل بتسعير وتفعيل الجبهة الجنوبية مع الكيان الغاصب.. هي الحالة الوحيدة التي لا زالت فاعلة ومؤثرة على طرفي الحدود.. الخسائر في لبنان بالمليارات.. والقتلى بالمئات وبعضهم بل معظمهم من قيادات حزب الله.. والتهجير والنزوح لم يتم احصاؤه بشكل دقيق.. والتعتيم سيد الموقف على حجم الدمار في القرى الحدودية.. وقد اعلن نعيم قاسم نائب امين عام حزب الله.. مؤخراً اننا لم نكن نتوقع ان تستمر الحرب هذه الفترة الزمنية…وما زالت مستمرة..

الداخل اللبناني منقسم بين مؤيد ومعارض للمواجهة المفتوحة.. وفشل حزب الله في استقطاب قوى لبنانية خاصة على الساحة السنية في الالتفاف حوله تأييدا لدوره ومناوشاته.. بارغم من ان البيئة السنية مؤيدة ومتعاطفة مع الشعب الفلسطيني ولكن لا يمكن تجاهل او نسيان ما ارتكبه حزب الله في لبنان كما في سوريا وغيرها..والبيئة المسيحية تشعر بأنها متورطة في حربٍ لا تريدها او ترغب بها.. ولا ترى ان المناوشات هذه قد تخدم القضية الفلسطينية بقدر ما تضر بالواقع اللبناني.. الى جانب تعطيل حزب الله وحركة امل للانتخابات الرئاسية ومنع التعيين في المواقع الاساسية في الدولة اللبنانية الا تحت شروطهم وموافقتهم.. وهذا ينطبق ايضا على موقع رئاسة الوزراء التي تعتبر اليوم في حالة فراغ حقيقي ويمارس الثنائي الحاكم ..(حزب الله.. حركة امل).. كافة السلطات بشكل غير مباشر..

حتى ان بيئة حزب الله والثنائي الحاكم.. تشعر انها تدفع ثمن مواجهة بالغة الخطورة.. دون قدرة على تحمل تداعياتها وخسائرها..

التصريحات الاسرائيلية كلها تصب في اطار حسم الفوضى الامنية على الحدود الشمالية.. واعادة سكان المستعمرات الصهيونية.. وتحقيق التغيير المطلوب لاعادة الهدوء والاستقرار الى الجبهة الشمالية.. ونتنياهو وحكومته بحاجة لتحقيق اي انتصار ممكن.. لتعويض اخفاقات الحرب المستمرة على غزة.. والضفة الغربية واعاد الوحدة الى المجتمع الصهيوني المنقسم..

اذا الواقع اللبناني منقسم ومشرذم وغير راضٍ عما وصل اليه من فراغ وتهميش وتراجع وازمات..مما يجعل لبنان الساحة المناسبة لعدوان صهيوني.. مستفيداً من حالة الفوضى السياسية والانقسام العامودي بين المكونات اللبنانية .. والتدخل الدولي السياسي الذي يحاول صناعة استقرار ولو بالحد الادنى للحفاظ على لبنان.. من خلال دور اللجنة الخماسية وزيارات المندوبين الدوليين.. الفرنسي والاميركي وغيرهم..

من هنا نرى ان رفع وتيرة التهديد باجتياح رفح مع ما تحمله من نتائج انسانية سلبية على الشعب الفلسطيني وبالتالي من نظرة دولية مختلفة لهذا الكيان الغاصب.. قد تكون غطاءً للتعمية تحضيرا لعدوان واسع النطاق على لبنان.. يؤدي للتغييرات التي اطلقها نتنياهو مع بداية الحرب في شهر اوكتوبر/تشرين اول عام 2023.. اي التغيير الجغرافي.. وكذلك بإمكان نتنياهو ان يقول انه قد ضرب المشروع الايراني في المنطقة من خلال ضرب ميليشيا حزب الله اهم حليف لايران.. التي فقدت مبدئياً الاحتضان الداخلي، كما العمق الاستراتيجي في سوريا والعراق.. وانكفاء ايران عن تثبيت دورها في معادلة المواجهة والصراع…

حمى الله لبنان وشعب لبنان..

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها