فرح منصور

الأحد ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٣ - 18:11

المصدر: المدن

الحرب ومرضى السرطان: الرعب من اختفاء الأدوية مجدداً

دوامة مليئة بالقلق والأمل، هي التي يتخبّط فيها مرضى السرطان في هذا البلد المنكوب. الخوف يتربّص بهم، في ساعات السلم وفي سيناريو الحرب، في أوقات الرخاء الاقتصادي والاختناق المعيشي.

الشقاء المستمر
إن حاولت الاقتراب قليلًا، لمشاهدة حياتهم اليومية عن كثب، فإنك ستتعثر بمشهد واحد فقط؛ الاعتياش على الأسى والتهميش، الذي بات كخبزهم اليوميّ. هكذا يعيش مرضى السرطان وذويهم في لبنان. يتقاسمون فاتورة الإهمال الرسمي في ظل عجز مؤسسات الدولة المفلسة عن حمايتهم وتأمين أدويتهم في حال اندلاع الحرب، لتوزّع هذه “الفاتورة” على أورامهم الجسدية وآلامهم النفسية بالتساوي.

وبين مشاعر الخوف وسعيهم الدائم لتخدير أوجاع ذويهم بالدواء المقطوع غالبًا، وتسكين آلام مرضاهم النفسية بتزويدهم بالأمل الممزوج بصلب المعاناة، يقف أهالي المرضى، أمام شبح الحرب المتربص بهم، خائفين من انقطاع الأدوية مرة أخرى. لكن، خلف هذا الشقاء، تُسمع كلمات الدكتور جان الشيخ، الطبيب المتخصص بسرطان الدم وهو يردد: “نسبة الشفاء تجاوزت 80 بالمئة، السرطان لم يعد مرضًا مميتًا، بل تحول لمرض مزمن.. لا تخافوا”.

من قلب مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، يرُفع “جرس الأمل” على الحائط، بالقرب من غرف مرضى السرطان. “HOPE BELL” أو جرس الأمل والشفاء. جرس حديدي ضخم، يطرقه كل من شُفي من مرض السرطان. أما صوته فهو بمثابة أنشودة الشفاء للمرضى، أو صلاة الأمور المستحيلة الناجزة. يخرج المريض من غرفته، يودع أصحابه، يقترب من الجرس ويطرقه بقوة، معلنًا تغلبه على مرض السرطان.

إذن، نسبة شفاء المرضى من السرطان أو تحويل الأمراض المميتة إلى أمراض مزمنة تجاوزت 80 بالمئة، بسبب قدرة التطور العلمي في تحويل “الخبيث” إلى مرض مزمن يمكن التعايش معه. لكن، ووفقًا لكلام الدكتور الشيخ في حديث خاص لـ”المدن”، فإن معدل شفاء المرضى سينخفض، في حال نشوب الحرب لأن الشطر الأكبر من مرضى السرطان لن يتمكنوا من الحصول على علاجهم في الوقت المحدد، والقطاع الصحي لن يكون قادرًا على الصمود أبدًا.

خطة الطوارئ الرسمية
هل ستنجح خطة الطوارئ؟ يأتي الجواب سريعًا، لا. ويستهل الدكتور الشيخ حديثه بالقول أن خطة الطوارئ وُضعت من أجل “تأدية الواجب شكليًا فقط”، ولكن عمليًا من الصعب تفعيلها، فنحن بحاجة إلى تمويل ضخم لتنفيذها، والدولة اللبنانية لا تملك القدرة المالية. يعني أنه من الصعب تفعيل هذه الخطة. ويتابع ” الأدوية تكفي لشهرين بينما المشكلة الأساسية تكمن في نقل المرضى وكيفية معالجتهم”.

وأخطر ما في هذا الأمر، هو تكرار سيناريو “انقطاع الأدوية” عن المرضى، الذي يعني عودة الإبادة الجماعية للمرضى. إذ أكد الدكتور الشيخ أن الأدوية المدعومة ستختفي تدريجيًا من السوق، لأن الدعم سيرفع تدريجيًا عن هذه الأدوية، وفي شهر كانون الثاني ستصبح جميع أدوية السرطان غير مدعومة. وهذا يعني انقطاع الأدوية مجدّدا، وتخليّ بعض المرضى عن علاجهم بسبب عجزهم على شراء الأدوية من خارج لبنان، أي ارتفاع معدل الوفيات مرة أخرى.

“خطة طوارئ خاصة”
من أجل ذلك، يشدد على ضرورة تفعيل خطة طوارئ خاصة بمرضى السرطان، مختلفة عن تلك التي وضعتها وزارة الصحة، وأساسها تأمين أدوية السرطان، لأن مخزون هذه الأدوية ليس متوفرًا في جميع المشافي، وأيضًا تأمين مساعدات مالية لعلاج المرضى من الخارج. لافتًا إلى أن عدد مرضى السرطان في لبنان تجاوز 20 ألف مريض. لذلك يحتاج القطاع الصحي إلى خطة طارئة لمنع انقطاع الأدوية عنهم.

خلال 23 عامًا، أجرى الدكتور الشيخ حوالى 8000 عملية لزراعة نقي العظم، وفي العام 2023 فقط، نجحت أكثر من 110 عملية بنسب مرتفعة تجاوزت 89 بالمئة. وانطلاقًا من هنا، يردّد قائلًا بأن شفاء مريض السرطان صار مقرونًا بشروط معينة فقط، وهي: “الحصول على العلاج في الوقت المناسب، تأمين الأدوية اللازمة”.

ويشرح بأن ارتفاع نسبة الوفيات ناتجة عن تأخر المريض عن علاجه فقط، خصوصًا بعد التطور العلمي الذي أثبت خلال السنوات الأخيرة أن مرض السرطان لم يعد مخيفًا كالسابق. والأهم هو توفير الدعم النفسي للمريض، لأن الحالة النفسية المستقرة تساعد الجسم المناعي على التصدي ومواجهة المرض، وهذا الأمر بات مثبتًا علميًا، لذلك من الضروري تأمين بيئة نفسية مستقرة لمساعدة النظام المناعي للمريض على مواجهة السرطان.

الخوف من الحرب
فيما ينشغل مرضى السرطان بالتفتيش عن أدويتهم، بات مهمًا توفير الدعم النفسي والسماح لهم بالتعبير عن آلامهم النفسية كما يجب. لذلك، تشرح المعالجة النفسية لـ”المدن”، سمر داغر، المتخصصة بمتابعة الحالة النفسية لمرضى السرطان، عن أهمية توفير الدعم النفسي للمريض، وعن قدرة الدعم المعنوي في تقوية الجهاز المناعي ومساعدة المريض على التجاوب بشكل أسرع مع العلاج.

المعروف أن حالة الخوف سيطرت على مرضى السرطان منذ بداية معركة الطوفان في السابع من تشرين الأول، خصوصًا بالتزامن مع الحديث المستمر عن إمكانية نشوب الحرب في لبنان. الأمر الذي دفع مريض السرطان إلى السعي جاهدًا لتخزين الأدوية (في حال توفرها في السوق) أو شراء بعضها من خارج لبنان، خوفًا من انقطاعها خلال الحرب.

من جهتها، لاحظت داغر خلال الأسابيع الماضية ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية لدى مرضى السرطان بسبب خوفهم من الحرب والموت، وأهمها القلق، الخوف من الموت، الاكتئاب، اليأس وعدم الرغبة بمحاربة المرض، والتي من الممكن أن تصل إلى حد التفكير بالانتحار. والمؤكد أن هذه العوامل تؤثر بشكل سلبي على علاجهم، وبالتالي، لن يتمكن المريض من الحصول على النتيجة المطلوبة بسبب تدهور حالته النفسية.

وعليه، شدّدت داغر على ضرورة تأمين الدعم النفسي المتواصل لمرضى السرطان، خصوصًا في ظل هذه الظروف، لافتًة إلى أن أهالي المرضى بحاجة أيضًا إلى اهتمام خاص ومتابعة مستمرة لحالتهم النفسية عند الضرورة، ليتمكنوا بدورهم من تقديم الدعم لأبنائهم. فالحل يكمن في توفير الدعم المعنوي والنفسي للمرضى وذويهم، وحثهم على ضرورة التعبير عن مشاعرهم وآلامهم النفسية بشكل مستمر عن طريق البكاء، والصراخ وغيره، ليتمكن المريض من تقبل المظهر الخارجي لجسده المنهك من المرض ومن الجرعات الكيميائية، ويتقبل تطور الأوضاع الأمنية في لبنان.

على أي حال، هذه الظروف الإستثنائية قد تنتهي بعد فترة، وسيتلاشى الخوف والقلق، أما “جرس الأمل”، فسيبقى جاهزًا لاستقبال جميع مرضى السرطان، ليعلنوا عن تخلصهم من شبح الموت الذي طاردهم طويلًا.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها