جنى الدهيبي

الخميس ٨ آب ٢٠٢٤ - 16:34

المصدر: المدن

“الحزب” يجهِّز الشمال ملاذاً آمناً.. والمحافظة تضع خطط الإيواء

وصلت أصداء التحذيرات من حرب واسعة قد تشنها إسرائيل على لبنان، إلى طرابلس ومختلف المناطق الشمالية، التي تترقب بحذر وقلق، رد حزب الله على ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القائد العسكري فؤاد شكر، وما سيتبعها من تداعيات رد إسرائيل على الرد.

شبح الحرب يُطارد الناس شمالًا، فيما أطلقت إدارات الكوارث في البلديات والجمعيات صفارات الإنذار، للشروع بخطط إغاثة النازحين المحتملين.

وإذا كانت حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على المدنيين في قطاع غزة، تشكل نموذجًا مرعبًا يخشاه اللبنانيون، فإن ذكريات حرب تموز 2006 تبدو راسخة في أذهانهم. ليس في حجم الدمار وما تسببت به تلك الحرب من قتل ومجازر طالت الجنوبيين وأبناء الضاحية الجنوبية لبيروت فحسب، بل أيضًا لما تسببت به من تهجير قسري لعشرات آلاف الأسر.

وحينها، كان شمال لبنان من أكثر المناطق التي لجأ إليها الجنوبيون وأبناء الضاحية.

تحضيرات الحزب
لا يكشف حزب الله عن كامل خططه التي أعدها لإغاثة أبناء الضاحية والجنوب، إذا وقعت حرب واسعة.

أما شمالًا، فتفيد مصادر مطلعة لـ”المدن”، بأن الحزب وضع خطة إيواء متكاملة. وتشير معلومات “المدن” إلى أن الحزب استكمل منذ نحو شهر، تحضيراته اللوجستية والطبية والإغاثية في الشمال، التي ستشكل ملاذًا للنازحين إذا ما شنت إسرائيل حربًا واسعة.

قبل حرب أكتوبر، لم يكن خافيًا تنامي وجود حزب الله في الشمال، ولا سيما على مستوى تقديم الخدمات والمساعدات الصحية. هذا الأمر، أتاح للحزب منذ أشهر، فرصة تحضير خطط الإغاثة لإيواء النازحين في الشمال، تحسبًا لحرب واسعة قد تشنها إسرائيل على لبنان.

وهذه التحضيرات، حسب المعلومات، لا تشمل طرابلس عمومًا بسبب الوضع الاقتصادي فيها وكثافة اللجوء السوري داخل المدينة. بل إنها تتمحور على مناطق زغرتا (معقل حليفه زعيم تيار المردة سليمان فرنجية)، وفي قضاء الكورة والضنية وعكار ومختلف الجوار الذي يعد مناطق آمنة في حالة الحرب.

جمعية “وتعاونوا” والحلفاء
ويبدو أن المدارس ليست الخيار الذي لجأ إليه حزب الله كمراكز إيواء، على قاعدة أنه لن يقبل بلجوء النازحين إليها باعتبارها غير مهيأة لذلك. في حين، يسري العمل على تجهيز منازل مفروشة وأبنية ومراكز مدنية ودينية، تتوفر فيها مقومات الحياة اليومية، وتتوفر فيها إمدادات المياه والصرف الصحي، ومن المفترض أنها مهيأة لاستقبال آلاف النازحين.

كما يواصل حزب الله، عبر جمعية “وتعاونوا” الخيرية (التابعة له)، ولديها مراكز في طرابلس وعكار، على تقديم المساعدات الطبية والإنسانية لآلاف الأسر الفقيرة في هذه المناطق، عبر حصص غذائية وتموينية، أو عبر تسديد تكاليف عمليات جراحية وتوفير الأدوية. وذلك توازياً مع عمل الجمعية على وضع خططها وتنفيذها شمالًا، لإيواء النازحين في حالة الحرب.

ويبدو أن حلفاء الحزب السياسيين شمالًا، يتحضرون أيضًا وبالتنسيق معه، لإيواء النازحين. في المنية مثلًا، يقول النائب كمال الخير، حليف حزب الله، بأن التحضيرات انطلقت منذ أشهر، واشتدت وتيرتها بعد التصعيد الأخير. وما يعمل عليه الخير مع فريقه في المنية، وفق حديثه لـ”المدن”، هو تجهيز عشرات المنازل المفروشة لفتحها أمام النازحين. ويتحدث النائب عن نزوح ثلاث أسر من الجنوب إلى المنية، حتى الآن، إلى هذه المنازل. ويضيف: “هناك بعض الأسر المغتربة وضعت منازلها بتصرفنا، وهناك أحد الأشخاص في المنية الذي قدم لنا عشرة منازل فارغة، وإذا لزم الأمر نستأجر المزيد من المنازل، بالتوازي مع عمل الدولة التي ستفتح المدارس أمام النازحين”.

استئجار الشقق
في هذا الوقت، تحاول بعض العائلات في الجنوب والضاحية، أن تبحث عن بيوت للإيجار في الشمال، تحسبًا للحرب. هذا الواقع، تسبب بارتفاع ايجارات المنازل بوتيرة ملحوظة شمالًا، في الأسابيع الأخيرة. مثلًا معظم الشقق السكنية التي كان يعرضها السماسرة للإيجار في الكورة بنحو 300 دولار شهريًا، ارتفعت إلى ما يقل عن 500 دولار، في محاولة مستمرة من التجارة والسماسرة لاستغلال حالة الاضطراب الأمني في البلد عمومًا. وهو ما انعكس سلبًا على أبناء الشمال من الباحثين عن بيوت بهدف استئجارها بسبب أسعارها التي تتجاوز بأضعاف قدراتهم الاقتصادية المحدودة، وسط غياب الرقابة على سوق العقارات.

تحضيرات عكار
على المستوى الرسمي، وبمعزل عن خطط حزب الله، انطلقت التحضيرات للحرب المحتملة، وبدأ التعامل مع الشمال بوصفه أكثر بقعة جغرافية سيتوجه إليها النازحون.

في عكار، يقول محافظها عماد لبكي في حديث لـ”المدن”، بأن إدارة لجنة الكوارث بالتعاون مع الصليب الأحمر، تعمل بالتنسيق حاليًا مع وزارة التربية، بحثًا عن أبنية مدارس رسمية، القابلة أن تكون مراكز إيواء، إضافة إلى تفعيل العمل مع مختلف البلديات والجمعيات، عبر غرفة إدارة الكوارث في المحافظة، لتعزيز جهوزيتها عند أي طارئ.

ويشير لبكي، إلى أن العمل جارٍ لتوفير ما قد يحتاجه النازحون من بطانيات ومياه وغذاء وأدوية وإمدادات كهرباء وصرف صحي. ويضيف: “نحن حاليًا بمرحلة التشبيك والاتصالات بالتعاون المباشر مع الصليب الأحمر، ونتعامل مع الظرف ومخاطر الحرب بجدية كاملة، بتوجيهات من الحكومة”.

ومع ذلك، يخشى لبكي من التحديات التي قد تواجه بلديات عكار، في ظل ضعف الإمكانات والموارد، و”أي خطة طوارئ تحتاج لتمويل ودعم مالي ولوجستي”.

تحديات وخطط
توازيًا، تقول قائمقام الشمال، إيمان الرافعي، في حديث لـ”المدن”، بأنه منذ 7 تشرين الأول 2023، تم وضع خطة للإيواء في الشمال، عبر لجنة إدارة الكوارث. لكن الوضع راهنًا، اختلف رأسًا على عقب، حيث “نستعد الأربعاء المقبل، لاجتماع طارئ، يجمع جميع القائم مقامين ورؤساء البلديات والجمعيات والمنظمات الأممية، وبالتعاون المباشر مع الصليب الأحمر، لوضع خطة الطوارئ حيز التنفيذ”.

وتقول الرافعي، بأن كل قضاء في الشمال، سيكون لديه غرفة عمليات للأمور اللوجستية. أما التعويل الأساسي، وفق قائمقام الشمال، فهو على المنظمات الدولية، وعلى رأسها الـUNDP، التي يتم تنسيق معظم التحضيرات معها لجهة توفير مراكز الإيواء، إلى جانب العمل مع اليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR).

لكن الصليب الأحمر، بحسب الرافعي، سيلعب شمالًا الدور الأبرز في إدارة مراكز الإيواء، في حال وقعت الحرب. وحتى الآن، “تم العمل على 11 مركز إيواء في الشمال، أجرينا عليها دراسة وتقييم، وهي عبارة عن مدارس قديمة ومعاهد وأديرة تابعة للرهبنة”.

وتتفق الرافعي مع لبكي قائلة: “إن العامل المادي وضمان استمراريته هو أصعب تحدٍ يواجهنا. في حرب تموز، كانت البلديات شمالًا لديها وفرة مالية، أما حاليًا فهي بحالة إفلاس. ومع ذلك، نضع الخطط بقدر عالٍ من المسؤولية في الأقضية كافة”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها