سام منسّى

الأثنين ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٠ - 10:05

المصدر: الشرق الأوسط

الديمقراطية الأميركية بين التحفيز والتيئيس

قبل أربع وعشرين ساعة من الاستحقاق الانتخابي الأميركي الاستثنائي على مستوى الولايات المتحدة بخاصة والعالم بعامة، الأفضل عدم التنبؤ بنجاح هذا المرشح أو ذاك بل إلقاء الضوء على بعض الوقائع المرتبطة بالأرض التي سوف تنتخب الرئيس العتيد وتداعيات نجاح أحد المرشحين على السياسة الخارجية الأميركية، لأن حدة التجاذب غير المسبوق الذي يرافق هذه الانتخابات ستطال الحلفاء والخصوم على حد سواء بخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

بدايةً، وفي محاولة توقع نتائج هذه المعركة الانتخابية، من الأجدى عدم التعويل كثيراً على تجربة انتخابات عام 2016 حين تنافست هيلاري كلينتون مع دونالد ترمب، إذ من المرجح ألا تتكرر لأن ترمب يخوض هذه الانتخابات بإرث سياسي داخلي وخارجي بات معه الناخب على دراية أكثر بشخصيته وتوجهاته.

لكي يبقى في البيت الأبيض، يحتاج ترمب أولاً لكسب كل الولايات المترددة إضافة إلى ولاية من الولايات المحسوبة ديمقراطية، ولعل ذلك مستبعد إنما غير مستحيل لا سيما في ظل عامل يحد من صدقية استطلاعات الرأي وهو ما يسمى «الأصوات السرية» التي تعلن تأييدها هذا المرشح لتعطي صوتها لغير من أعلنت تأييده.

النقطة الثانية تتعلق بنجاح أو فشل استراتيجية حملة ترمب الساعية ليس إلى استمالة المترددين بقدر تحفيز قاعدته وتيئيس قاعدة الخصم بإطلاق المزيد من الفضائح أو التهم الموجهة إليه، كاتهام بايدن بأنه ممثل لليسار والشيوعية والاشتراكية أو اتهام ابنه بفضائح مالية، ومؤخراً، تسريب عدد من الصور الفاضحة له والتي من شأنها دفع قاعدة بايدن المترددة إلى اعتبار كلا المرشحين ملوثين بالفضائح فتحجم تالياً عن التصويت.

إلى ذلك، لا يجوز الاستخفاف بالهزات التي تعرضت لها إدارة ترمب جراء الخلافات التي حصلت بينه وبين مستشارين أو وزراء وموظفين كبار أدت إلى استقالة عدد كبير منهم يشكلون ركناً من قاعدة الجمهوريين. تظهّرت ذيول هذه الخلافات في عريضتين، صدرت الأولى منذ بضعة أشهر تنتقد الإدارة الحالية ومذيلة بتوقيع نحو 700 اسم من كبار الجمهوريين، فيما أظهرت الثانية انفضاض شخصيات جمهورية بارزة عن مرشح حزبهم حين دعت إلى انتخاب بايدن ليس حباً به إنما رفضاً لأداء ترمب. ولا يجوز الاستخفاف بالاستقطاب السياسي العميق الذي ميّز ولاية ترمب وانعكس انقساماً اجتماعياً حاداً سيُترجم حتماً في التصويت.

بالنسبة لبايدن، أمامه عمل دؤوب لحسم بعض الولايات المتنازع عليها لصالحه، كما بعض الولايات التي أظهرت الاستطلاعات الأخيرة تحولاً طفيفاً فيها لصالح الحزب الأزرق كتكساس وجورجيا وأريزونا. وعليه الإفادة من زخم الانتخابات المبكرة في أغلب الولايات لا سيما الحمراء، والتي يعزو المراقبون سببها إلى محاولة الديمقراطيين الالتفاف على قيود التصويت التي فرضتها السلطات المحلية الجمهورية كقرار حاكم تكساس، غريغ أبوت، تحديد موقع تسليم واحد لاقتراع الغائبين في كل مقاطعة. ومن مصلحته أيضاً النجاح بغالبية نظيفة تحسم النتائج بأسرع وقت ممكن خصوصاً في الولايات التي لديها عدد كبير من المندوبين في المجمع الانتخابي، تفادياً لأي إشكالات تؤدي إليها غالبية ضئيلة وتزيد من حال الارتباك السياسي غير المسبوق والتجاذب الحاصل اليوم في الولايات المتحدة، لا سيما وسط ما أفصح عنه ترمب من جهوزيته للطعن بأي نتائج لصالح منافسه تستند إلى غالبية ضئيلة.

وما يمكن أيضاً أن يصب في مصلحة بايدن هو ما يقال في بعض الأروقة من إمكانية ممارسة بعض مندوبي المجمع الانتخابي حقهم في التصويت خلافاً لما صوّتت عليه ولايتهم في خطوة قد تشهدها أميركا للمرة الأولى.

ماذا عن ذيول نتائج انتخابات الرئاسة على السياسة الخارجية الأميركية؟

إن وصول بايدن بغالبية كبيرة، سيعطي أميركا دفعاً جديداً في علاقاتها الخارجية، لأنه من المتوقع أن تعمد الإدارة الديمقراطية إلى ترميم العلاقات مع حلفاء أميركا عبر الأطلسي، يرافقه تشدد أكثر مع روسيا وليونة مع الصين.

في الشرق الأوسط، ينبغي الإشارة أولاً إلى أن مستجدات المنطقة تحمل علامات واضحة لشرق أوسط جديد ميزته الأساس أنه ينحو باتجاه منطقة اقتصادية تشمل أكبر عدد من دوله، مستثنية في هذه المرحلة سوريا ولبنان والعراق. ويواجه الإقليم أيضاً استراتيجيات توسعية ثلاثاً، تركية وإيرانية وإسرائيلية، وسط عمليات تطبيع عربية إسرائيلية دخلتها البحرين والإمارات ومؤخراً السودان.

من المهم التأكيد أن العلاقة الأميركية مع المنطقة العربية والشرق أوسطية هي علاقة استراتيجية أكثر منها علاقة مرتبطة بمزاج ساكن البيت الأبيض، والأرجح عدم حصول تبدل وانقلاب جذريين في الخطوط العريضة للسياسة الأميركية فيها على عكس ما يعتقده الكثيرون. فأياً تكن الإدارة المقبلة، ستحث على متابعة مسار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ومن شأن ذلك مساعدة دول الخليج بخاصة على تبني علاقات دافئة مع إدارة ديمقراطية أو المحافظة على حرارة العلاقات مع إدارة جمهورية برئاسة ترمب.

بالنسبة إلى لبنان، بات معلوماً أن واشنطن لا تمتلك سياسة لبنانية وهمومها فيه تقتصر على حماية إسرائيل وتطويق إيران. من هنا تصب اهتمامها في هذه المرحلة على ترسيم الحدود وتقليص نفوذ «حزب الله». المرجح أنه لا مانع لواشنطن، ديمقراطية كانت أم جمهورية، من التعايش مع سطوة ظاهرة أو مغلفة لـ«حزب الله» إنما ليس سيطرته الكاملة على لبنان، من دون أن يعني ذلك رفع العقوبات عنه أو التخفيف من حدتها. فهي تعي الواقع الديموغرافي والعسكري والسياسي اللبناني وتعرف الوقائع على الأرض بعدما تبين لها هزال المعارضة ضد «حزب الله» ودوره، وجلّ ما تحرص عليه راهناً هو عدم سقوط البلاد في انهيار سياسي واقتصادي ومالي كامل.

يبقى الموضوعان الأكثر سخونة: ملف إيران النووي وتمددها في الإقليم، والإرهاب. لن تكون الإدارة الديمقراطية، في حال فوز بايدن، نسخة عن إدارة باراك أوباما، بل من المرجح أن تبدأ من حيث انتهت إدارة ترمب بالنسبة للعقوبات والموقف من تدخلات إيران في الإقليم والصواريخ الباليستية. قد تحمل مقاربة مختلفة أقل حدة من إدارة ترمب، لكنها ستسعى إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي. وينسحب الأمر نفسه على الموقف من الإرهاب لا سيما عدم التمييز بين التطرف السني والتطرف الشيعي الواضح عند ترمب، ويؤمل أن تكون إدارة بايدن قد تعلمت من أخطاء أوباما بهذا الشأن التي سمحت بالتمدد الإيراني.

بالنسبة للدور التركي المستجد والمتفاقم في أكثر من دولة، يرجح توجه بايدن لإعادة تركيا إلى الحاضنة الأطلسية الغربية ضمن سعيه لتوسيع تحالفاته على عكس إدارة ترمب التي سعت لإجراء صفقات ناجحة جعلتها تغضّ الطرف عن الجنوح التركي في أكثر من منطقة بدءاً من جنوب القوقاز إلى ليبيا وسوريا والعراق ولا سيما إقليم كردستان.

في المحصلة، ما رافق هذه الانتخابات من كلام حول احتمال التزوير أو رفض النتائج أو ترويع الناخبين أو صعوبة حسم النتيجة، إنما يشير للأسف إلى أن أميركا لم تعد تشبه أميركا المتميزة باحترام القانون والتمسك بالدستور ودور المؤسسات، ويضع الإصبع على ما أصاب النخبة السياسية من عطب خطير لا بد من متابعة تأثيره على الديمقراطية الأميركية نفسها. وتبقى المفاجأة مما قد يفعله ترمب في حال خسارته خلال الـ77 يوماً المتبقية من الولاية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها