منى فياض

الأحد ٦ شباط ٢٠٢٢ - 09:42

المصدر: الحرة

السلطة اللبنانية ومصارفها.. حكاية نصب واحتيال معلنين 

سأحكي لكم حكاية اللبناني مع المصارف في الأول من فبراير، موعد قبض الرواتب والمستحقات للموظفين، حين نفذت أكبر عملية احتيال ونصب بحقهم. ذهبت الى المصرف الذي أتعامل معه وهو يعود الى أحد أكبر المرجعيات المصرفية، كي لا أسميه؛ وغايتي الحصول على الراتب وما تيسر من الوديعة المالية البالغة 200 مليون ليرة، ما كان يساوي 133,333 ألف دولار قبل تجميدها منذ أن حجزت أموال اللبنانيين مطلع العام 2020، وصارت تصرف بالقطارة.

أخبرتني الموظفة ان بإمكاني الحصول على مليوني ليرة فقط، يعودان إلى الوديعة بالليرة اللبنانية. ذلك أن هذا المصرف بالتحديد يمتنع عن صرف راتب الموظف قبل الخامس عشر من كل شهر. لماذا؟ العلم عند الله، فلا حسيب او رقيب!!

حسناً، قلت سأسحبهما. قالت إنها لا تملك ليرات لبنانية، لكن يمكنني أخذ المبلغ بالدولار على سعر منصة صيرفة التابعة للمصرف المركزي. حسناً مرة أخرى قلت. كم يصبح المبلغ بالدولار؟ أجابت: 89 $. انتظرت أن تعطيني المبلغ. أجابت انها لا تستطيع إعطائي 89 دولاراً، لديها فقط 100 $!!

طيب وما العمل؟ أجابت أن عليّ أن أومّن لها 11 $ نقداً وعداً. كان لدي قطعتي عشرين دولارا مهلهلة كانت قد أعطتني أياها قبل سفري، ووعدت باستبدالها إذا لم تُقبل في السوق اللبنانية. وطبعاً رفض السوق قبولها. قلت لها خذي العشرين دولاراً التي وعدتِ باستبدالها وأعطيني الباقي عملة لبنانية. قالت إنها لا تملك قرشاً واحدا باللبناني!! وان المصرف المركزي لا يعطيهم سوى قطع من المئات!!

نصحتني بالذهاب إلى صراف، ذهبت فرفض صرف العشرين دولارا لأنها غير صالحة، وليس لديه 11 دولاراً لأشتريها.

عدت إلى المصرف لتجد لي حلاً فأنا محتاجة إلى نقود مطلع الشهر. فاقترحت الموظفة أن بإمكاني سحب المبلغ بالليرات اللبنانية من الصراف الآلي في الخارج، وأضافت لكنه معطّل. وكان معطّلاً منذ ما قبل سفري قبل شهر تقريباً. اقترحت عليّ ان أجرّب مع فرع آخر. ذهبت، فبادرني الموظف أن الصراف الآلي معطّل هنا أيضاً. ذهبت إلى فرع ثالث وباشرت عملية السحب وادخلت البطاقة وطلبت فقط مليون ونصف المليون، حرصاً على سيولة المصرف!! لكن بدل أن يصرف المبلغ أجابني: الصراف الآلي معطّل!! جرّبت وبعد يومين من صرّاف آلي آخر، نفس الأمر ارجعت الآلة البطاقة دون تعليق!!

فأوقفت المحاولات، لأن المصرف على ما يبدو قرر الاحتفاظ بنقودي. أضعت نصف نهار دون أن أحصل على حفنة دولارات أو ليرات في مطلع الشهر.

اخترع مصرف لبنان الألاعيب والبهلوانيات والهندسات على مدى السنوات الماضية لخدمة السلطة ولحماية فسادها وجشع مصارفها. أدّى ذلك إلى سرقة أموال اللبنانيين، حرفياً، في أكبر عملية نصب معلنة في تاريخ الكرة. ومن ضمن الحلول العبقرية التي تتوالد بشكل مستمر، تمخضت مخيلة المركزي مؤخراً عن “منصة صيرفة” التي أرادها هدية للمواطن في الأعياد كي يحصل على “فريش دولار” بسعر أقل من سعر السوق السوداء. تناقلت الصحف ووسائل الاعلام تهافت وتدافع الجنود والموظفين، بشكل مخزي، لقبض رواتبهم بالدولار كي يبيعونه مقابل ربح آلافاً قليلة من فرق السعر.

لكن في اليوم المشهود الذي أسرد أحداثه، كان سعر صرف الدولار مطلع هذا الشهر على المنصة 22,500، لكن سعره في السوق السوداء 19,500. قدرت خسائر الموظفين ما بين 20% الى 30% من قيمة رواتبهم. 

اشتكى بائع الخضار: “يريد الزبون أن يدفع لي بالدولار، لكن ماذا أفعل بالدولار وتعاملي بالليرة؟ أرفض أن اقبض بالدولار لأنني لا أستطيع صرفه. لا أحد يملك الليرة اللبنانية الآن، نشّفت السوق”.

مرة ممنوع علينا أن نسحب ما نملكه من دولارات إلا بالليرة اللبنانية وبالسعر المتدني الذي يحدده مصرف لبنان. ومرة أخرى علينا أن نقبض راتبنا اللبناني بالدولار الذي يفرضه علينا بسعر أعلى من سعر السوق السوداء؟ 

وهذا على مرأى من الجميع، من مواطنين وزعماء ورجال دين وسفارات ودول عظمى وغير عظمى، صديقة وغير صديقة. ما الغاية من التلاعب الجديد؟ البعض يربطه بتمرير الموازنة ومواكبة الاستحقاق الانتخابي، فيخفّض سعر صرف الدولار لتحسين صورة سياسيي المنظومة!! فإلى أين مدى ستصل بعد هذه المهازل؟ ومتى سنتخلص من مسرح اللامعقول!؟ 

أسلّي القارئ بسرد هذه الوقائع كي يأخذ فكرة آلية السرقة الموصوفة التي نتعرّض لها في كل لحظة ومنذ أكثر من عامين.

وإذا كان هذا حال أستاذ جامعي راتبه حوالي 6 ملايين ليرة ما كان يساوي أكثر أو أقل من 4 آلاف دولار، يسمح له الآن بالحصول على 4 ملايين منها فقط شهرياً!! أي أقل من 200$!! تبتلع فاتورة مولّد الكهرباء لعدة ساعات أكثر من نصفها؟  

فما حال الموظف المتقاعد الذي فقد راتبه ووديعته أو العاطل عن العمل أو الذي فقد عمله أو الذي لديه راتب لا يتعدى المليون أو المليون ونصف، أو المياوم؟؟؟ 

في هذه الأثناء تنشغل الحكومة بإقرار الموازنة العامة التي يجد معظم الخبراء أنها ستتسبب بمجزرة إضافية لقدرة المواطن الاقتصادية. فهي ستتضمن زيادات ضريبية كبيرة على صعيدي الجمارك والـ TVA والخدمات، ما يعني زيادة الضرائب غير المباشرة التي تطال قوت الفقراء. إضافة إلى زيادات ضريبية كبيرة على الأجور، ورفع سعر الدولار الجمركي وفواتير الاتصالات والكهرباء وغيرها. دون أي إصلاح يذكر. في الوقت الذي تريد الدولة الغاء دين الضمان الاجتماعي عليها (أي الاستيلاء على أموال استشفاء وتقاعد العمال والموظفين)؛ فيما تمارس سياسة الاعفاءات الضريبية المعتادة على الشركات الكبرى ورجال الأعمال وما يسمونهم كبار المكلفين والمؤسسات المملوكة بمعظمها من قبل السياسيين أو أزلامهم، تماما كالمصارف. فحكامنا لم يسمعوا قط بما يسمى الضرائب التصاعدية التي تطبق على أرباح رؤوس الاموال والشركات الكبرى والى ما هنالك.

أمام هذه الجريمة التي تنفذ بحق اللبنانيين وبشكل غير مسبوق، اعتبر البنك الدولي أن هذا الانهيار هو ثالث أكبر انهيار اقتصادي في 150 سنة الأخيرة عالميا.

ولقد كان لافتاً في هذا الشأن البيان الصحافي الذي أصدره البنك الدولي بتاريخ 25\1\2022 والمرفق بأحدث تقاريره بشأن لبنان، حيث اتهم فيه “النخبة” بالتورط في كساد اقتصاد البلاد. وقال إن كساد الاقتصاد اللبناني “من تدبير قيادات النخبة في البلاد ” و “يٌعرّض للخطر الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل”.

وعليه قدمت مجموعة من المحامين المحترمين بتاريخ 1\2\2022 دراسة، نشرت النهار ملخصاً لها، تحت عنوان “لا يجوز المساس بالاحتياط الإلزامي”، تبرهن عدم قانونية استمرار مصرف لبنان في تمويل الدولة، خصوصاً أنه لا يصحّ لأيّ مصرف، تحت طائلة المسؤولية تجاه الغير، تأمين تمويل لمدين متعثر أو في حالة توقّف عن الدفع، كما هي حال الدولة اللبنانية.

المؤامرة على لبنان لهدم ركائزه مستمرة. الشعب اللبناني يتعرض للقتل اليومي، إما بكاتم الصوت كما حصل مع رفيقنا لقمان سليم منذ عام، إما بالإفقار والتجويع. أمام هذا الواقع، حتى بابا الفاتيكان دعانا لأن ننتفض!!!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها