منى فياض

الأحد ٢٥ تموز ٢٠٢١ - 19:11

المصدر: الحرّة

السلطة والانتخابات اللبنانية: يا قاتل يا مقتول

لا شك أن الوضع الميداني على الأرض يبرهن يومياً عن التغيير الكبير الذي طال فئات وازنة من الشعب اللبناني. وآخر تمظهرات هذا التغيير صعب الإنكار الفوز الكاسح للائحة “النقابة تنتفض” في انتخابات نقابة المهندسين. وذلك بالرغم من الحرب الشعواء والإشاعات والأخبار الكاذبة التي شنتها أحزاب السلطة. أهل السلطة يتخاصمون ويتراشقون التهم ويفتعلون المعارك، بهدف إبقاء الاصطفافات المذهبية والدينية والسياسية بين محازبيهم، ولكي يحصل كل منهم على حصة وزانة من كعكة النهب المستمر.

لكن صفوفهم تتراص كتلة واحدة عند كل استحقاق انتخابي أو مواجهة مع قوى الثورة.

لكن هذا الفوز سيضع قوى التغيير أمام امتحان جدي لمدى قدرة النقابة الجديدة على التغيير الحقيقي في التعامل مع السلطة لإحداث الفرق. وهو امتحان لقدرتها على كسر الاحتكارات كما على فرض احترام القوانين وتطبيقها. فهذه النقابة تمثل مصالح آلاف المهندسين، ومنهم مقاولون كبار لديهم قدرات مالية وازنة؛ إذ أن جميع الرخص والمشاريع الإعمارية لا بد ان تمرّ عبرهم. كما أنهم من أهم المودعين في المصارف اللبنانية. لذا سيكون نموذج أدائهم شديد الأهمية، في حال نجاحهم في الضغط على السلطة السياسية كضبط الأملاك البحرية وجميع المخالفات المماثلة كنموذج. وللضغط على المصارف، لجهة إعادة أموالهم والمودعين.

كما أن لنجاح الشيعي عارف ياسين، المغرد خارج سلطة الثنائي الشهير، كما نأمل، على رأس النقابة، فمؤشر إلى استعادة المستقلين الشيعة لدورهم الرائد في التغيير وفي إعادة إحياء دور لعبه طيب الذكر حبيب صادق الذي تخلت عنه أحزاب السلطة، التي كان مفترض أنها سيادية، لصالح الثنائي. فأضعفت الشيعة المستقلين وهمشتهم كما أضعفت السياديين وانتهى الأمر بهم إلى الخضوع والإتيان بمن فتح علينا أبواب جهنم.

يستعجل البعض في الاستنتاج أن الانتخابات النيابية القادمة قد تسلك نفس الطريق. فهل هذا دقيق حقاً؟ وهل يمثّل متوسط جمهور المهندسين متوسط جمهور الناخبين اللبنانيين؟ الإجابة لا كبيرة بالطبع. بالإضافة الى أن أي انتخابات قادمة ستحصل مع القانون الراهن وفي ظل شروط الاقتراع المعروفة، من تزوير ومال سياسي في ظل الانهيار، سيكون النجاح فيها لأحزاب السلطة، وعلى رأسها الثنائي الشيعي. ما يعطي حزب الله، وإيران من خلفه، شهادة “الشرعية” على غرار انتخابات الأسد.

التقيت مؤخراً صديقاً ينتمي لأسرة جنوبية متمرسة في خوض الانتخابات البلدية والنيابية ودهاليزهما. فأعطاني موجزا نموذجيا عن كيفية إدارة الانتخابات وكيفية توزيع الأقلام وما شابه.

في مناطق الثنائي معظم المخاتير ورؤساء البلدية من أزلامهم بالطبع، وهم حشوا الإدارة بموظفين أتباع، ونفوذهم في الحكومة والإدارات معروف. وهذا ينطبق على مناطق أحزاب السلطة الأخرى ولو أن التنوع أكبر في المناطق المسيحية خصوصاً.

توزع الأقلام في العادة على العائلات، لكل عائلة كبيرة قلم تقترع فيه، ما يجعل الرقابة أوثق وأكثر فاعلية، فهم “منهم وفيهم”. ومراقبو الأقلام هم من الاساتذة والموظفين الذين “عينت” معظمهم الثنائية. فسوف ينفذون أوامر رعاتهم، أيضاً “بشوفوا خاطر” من لا ينتمون لهم.

بذلك يصبح سهلاً اقتراع المتوفين والمهاجرين، والتلاعب وعرقلة اقتراع الخصوم بزعم أن البطاقة غير مستوفية للشروط! ومن سوف يكلف نفسه بالذهاب إلى دائرة نفوسه في نفس اليوم وفي مركز القضاء لتصحيحها؟ 

ثم في نهاية اليوم يمددون الاقتراع لمن لا يزال في المركز. وهنا تحصل عمليات التزوير الكثيفة، فيفتح باب خلفي ويدخل منه مقترعين غير مستوفين الشروط أو من سبق واقترع إلخ… في الانتخابات الماضية سمح وزير الداخلية بتمديد الاقتراع إلى منتصف الليل في البقاع!! أين يمكن أن يحصل ذلك؟؟؟ يصبح مفهوماً أن بعض المرشحين المستقلين والسياديين لم “يقترعوا” حتى لأنفسهم، في بعض المناطق وعلى جميع الأراضي اللبنانية؛ أو أن عدد المقترعين فاق أحياناً عدد المسجلين رسمياً.

قبل هذا وذاك، لدينا قانون الانتخاب بعوراته التي جعلت كل عملية الانتخاب من دون معنى. إن لجهة التقسيمات الإدارية، من محافظات وأقضية وإلصاق مناطق بعيدة عن بعضها جغرافيا لتجميع الأصوات لمصلحة طرف معين، وإن لجهة اللوائح وكيفية تشكيلها، بحيث على الشخص أن يترشح قبل أن يجد لائحة تضمه، مع أن اللوائح تتشكل حول برنامج معين واضح. ناهيك عن الصوت التفضيلي الواحد، الذي يمكّن أحزاب السلطة من تجيير الأصوات لمرشح ضعيف. فهم يحشدون لبعضهم البعض بتبادل أصوات ناخبيهم في مناطق معينة لإيصال مرشح “الخصم”!! وهكذا دواليك.

لهذا سبق لأنطوان مسرّة أن طعن بشرعية قانون الانتخاب نفسه وقدم مخالفة نشرها في الجريدة الرسمية. كما درس نموذج انتخابات دائرة بيروت الثانية، حيث تغيرت نتيجة الاقتراع بعد صدورها رسمياً، فطعن فيها. فهو قانون طبق على قياس الطبقة المسيطرة ولم يراع نفس المعايير في التوزيع المناطقي، ولا في تشكيل اللوائح.

إن معركة الانتخابات القادمة ستكون معركة حياة أو موت والشاهد شراستهم في انتخابات نقابة المهندسين.

وعليه، وإذا قدّر لهذه الانتخابات أن تحصل، لأن الانهيار المستمر قد يعيقها ولأن من مصلحتهم إلغاءها على عادتهم، فسوف تكون إحدى مهامنا الكبرى الضغط بجميع الوسائل لتعديل قانون الانتخاب بما يضمن صحة التمثيل.

في جعل الصوت التفضيلي صوتان.

تطبيق القانون لجهة الميغا سنتر والبطاقة الالكترونية، لتأمين حرية الناخب بعيداً عن التهديد والرقابة.

الانضمام إلى اللوائح على أساس برنامجها المعلن.

 تأمين رقابة دولية حقيقية وفاعلة. فالمطلوب من الدول الكبرى الضاغطة لإجراء الانتخابات والراغبة بالمساعدة مشكورة، أن تؤمن الشروط التي ستسمح بالتغيير. مطلوب رقابة دولية دقيقة عبر الأمم المتحدة لضمان نزاهة الانتخابات. وإذا لم ننجح في فرض تطبيق هذه الشروط نكون قد أعطينا غطاء شرعياً إضافياً للمحتل كي يتبجح في أنه يمثّل اللبنانيين وينطق باسمهم.

الشعب اللبناني مهدد في حياته ولبنان مهدد في وجوده، كلاهما يحتاج إلى حماية ورعاية دوليين. والانهيار هدفه إيصالنا الى مؤتمر تأسيس ما يحقق ما سبق وصرّح به السيد نصرالله في مقابلة مع صحيفة “الخليج” الإماراتية في مارس 1986:
“لا نؤمن بدولةٍ مساحتها 10452 كيلومترًا مربعًا في لبنان، بل يستشرف مشروعنا لبنان في إطار خريطة سياسية لعالمٍ إسلامي لا وجود فيه لخصوصيات الدول، إنما تُصان فيه الحقوق والحريات وكرامة الأقليات”.
ونحن نجرب العيش الآن في صميم الحريات والكرامات وحقوق الأقليات الموعودة، التي ليست سوى جهنم دون قعر.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها