منى فياض

الأحد ١٣ آذار ٢٠٢٢ - 11:32

المصدر: الحرة

الشائعات التي تتغلب على الحقائق: لقمان والسنيورة كنموذجين 

علق الناشط والطبيب هادي مراد على صورة للمرشح فايز كرم كتب تحتها: ثقة السيد. وتساءل مستغرباً كيف لمحب المقاومة أن يحمل صور فايز كرم!؟  

ومن المعروف أن فايز كرم حكم عليه قضائياً وسجن بتهمة التجسس لصالح إسرائيل!!! 

هذا في الوقت الذي حورب فيه لقمان سليم وقتل لأنه “عميل”، كذلك تخوينهم لائحة عملاء السفارة.  

فبركة الشائعات سلاحهم، كالفيديو الذي وزع عن المؤتمر الذي عقد في الإمارات عام 2018 حول أيديولوجية حزب الله، فاتهموا المشاركين، وبينهم لقمان سليم، بالعمالة والخيانة والتصهين. وأنا التي لم أكن على علم بعقد المؤتمر أصلاً، أخبرت أنني موجودة في هذا الفيديو وأتحدث في المؤتمر؟؟  السؤال إذا كنا عملاء لماذا لا يحيلوننا الى القضاء المختص؟ أم ان القتل أقل كلفة ويخفي الحقائق؟ فأي مقاومة هذه؟  

شيطنة السياديين حرفتهم. آخر مهازلهم اتهام شفيق بدر لاعتراضه على تعليق صورة الارهابي سليماني في معرض الكتاب العربي، بالدعشنة. لماذا؟ لأنها التهمة المناسبة للسني. 

اعتدنا شائعاتهم الكاذبة، منها استعادتهم اتهام الرئيس بسرقة ال 11 مليار ليرة الشهيرة. إضافة الى إشاعة إقالته من رئاسة لجنة الرقابة على المصارف في الثمانينيات. كذّب الخبران المرجعان الأساسيان، مدير عام المالية آلان بيفاتي، وحاكم مصرف لبنان ميشال الخوري الذي عمل السنيورة برئاسته. مع ذلك يعتبرها البعض مسلمات. 

يرد السنيورة على كل ذلك في كتابيه الحديثين: “الدين العام اللبناني” و”المالية العامة للدولة”، استناداً الى الأرقام والاحصاءات والمؤشرات الاقتصادية والمالية للدولة.  

والسؤال لماذا التركيز على شيطنته الآن؟ لا شك ان لذلك علاقة بمبادرته الأخيرة للملمة الشارع السني وحثه على المشاركة الواسعة في الانتخابات، حيث لاقاه مفتي الجمهورية؛ ولديه لائحة سيادية. 

والملفت ايضاً اتهامه بمفرده من بين وزراء المالية ورؤساء الحكومة المتعاقبين على نفس السلطة المتهمة!! 

صحيح أن السنيورة جزء من الطبقة الحاكمة بخيرها وشرها، فإذا كان يجب محاسبة هذه الطبقة على ما وصلنا اليه فلذلك محاكم وقضاء مختص وليشمل الجميع دون استثناء. لكن لا تبدو شيطنة السنيورة مرتبطة بنزاهته أو بعدمها حقاً. الأرجح ان لها علاقة بصلابته وبكونه رجل دولة يهمه الحفاظ على سيادتها. 

لقد استطاع في حرب 2006 إدارة دفة المفاوضات مع مجلس الأمن والأمم المتحدة لمواجهة حرب العدو الاسرائيلي على لبنان. فوقف بحزم لإنقاذ لبنان ومساندة حزب الله لوقف الحرب بشروط وُصفت على إثرها الحكومة ورئيسها من قبل حلف الممانعة “بحكومة المقاومة”. لكن ما ان انتهت الحرب وصدر القرار 1701 والذي رفض وضعه تحت البند السابع، حتى تنكروا للقرار، وانقلبوا عليه واتهموه بالخيانة. 

يتميز السنيورة أيضاً بوقوفه في وجه مخططاتهم في مناسبات عدة. ليس أقلها صموده في السرايا الحكومية لمدة عام ونصف تقريباً عندما حاصروا القصر الحكومي، ونفذوا السيت- إن في2007. وكان سبقها مواجهة حكومته جماعة فتح الاسلام في مخيم نهر البارد ما عطّل استيلاء الارهاب الاسلاموي على طرابلس وتحويلها الى “إمارة في الشمال”. في حين وضع نصرالله خطاً أحمر ضد مهاجمتهم. فأهمله السنيورة وأمر الجيش اللبناني بالمواجهة وقضي عليهم ليستكملوا مهامهم في سوريا.  

حول القضايا الاقتصادية والمالية المثيرة للجدل، نجد في كتابه، “الدين العام” للدولة اللبنانية، عرض لجداول احصاءات وأرقام حول تطور سعر صرف الليرة ومعدلات الفوائد والعجز السنوي في حساب الخزينة العامة وتطور حجم الدين العام وتطور نسب النمو الاقتصادي للناتج المحلي اللبناني وتطور ميزان المدفوعات ومجموع احتياط مصرف لبنان وتطور مجموع الاحتياط القائم والصافي لمصرف لبنان بالعملات الصعبة.. 

طبعاً لست ضليعة في الاقتصاد وارقامه، كما أنني لست في معرض الدفاع عن السياسات الاقتصادية والمالية لفترة حكم رفيق الحريري. لقد كنت عضواً في حركة التجدد الديموقراطي التي كانت تنتقد سياسات الحريري الاقتصادية. لكن عند مقارنة الارقام والمؤشرات نلاحظ ما يلي: 

بلغ الدين العام المتراكم في نهاية العام 1992 حوالي 3 مليارات دولار، واصبح في نهاية العام 2004، حين قدم الرئيس الحريري استقالته قبيل اغتياله، 35,3 مليار دولار. طبعا لا يمكن انكار أنه مقابل المبالغ المتراكمة من الدين العام تمت إعادة إعمار بيروت وتحديث البنية التحتية وبناء شبكة طرق ومطار بيروت الدولي وبناء معامل كهرباء وشبكة اتصالات وغيرها من انجازات تحت أعين الاحتلال السوري وضرورة شراء موافقته كما هو معلوم. لكنه سمح للبنان باستعادة دوره وحياة طبيعية نسبياً، وسمح بتدفق رؤوس الأموال وتوظيفها وبالنمو الاقتصادي. 

الموجودون في الحكم حالياً، يرجعون انهيار الدولة الى سياسات الحريري التي نفذها السنيورة. لكن ما الذي حصل منذ  استلامهم السلطة حتى الآن؟  هل قاموا بإصلاح السياسات المالية والاقتصادية التي انتقدوا رفيق الحريري عليها ؟ هل صححوا أخطاءه المميتة؟ هل حافظوا على الأقل على منجزاته؟ هل أصلحوا السياسات العامة كي تصبح أكثر شفافية وفعالية؟ هل ازدادت نسبة النمو ونقص الدين العام؟ 

عندما نتابع حركة الدين العام ونسب النمو، نجد أنه واصل ارتفاعه فبلغ نهاية العام 2006، عام الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلى 39,6 مليار. وبلغ نهاية العام 2011 حدود 52,6 مليار دولار. وذلك بعد دخولهم السلطة من بابها العريض بواسطة ثلث الدوحة المعطّل، لدرجة إسقاط حكومة الحريري ليشكلوا حكومة ميقاتي. النمو الاقتصادي في فترة الحريري والسنيورة بلغ أحياناً حدود 10% في فترتين. لكنه بدأ بالانحدار بعد هيمنتهم منذ 2011 حتى وصل في نهاية العام 2020 الى -7%. 

يتبين إذن ان مشاركتهم في السلطة لم تؤد الى اي تحسن في الأداء الحكومي والاقتصادي بل العكس، كلما ازدادت هيمنتهم كلما ازداد تفاقم الوضع الاقتصادي والسياسي. فلقد ارتفع الدين العام بين 2011 و2015 الى 70,3 مليار. اما بعد سنتين فقط من استلام الرئيس عون السلطة  اي في نهاية العام 2019 فكان الدين العام قد بلغ 91,6 مليار دولار. احتياط مصرف لبنان عام 2004 بلغ 9,5 مليار ولكنه وصل في نهاية العام 2020 الى  -64,7 %. 

فعلام إذن شيطنة سياسات الرئيس الحريري والسنيورة أحد مهندسيها؟؟  

أحد أسباب الانهيار، طريقتهم في الحكم، التي تبين أنها سلسلة من التعطيل على جميع مستويات السلطة. فعندما نقارن متوسط المدة التي كان يقتضيها تأليف الحكومة من العام 1989 حتى العام 2003 لوجدناها 11 يوماً. بينما هي 181 يوماً بعد العام 2008 تاريخ اتفاق الدوحة. أما مدة التعطيل التراكمية فتبلغ 1449 يوماً. أي ما يقارب 13 سنة من التحكم بواسطة التعطيل!!! 

أيضاً تم تعطيل انتخاب رئيس جمهورية، فتأخر انتخاب ميشال سليمان 183 يوماً. أما انتخاب ميشال عون فتأخر 890 يوماً بسبب تعطيل حزب الله الانتخابات، إلى حين إخضاع جميع الافرقاء لسلطانه. أيضاً تعطّل المجلس النيابي برئاسة برّي الأبدية، بعد حرب تموز وحتى 2008 مدة 541 يوماً. ونفس المجلس مدد لنفسه 1780 يوماً. 

سيداتي وسادتي، الحكومة مؤسسة تدعى السلطة الاجرائية، يعني إجراء الاعمال وتسييرها وتسيير مصالح الدولة ومواطنيها، وليس لتعطيلها لأي سبب كان. 

حالياً، اذا حصلت الانتخابات، المطلوب الانحياز الى رجال دولة من اللبنانيين السياديين. إنها الخطوة المرحلية الوحيدة الصالحة لاستعادة لبنان حريته وسيادته. أما بعد التحرير فلتأخذ العدالة مجراها وليطبق القانون على الجميع.  

لا يمكن محاربة الفساد تحت الاحتلال، لأن الفساد إحدى أدوات الاحتلالات للهيمنة. 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها