الياس الزغبي

الثلاثاء ٤ تموز ٢٠٢٣ - 09:57

المصدر: صوت لبنان

الطرف الثالث أو “الطابور الخامس”

 

ليس صدفة أن تتزامن حادثتان بخلفية مذهبية وطائفية، في منطقتين محسوبتَين على القوى السياسية المعارضة والسيادية:
الأولى جريمة القرنة السوداء بين منطقتين مارونية وسنّية،
والثانية في إشكال كاد يتطور في بلدة البيرة قضاء راشيا بين طرفين سنّي ودرزي.
قيل كلام كثير في جريمة القرنة السوداء بخلفيتها المائية والعقارية، وأُعطيت بعداً سياسياً يبلغ حد الاستحقاق الرئاسي ومصلحة قيادة الجيش!
وقيل كلام آخر في حادثة البيرة – راشيا بلغ حد الاحتقان المذهبي الموروث.
لكنّ هناك حقيقة تفوق التحليلات والاستخدامات السياسية، وتكمن في معرفة المستفيد من تحريك هذه الفتن المتنقلة، والقادر على الاصطياد في المياه العكرة للخلافات والاشكالات ذات الطابع العقاري أو المائي وحتى المذهبي.
ولا يغيب عن هذه الحقيقة وجود طرف ثالث متربّص جغرافياً وديمغرافياً، من سلسلة جبال لبنان الغربية إلى البقاع الغربي، و”ساهر” على بؤر التوتر، ومستثمر في الخلافات الأهلية كي يرتاح إلى لعبته في الهيمنة على الدولة أو ما تبقّى من قرارها.
وقد كانت عبارة سماحة المفتي دريان موفقة، حين وصف جريمة القرنة السوداء بأنها عمل “طابور خامس”، ومعروف مَن هي الطوابير الخامسة منذ سنة ٢٠٠٥ إلى اليوم، وقبلها منذ احتلال النظام السوري للبنان سنة ١٩٧٦، وخصوصاً ما بعد سنة ١٩٩٠.
على هذه الحقيقة السوداء يجب أن ينهض كل تحقيق، فلا يتم السكوت عن ضلوع “طابور” هنا، و”سرايا” هناك، و”توحيد ساحات” و”أيام مجيدة” هنالك.
وكل كلام عن مصلحة سياسية محلية، أو أحقاد أهلية قديمة، أو خلفيات تقسيمية وانفصالية، ليس سوى غبار يضخه “الطرف الثالث” لإخفاء الحقائق وتغطية المرجعية الفعلية التي ترتكب القلاقل والتوترات.
والسجل “الذهبي” لهذا الطرف حافل بالنماذج الصارخة من شويا الحنوبية، إلى خلدة الجبلية، إلى الطيونة البيروتيه، وقبلها الاغتيالات والانقلابات والاعتصامات والغزوات ووضع اليد على الأملاك والعقارات وضرب الانتفاضات والثورات.
ولكنّ حصيلة بيادر هذا الطرف لا تتطابق حكماً مع حساب حقوله، فهو يصطدم بوعي وطني عابر للطوائف التي يستثيرها، وبصلابة ممانعة سياسية وشعبية صدّت مخططاته حتى الآن. ولم يعُد سراً أنه يتخبط في انتكاساته السياسية، خصوصاً الرئاسية منها، ويهرب إلى الأمام في الانتقام من المناطق والحالات الشعبية التي تتصدى له، عبر التوظيف في خلافاتها الأهلية التقليدية.
صحيح أن المجتمعات الأهلية المتقاطعة على رفضه تدفع ثمن شروره من دماء أبنائها واستقرار مجتمعاتها، لكنها أثمان الحلول المستدامة ومخاض الولادة الجديدة للحياة المستقرة.
ولا بد من أن تكون الحياة الجديدة صيغة متطورة للعلاقات البينية بين المكونات، قائمة على التفاهم، والتفاعل الحضاري، والتجاور الحر والخلاق، تستثني عملياً طرف التخريب، إلّا في حال يقظته المتأخرة على خطورة ما ارتكبته يداه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها