play icon pause icon

منى فياض

الأثنين ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٣ - 14:29

المصدر: صوت لبنان

 العنف الفلسطيني دفاع عن النفس وليس إرهابا 

انقلبت الحياة في إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى. ما حصل في الأراضي المحتلة يثير الخوف والذعر لدى الإسرائيليين، بحيث يمكننا القول أن دولة بكاملها فقدت صوابها. لا شك انه كان على حماس أن تتجنب سقوط الضحايا المدنيين؛ لكن ان تنزل صفة الإرهاب والداعشية على كل عمل مقاوم، يعدّ تقصيراً في الفهم وتحيزاً اعمى. الإرهابي لديه أهداف محددة طابعها سياسي تستهدف زعيما سياسياً أو نظاماً او مؤسسة أو مركزا مهما، أو انها مجرد عنف مجرم مجاني كالقتل الجماعي للتأثير على البيئة المستهدفة وإضعافها وإرهابها.
لكن العنف الفلسطيني تحرّكه مصالح وأهداف قومية وحقوق وطنية. انها حركة تحرير وطني وإنهاء لاحتلال غير مسبوق في العالم. عندما يسترجع الفلسطيني وطنه وحقوقه يفقد الدافع لممارسة العنف.
الفلسطيني يمارس العنف لأن أرضه مسلوبة كما ابسط حقوقه ككائن بشري، يختبر الإهانة اليومية المستمرة لشعبه ولأبويه وأقرباءه وجيرانه ورفاقه على أيدي الإسرائيليين في كل حين، وهناك احتمال كبير انه فقد أحد أقربائه. إنها حياته التي يعيشها والتي يعرف بأنها ليست حياة.
فالعنف الفلسطيني عنـف ارتدادي بمعنى الدفاع عن النفس ضد عنف أصلي. انه تحت سلطة دولة محتلة تنكّل به منذ 75 عاماً وتضرب عرض الحائط بكل الشرعيات والقوانين الدولية والإنسانية.
الفلسطيني يعيش من دون مستقبل. انه يقف وظهر الى حائط مسدود وأمامه العدو الذي يمارس عنفاً بلغ مستوىً يفوق الاحتمال. الفلسطيني ليس امامه سوى القبول بوضع يائس او ممارسة العنف. انها وضعية: يا قاتل يا مقتول.
حتى الطفل الفلسطيني لن يستسلم. والدليل ما يقوله الطفل الغزاوي عندما يُسأل عماذا يريد ان يكون عندما يكبر، أجاب طفل: نحنا ما منكبر، نحنا منموت”، والآخر أراد ان يكون طبيبا، مضيفا : “بس خايف ما إكبرش”. لم يقل خايف اموت.
أشارت تقارير سابقة على ما بلغه العنف الإسرائيلي مع حكومة نتنياهو الفاشية الأخيرة، إلى ان الأحاسيس السائدة عند الفلسطينيين المستجوبين كانت الشعور بالإهانة، ليس فقط بسبب الانتصارات الإسرائيلية في الحروب، ولكن بالأساس بسبب الإهانات والمضايقات الصغيرة اليومية، التي لا يشعر بها اليهود الإسرائيليين عموماً.
يجد الفلسطيني نفسه في وضع مزر لا يطاق. الفقر والبطالة يمزقان العائلات. حرية حركة محدودة. جهاز تعليم ينهار. معرّض للقتل او الاعتقال بشكل دائم. تطغى أحاسيس الإهانة الوطنية والشخصية. وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية الفلسطينية مليئة بأفعال المتعصبين والمستوطنين الشنيعة.
ويشاهدون ما يحصل في المسجد الأقصى بعجز. مستقبل الشباب غير آمن ودون اي فرص مُرضية. الغضب والإحباط المتراكمان لدى الجيل الجديد لم يترافق معها أي تغيير على الأرض إضافة إلى اليأس من أداء السلطة الفلسطينية.
فتزداد الكراهية العميقة وأعمال العنف المرتدة على الصهاينة. إن من يعتبر هذه الظاهرة إرهابا يكون جاهلا بأبسط البديهيات السيكولوجية، لأنه لا يقيم أي اعتبار لوجود الإنسان الرمزي. فالإنسان لا يعيش فقط على الحاجات المادية؛ حاجاته المعنوية لا تقل أهمية. والإنسان، بحاجة لكي ينمو ان يتوفر له أيضا الحيّز الحيوي الضروري الذي يتعلق بحد أدنى من المساحة وحرية الحركة والشعور بالأمن. وعندما لا تتوفر هذه المقومات يمر بما يطلق عليه “أزمة مواصلة العيش”. ويصبح مستعدا للموت.
الكرامة أساسية للإنسان، والشباب الفلسطيني كي يعيش يحتاج إلى استعادة كرامته المهدورة.
عنف الفلسطيني مختلف عن عنف داعش المرضي والممارس لأهداف هدامة. استخدامهم للعنف هو للدفاع عن النفس وعن الحرية وعن الكرامة وهدفه البقاء وليس الهدم. وطالما بقي الاحتلال لن يجد سبيلا للتوقف.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها