خضر حسان

الخميس ٢٢ حزيران ٢٠٢٣ - 19:29

المصدر: المدن

اللبنانيون لا يملكون غذاءً كافياً: المياه “سلاحٌ” مُهمَل

بعد نحو 3 سنوات من انكشاف الأزمة بوضوح، وتسارع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، لا تزال السلطة السياسية تتصرّف وكأنها تمتلك الوقت لمعالجة الخلل بمجرّد اتخاذ بعض الإجراءات المبتورة المسمّاة إصلاحاً، فيما الأرقام تشير إلى عكس ذلك تماماً.
تُسجِّل الأرقام المتعلّقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر اللبنانية، مؤشّرات خطرة لا تلتفت لها السلطة السياسية، التي تصرّ على عدم مقاربة الأزمة المستمرة منذ العام 2019، بالصورة العلمية الصحيحة. فما تقدّمه الدراسات الدولية التي تصدرها الأمم المتحدة والبنك الدولي، يؤكّد أن ما ينزلق إليه لبنان، لا يمكن معالجته بسهولة، حتى بعد التوصُّل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وهو أقصى ما تطمح له السلطة.

تهديد الأمن الغذائي للأسر
ليس تفصيلاً بسيطاً أن تتّخذ نحو 9 من كلّ 10 أسر إجراءات قاسية للتعامل مع الأزمة الراهنة، بفعل عدم امتلاكها ما يكفي من المال لشراء الأساسيات، وهو ما تؤكّده دراسة لمنظّمة الأمم المتحدة (اليونيسف). وتعني هذه الأرقام أن أغلب الأسر غيَّرَت طريقة استهلاكها وخفَّضَت نوع وجودة المنتجات التي تستهلكها، لصالح المفاضلة في السعر، إذ تختار تلك الأسر المنتجات ذات السعر الأرخص، فتوفِّر المال على حساب الجودة. ولأن “ثلاثة أرباع الأسر خفّضَت الإنفاق على العلاج”، فإن الأمن الغذائي يزداد تهديداً.

والحقيقة أن هذا التهديد ليس مستجدّاً، بل إن العودة إلى نحو 3 سنوات قبل تسارع الأزمة، وتحديداً إلى أيار 2016، تكشف أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، حذّرت من تهديد الأمن الغذائي لنحو 49 بالمئة من اللبنانيين. إذ أكّدت في تقرير أن هؤلاء “قلقون بشأن قدرتهم على الحصول على ما يكفي من الغذاء”. وتتعقَّد المسألة أكثر مع تأكيد “نحو 31 بالمئة منهم، أنهم غير قادرين على تناول طعام صحّي على مدار العام”.
وبعد 3 سنوات على الأزمة، وتحديداً في شباط العام 2023، أشارت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، إلى أن “87 بالمئة من اللبنانيين لجأوا إلى نمط غذائي غير صحّي”.
وتُصبِح التداعيات أكثر خطورة حين تُهدِّد الأجيال القادمة. فانعدام الأمن الغذائي يساهم في رفع معدّلات البدانة والتقزُّم لدى الأطفال، نتيجة تغيير عاداتهم الغذائية الصحية وعدم حصولهم على الفيتامينات والمعادن الضرورية للنمو السليم.

ضعف الزراعة وتلوّث المياه
يُنظّر إلى المياه على أنها الضامن الأبرز للأمن الغذائي، فهي بموازاة تغطيتها الحاجة للشرب، تقوم بتغذية القطاع الزراعي لتأمين الطعام. كما أن الأمن الغذائي يرتبط أيضاً بالمواد الغذائية المصنَّعة من منتجات القطاع الزراعي. إلاّ أن بلداً كلبنان يستورد 80 بالمئة من حاجته إلى المواد الغذائية، هو أكثر عرضة لخرق الأمن الغذائي، خصوصاً أثناء وقوعه في الأزمات الاقتصادية. فلبنان لا يزرع بشكل كافٍ، ولا يملك المال للاستيراد. ومع ذلك، لم تعطِ الجهات الرسمية أهمية للقطاع الزراعي، فيما الاهتمام بالمياه جاء بطريقة ملتوية تحقق المصالح الفئوية وليس المصلحة العامة، فكانت السدود هي معجزة وزارة الطاقة. ومع انها أثبتت فشلها بسبب طبيعة الأرض في لبنان، تتمسّك الوزارة بالسدود كخيار استراتيجي للحفاظ على المياه واستغلالها بما يضمن الأمن الغذائي.

اللافت للنظر، أن البنك الدولي يقع في تناقضات واضحة في هذا المجال. فهو يدعم خطة الوزارة لإقامة السدود، بل ويُموِّل بعضها عن طريق القروض، ويُشدد على أهميّتها، وفي المقابل، يدعو إلى استغلال المياه الجوفية لأنها “تحمي الأمن الغذائي وتحدّ من الفقر وتعزّز النمو الاقتصادي”. وقد يصحّ القول بأن استغلال المياه الجوفية مطلوب وكذلك المياه السطحية، لكن تسقط هذه الذريعة في ظل وجود تقارير علمية تؤكّد فشل السدود، وضرورة التركيز على المياه الجوفية.
رغم ذلك، يبقى لبنان أمام معضلة صعبة، وهي تلوُّث المياه، ما يعني أن المياه الموجودة لا تستطيع سدّ فجوة نقص الغذاء، من خلال ريّ كميات إضافية من الزراعات.

وفي ظل تلوّث المياه السطحية والجوفية، وازدياد حدّة خطر انعدام الأمن الغذائي، يذهب رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برّو، إلى التحذير من أننا “أمام خيارات ضئيلة جداً للخروج من هذا المأزق، وخصوصاً في ظل غياب المعطيات المساعدة على الخروج، بفعل عدم اكتراث الطبقة السياسية لهذا الملف”. ويشير في حديث لـ”المدن”، إلى وجود “فوضى شاملة في البلد، تساعد على زيادة المخاطر ومنها خطر انعدام الأمن الغذائي والقضاء على المياه الجوفية عبر تلويثها بشكل أكبر”.
وفداحة حجم التلوّث، يُبيِّنها ما يحصل على مجرى نهر الليطاني، أطول الأنهار اللبنانية. فالتلوّث يصيب 47 مليون متر مكعب من المياه سنوياً نتيجة تدفّق مياه الصرف الصحي بشكل غزير. فضلاً عن تأثير العمران العشوائي الذي يقضم مساحات زراعية ربّما يكون قد دُفِعَت ملايين الدولارات لريّها واستثمارها زراعياً.
ومع تراجع تأثير المياه اللبنانية كعامل ضمان للأمن الغذائي، تبقى الأنظار شاخصة نحو المواد الغذائية المستوردة، لكنّها بدورها لا تسلم من التزوير والغش والتخزين بصورة غير مطابقة لمعايير السلامة العامة.

المياه الجوفية خيار غير مرغوب به
على المقلب الآخر، يشدّد الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، في حديث لـ”المدن”، على أن كل ما يقال عن عدم قدرة المياه الجوفية على حل الأزمة، ليس سوى وهم. ويستند بذلك إلى كلام البروفيسور وجدي نجم الذي كان عميداً لكلية الهندسة في الجامعة اليسوعية، والذي أكّد أن “المتساقطات في لبنان ثابتة لم تنقص خلال الستين سنة الماضية”. ووفق زعاطيطي، فإن “أبحاث نجم تركزت على كيول وقياس المتساقطات (مطر وثلوج) لمحطات مطار بيروت، زحلة، وطرابلس. ومن هنا، يرفض زعاطيطي ما يقوله البنك الدولي “الذي يروِّج للسدود في المنطقة”، ويطالب باستغلال المياه الجوفية بصورة صحيحة.

إعادة الاعتبار لقدرة المياه الجوفية على ضمان الأمن الغذائي، لا يلغي العقبة الأخرى وهي الحاجة لتأمين الطاقة للري. وانقطاع الكهرباء يعني أننا عدنا للمربَّع الاوّل، وهو غياب التخطيط والدولارات الكافية للاستيراد الفيول وتشغيل معامل الكهرباء لضخ المياه للمنازل والأراضي الزراعية.
لا يبدو أن الدولة مهتمة بالمياه الجوفية، ولا بتنويع مصادر الطاقة لاستخراج المياه وتحسين مستوى الزراعة للمساهمة في تقليص مخاطر انعدام توفُّر الغذاء. وليست مهتمة كذلك في توفير الدولارات الكافية للاستيراد وتنظيم تلك العملية. لذلك، تبقى الأسر اللبنانية مهدَّدة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها