play icon pause icon

منى فياض

الأثنين ٩ حزيران ٢٠٢٥ - 08:26

المصدر: صوت لبنان

اللبنانيون يقدرون رجال الدولة الحقيقيون

أقيم في جامعة الكسليك، منذ اسابيع قليلة، حفل تكريم لإدمون رزق، بمناسبة إهدائه لأرشيفه الغني الى الجامعة؛ انه كرجل دولة أكثر ما نحتاج لأمثاله في الوقت الراهن.
الملفت في هذا التكريم كان مظهر الحفاوة والتقدير اللذان استُقبِل بهما رجل الدولة التسعيني، في قاعة امتلأت بأكثر من ألف شخصية. ما جعلني أؤمن أن اللبنانيين يقدرون حقاً، رجالات الدولة الذين يتمتعون بالوطنية والمسؤولية والصدق. ولو كان جميع السياسيين من قماشة إدمون رزق ربما لما وصلنا الى ما وصلنا اليه.
إدمون رزق، رجل رؤيوي وإصلاحي ومدافع عن لبنان الحرية والسيادة والعدالة والمساواة، قبل الآخرين المتكاثرين في الآونة الأخيرة.
سعى دومًا لتحقيق العدالة الاجتماعية في لبنان. وكان معروفًا برؤيويته ونزاهته وقدرته على التعامل مع القضايا المعقدة بعقلانية وهدوء.
في مقابلات حصلت عام 2022، اعتبر أن اتفاق الطائف لم يُنفذ، ودعا إلى تغيير شامل في السلطة عبر الانتخابات، مشدداً على استبدال الطاقم الحاكم بالكامل. وهو أمر نتمنى ان يحققه العهد الجديد بمؤازرة من القوى التغييرية الحقيقية.
الافكار التي سأعرضها عنه، اصبحت الآن من الأكثر تداولاً في لبنان، خصوصا بعد الحرب الأخيرة والثورة التي سبقتها. لكنه كان بين قلة سباقة اعتنقها ودافع عنها باكراً؛ ولو تبناها بعض من المسؤولين في حينه لما وصلنا الى هنا.
لقد عالج إدمون رزق، في خطبه ومقالاته أهم الاحداث والأزمات التي عرفها لبنان ما بين 1962 و1994، واهتم بأبرز القضايا التي أدت الى حروب متقطعة ومآزق، داخل كل طائفة وبين الطوائف، مقترحاً الحلول.
من تلك المواضيع: الحرية والديموقراطية والوحدة الوطنية والتعايش المشترك والدستور وحقوق المواطن وقيام الدولة.
لخص فيها المآزق الوطنية في تعريف هوية لبنان وكيانه. والوطن، بالنسبة له، يقوم على اسس ومبادئ يتوحد حولها الشعب. لكن حين تتفاوت الآراء حول هذه المبادئ تحدث النزاعات والانقسامات وخصوصاً الطائفية منها. ويصبح كيان الوطن مهدداً.
اعتبر الحرية، عن حق، علة وجود لبنان. وتكمن في البناء والعمل الايجابي؛ ولا تعني الفوضى. وشروطها: القانون والحقيقة والاخلاق.
ويتطلب الحفاظ على الكيان عدم شعور المواطن بالغبن؛ وما يزيل الغبن هي العدالة الاجتماعية الضرورية لتأمين الوحدة الوطنية.
أما ثوابت الوحدة الوطنة وشروطها: الايمان بلبنان واحد سيد وحر ومستقل، ويرفض التبعية والوصاية، ويقاوم مشاريع الضم والسلخ والهيمنة والتسلط، مع الحفاظ على التراث الفكري..
ويعتبر الوحدة الوطنية المعاشة زائفة، لأنها وحدة سطحية، قائمة على المجاملات بين رجال الدين، والمشاركة بالاعياد وطرح شعارات متداولة.. جميعها تغطي على توزيع وظائف وتسويات وتقاسم مغانم ومحاصصات … يسمي كل ذلك تخلف ورجعية….
الديموقراطية تقوم على النظام االبرلماني لأنها حكم الشعب. والأولوية بالنسبة له هي لتعديل قانون الانتخاب. كان هذا مطلبه مبكراً، فكيف إذن في الوقت الراهن؟
والنقطة المهمة التي وعاها، وهي غائبة عن أذهان سلاطين الطوائف، ان العمل الديموقراطي يقتضي وجود معارضة. لا وجود للمعارضة في لبنان، لانها صورة عن الحكم، وهي تحتاج الى تغيير اكثر مما يحتاجه الحكم.
يجب وجود معارضة تكون مؤهلة لأن تصبح بديلاً عن الحكومة، لا نسخة عنها. وجود معارضة حقيقية هو ما يفتقده لبنان، في السابق وفي الوقت الحالي.
لماذا لا توجد معارضة؟ لأنها تعريفا: تتجمع حول مبادئ وبرامج وأهداف، ولا تكون مجرد تكتل ظرفي بين أشخاص وتيارات واحزاب، من فلول من لم يكن لهم مكان في اللوائح الانتخابية وحرموا النمر الزرقاء او ضاعوا في زحمة المستوزرين….
هو في نظر الكثيرين مثالٌ للمسؤول الذي يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ويعمل لتحقيق المصالحة الوطنية وتنمية المجتمع اللبناني. كانت مواقفه السياسية، خاصة في ما يتعلق بتحقيق الاستقرار في لبنان، تتسم بالحكمة، وكان يحرص على بناء علاقات مع القوى السياسية المختلفة، بغض النظر عن الانتماءات الطائفية أو السياسية.
طالما كان حضوره قويا في الأوساط السياسية والإعلامية، إلا أن إنسانيته، التي تعكس روح لبنان الحقيقية، كانت هي ما يجعل الناس يذكرونه بكل تقدير واحترام.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها