غرازييلا خوري

الخميس ٦ تشرين الأول ٢٠٢٢ - 16:19

المصدر: صوت لبنان

المرأة اللبنانية في برلمان الأزمات: ضائقة كوتا وماديات

أعطيت المرأة اللبنانية حق الاقتراع والترشح بعد حركات نسائية ناشطة عام 1953 ولم يكن قد مضى على الاستقلال اكثر من عقد واحد، ولكن امرأة واحدة نجحت في دخول المجلس النيابي حتى انتهاء الحرب اللبنانية عام 1992، وهي ميرنا البستاني، التي خلفت والدها النائب إميل البستاني، بعد وفاته عام 1963، واستمرت في النيابة عاماً واحداً فقط. 

صحيح ان لبنان لا يفرض قيودًا قانونية على مشاركة النساء في الحياة السياسية، لكنه لم يشرّع قوانين “إيجابية” تحثّ على تمكين النساء سياسيًا وتمثيليًا، خلافًا لعددٍ من دول المنطقة العربية والمؤسف ان لبنان يحتل المرتبة 18 بين الدول العربية لناحية عدد النساء في المجالس النيابية، بحسب أرقام الاتحاد البرلماني الدولي.

اما الأزمة الاقتصادية ، لا بل الأزمات المتتالية التي ابتلي فيها لبنان، فقد وضعت عوائق اضافية على انخراط المرأة اللبنانية من الطبقة الوسطىاو تلك التي لا تملك تركة سياسية او مالية كبيرة، فأصبحت المشاركة  في اي انتخابات حكر على الأغنياء او القادرات على الحصول على الدعم المادي من المنظمات أو الأحزاب . خلاصة الكلام ان هذا الواقع لا يشكل بأي شكل من الأشكال مقدمة لرؤية اعداد النساء تتضاعف في البرلمان اللبناني لا في الدورة المقبلة ولا حتى التي بعدها ما لم نر تغييراً جذرياً في التشريعات والذهنية الذكورية التي تسيطر على اللبنانيين من مختلف الطوائف اضافة الى والوضع الاقتصادي عامة وهذا في المدى المنظور غير متوقع.  

استمرار الخلل الكبير في تمثيل النساء في البرلمان : 14 سيدة في 80 عاماً

إذا أخذنا مجالس البرلمان ما بعد الحرب اللبنانية، تظهر استطلاعات للشركة الدولية للمعلومات الآتي: في العام 1992، دخلت 3 نساء البرلمان من أصل 6 مرشحات فقط. وفي العام 1996، فازت 3 نساء من أصل 10 مرشحات، وكذلك في العام 2000 من أصل 15 مرشحة. أي بقي عدد الفائزات نفسه في هذه الدورات المتعاقبة.

 في انتخابات العام 2005، فازت 6 نساء من 16 مرشحة، وفي 2009 تراجع العدد إلى 4 فائزات من أصل 13 مرشحة وفي العام 2018 وصلت 6 نساء الى الندوة البرلمانية من اصل 128 نائباً أي ما يعادل 4.6 في المئة من نسبة التمثيل، ما يشير بوضوح إلى حجم التهميش الذي يطال المرأة في الحياة السياسية اللبنانية حيث لم يصل إلى المجلس النيابي إلا 14 سيدة على مدى نحو 80 عاماً. 

الانتخابات الأخيرة : الوضع على حاله

وصل عدد النساء المرشحات لانتخابات 2022 إلى 157 امرأة انخرطت 118 منهن في 64 لائحة انتخابية وانتهت الانتخابات النيابية في ايار الماضي بوصول 8 نساء فقط الى البرلمان في تقدم ضئيل عن الجولة السابقة التي لم توصل سوى 6 نساء .

خمس سيدات دخلن المجلس النيابي للمرة الأولى، 3 منهنّ ترشحن على لوائح التغيير، الدكتورة غادة أيوب وصلت مدعومة من حزب القوات اللبنانية وندى البستاني من “التيار الوطني الحر”، وجددت 3 حزبيات نيابتهن وهن ستريدا طوق جعجع عن القوات اللبنانية ، والدكتورة عناية عز الدين من حركة “أمل”، وبولا يعقوبيان من “المجتمع المدني”.

الأوضاع الاقتصادية عائق اول

المديرة التنفيذية لمنظمة كلنا ارادة والتي عملت على دعم دور التغييريين ولم تبخل على النساء بالمساعدة  تكشف لموقعنا ان كل السيدات الرغبات في الانخراط في الترشيح فكرن عشر مرات قبل خوض التجربة وقررت الكثيرات منهن الانسحاب بسبب الأوضاع الاقتصادية .

وتسجل منعم  7 حالات على الأقل من نساء امتنعن عن الترشح بسبب الظروف المادية والأمر ليس تفصيلاً

فأعباء الحملة لانتخابية  جعلت من غير الممكن على الأفراد الترشح على نفقتهم .

وتعطي مثلاً عن احدى المرشحات في بيروت الأولى التي كانت تملك حظوظاً كبيرة في الانضمام الى احدى اللوائح للقوى التغييرية  لكنها قررت عدم خوض المعركة لأسباب اقتصادية وكذلك في المتن وكسروان ايضاً.

ترى منعم ان للأحزاب دوراً كبيراً في دفع المرأة الى الحياة السياسية اولاً والى الندوة البرلمانية تالياً عبر التزام ترشيحهن وتأمين الاستمرارية المادية للمرشحات ليقمن بعملهن فراتب النائب الذي لا يتخطى ال11  مليون ليرة لبنانية بات لا يكفيه تكاليف تنقلاته فكيف اذا كان مضطراً الى تقديم المساعدة الى المناصرين تعويضاً عن غياب الدولة  وهذا ما يدفع النائب للبحث عن مصادر تمويل اخرى تجعله مقيد الارادة

وعلى الرغم من كل ما تقدم تعتبر منعم ان شيئاً ما ايجابياً ترسخ في الانتخابات الأخيرة وهو التسليم بمشاركة المرأة في الحياة السياسية نظراً لعدد النائبات اللواتي انتخبن ولسن مرتبطات بأي عائلة سياسية بل بكفاءتهن وهو امر يحصل للمرة الأولى وهن يعملن في الشأن العام منذ سنوات ومتمرسات في مجالهن كحليمة قعقور الناشطة في مجال حقوق الانسان والمرأة  ونجاة صليبا الناشطة في مجال البيئة لسنوات

اضافة الى ان الكثير من المنظمات باتت تركز على موضوع تمكين المرأة خاصة في السياسة كمنظمة فيفتي فيفتي التي وضعت جهداً كبيراً في هذا الإطار.

العلة في القوانين وتفاوت الدعم الجندري  

أظهرت دراسات اجرتها بعض الجمعيات وجود عدة عوامل منعت النساء من الترشح اولاً،  وعلى رأسها الضغوط السياسية والاجتماعيّة،  والفوز ثانياً، وفي مقدمها التفاوت في الدعم السياسي والقانون الانتخابي اضافة الى نقص القدرات الاقتصادية اما الكوتا الضائعة فتأتي على رأس القئمة وسنفرد لها مجالاً واسعاً .

وتشير معظم التقارير ان قانون الانتخاب لعب دورا كبيراً في اقصاء النساء عن الفوز لاسيما مع اعتماد الصوت التفضيلي الذي اعطى الانتخابات طابع المنافسة الشخصية ما أدى الى فوز الرجال مع تجيير الأصوات التفضيلية لهم في معظم الأحيان وللأسباب المعروفة .

ومن المنظور الجندري، لم تحظ المرشّحات بمساحة اعلامية عادلة توازي مساحة المرشحين الرجال، وتظهر الدراسات ان غالبية المرشحات افتقرن الى الدعم المادي الكافي وكن عاجزات عن تلبية التكاليف الباهظة التي فرضتها وسائل الاعلام التقليدية خلال فترة الحملات الانتخابية.

 خروقات فادحة وضغوط وعنف

أطلقت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية االنتخابات “لادي”تقرير مراقبة الانتخابات النيابية للعام 2022 من منظور جندري في السبوع الأخير من شهر ايلول الماضي .

واشار التقرير الى وجود خلل كبير على صعيد التمثيل السياسي للمرأة في لبنان، يتجلى بوضوح من خالل ضعف التمثيل النسائي الحالي واضاف التقرير:” تميزت انتخابات 2022 بخروقات فادحة وضغوط على كافة المستويات )عائليًا واجتماعيًا وسياسيًا(، في حين ال تزال المرشحات معرضات للعنف القائم على النوع االجتماعي، من دون اتخاذ أي إجراءات لحمايتهن.

وخرج التقرير بعدد من التوصيلت منها على سبيل المثال لا الحصر :

  •  إقرار كوتا نسائية في تأليف اللوائح بنسبة 50 %كتدبير موقت وإلغاء الصوت التفضيلي
  • خفض سقف الانفاق الانتخابي وإلغاء رسم الترشح أو خفضه بشكل كبير مع إمكانية

استرداده في حاالت معينة .

  • ضمان وصول المرشحات بطريقة متساوية وعادلة أسوةً بالمرشحين إلى وسائل الاعلام
  • اعتماد آلية دعم موحدة للمرشحين والمرشحات داخل الأحزاب من دون التفريق بين الجنسين.

الكوتا الضائعة

رفضت برلمانات لبنان المتعاقبة إقرار مشروع “الكوتا” النسائية آخر محاولة فاشلة جرت في نهاية عام 2021، اذ أطاح البرلمان السابق بمشروع إدخال “الكوتا” النسائية إلى القانون الانتخابي.

 ويعود مشروع قانون “الكوتا النسائية” إلى العام 2006، حين طرحته “الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية”، وينص على تخصيص ما لا يقل عن 30% من اللوائح الانتخابية إلزاميًا للنساء، وتمثيلهن بمعدل تقريبي في البرلمان إلا أن مشروع القانون بقي رهن التجاذبات والتأجيل طوال السنوات السابقة.

وعلى الرغم من وجود انتقادات كثيرة للكوتا من قبل مناصري مشاركة المرأة في الحياة السياسية، باعتبارها إجحافاً بحق المرأة ومحاصرتها بعدد محدود من المقاعد الا ان معظم الخبراء والمعنيين في شؤون الانتخابات والدراسات الذين سألناهم رأيهم، اكدوا انه من دون قانون الزامي للكوتا النسائية فإن المرأة في لبنان ستظل رهينة انتظار تبدلات جوهرية في المجتمع والعقلية الذكورية السائدة والأمر قد

يطول !

الانتخابات البلدية : ما فيه رجال تترشح؟

لبنان موعود بانتخابات بلدية في صيف العام 2023 على الرغم تأكيد  البعض ولو في السر انها لن تجري الا انها تترك فسحة اكبر لمشاركة النساء خاصة وان القانون الذي اقر عام 2017 اي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة يتيح للمرأة المتزوجة خوض الانتخابات في بلدتها الأم وبالتالي تكون اكثر قرباً من ملعب طفولتها وصباها تعرف الأهالي ويعرفونها ، ما يسمح لها بكسب اصواتهم بسهولة اكبر . ولكن…

5%  فقط هي نسبة السيدات في البلديات، إذ انّ في لبنان فقط 636 امرأة من مجموع 12000 عضو، أمّا رئيسات البلديات فهنّ على صعيد بلدات لبنان 12 فقط.

المؤشرات تؤكد أنّ عددا كبيرا من السيدات بدأن الاستعداد لخوض الانتخابات البلديّة المقبلة رغم

العقلية الذكورية السائدة خصوصاً في المناطق الريفيّة، والتي لا تزال تعتمد مبدأ “ما عندكن رجّال بالعَيلة يترشّح؟”.

شمروا عن سواعدكن !

امام كل ما تقدم يبقى العبء الأكبر على المرأة اللبنانية في تخطي كل العقبات المالية والذكورية للوصول الى مشاركة حقيقية في الحياة السياسية على غرار ما فعلته النساء اللبنانيات في عبر التاريخ .

تروي إميلي فارس إبراهيم، المرشحة العربية الأولى للنيابة، في مقابلة خاصة أُجريت معها في نوفمبر 2002 انها،  وبعد المعارك التي خاضتها المنظمات النسائية لنيل حق الترشح :” “بعد نيل المراد، خاب ظني بسبب تردد الزعيمات في خوض الانتخابات. هذه تستحي من عدم الفوز، والثانية تقول حصلنا على حقنا وكفى.

اليوم المرأة اللبنانية قطعت شوطاً كبيراً في نضالها ولكنه يبقى منقوصاً اذا ما بقي محصوراً بالمنظمات النسائية ولم ينتقل ليصبح قضية رأي عام ينخرط فيه الرجال والنساء على حد سواء.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها