عزة الحاج حسن

السبت ٢٠ آذار ٢٠٢١ - 08:36

المصدر: المدن

“المركزي” والمصارف والصرّافون ولعبة المنصة: هكذا شفطوا الدولارات

ليست السرعة التي بلغ فيها سعر صرف الدولار مستويات قياسية مقابل الليرة اللبنانية، ولا تلك التي انخفض فيها قرابة الخمسة آلاف ليرة، في فترة قصيرة جداً، بالمشهد المألوف في أسواق الصرف، لا محلياً ولا عالمياً. حتى في الدول المتأزمة اقتصادياً، قلما تشهد أسواق الصرف لديها تسارعاً في انهيار أو انتعاش العملة كما يحصل اليوم في لبنان. فما هي العوامل التي تقف وراء تسارع تغيّر سعر صرف الدولار؟ وهل من ضابط لوتيرة سعر الصرف؟ وماذا يعني مصرف لبنان بإطلاق العمل بالمنصة الالكترونية العائدة له والسماح للمصارف بالتداول بالعملات على غرار الصرافين الشرعيين؟

التلاعب “مقصود”
عملية التلاعب المتعمّد بسعر الصرف، أمر لا يقبل الشك. فلا تبرير مالياً أو اقتصادياً لانخفاض مستوى الليرة اللبنانية من 40 إلى 50 في المئة خلال أيام، ثم ارتفاعها بنسب كبيرة خلال 24 ساعة. وحسب مصدر مالي في حديث إلى “المدن”، فالليرة والدولار يتحرّكان خارج قاعدة العرض والطلب، ولا أحد يمكنه إحداث هذه الحالة سوى أحد الأطراف الثلاثة، مصرف لبنان أو المصارف أو الصرافين، أو الثلاثة معاً. ويربط المصدر باحتمال أن يكون وراء التلاعب بسوق الصرف دافع سياسي يهدف إلى تحريك الشارع. لكن بصرف النظر عن الدوافع السياسية، يبقى الثابت الوحيد هو أن السرعة الجنونية التي يتحرك بها سعر صرف الدولار ناتجة عن تلاعب متعمّد واستغلال لأزمة شح الدولار القائمة أصلاً، والدافعة لانهيار الليرة. ويسأل المصدر هل يعمد مصرف لبنان إلى امتصاص الدولار من السوق في سبيل الى تأمين سلفة الكهرباء البالغة 200 مليون دولار؟

وعلى الرغم من التلاعب المتعمد بالسوق السوداء، تبقى هي السوق الحقيقية للدولار. فهي التي تسعّر الدولار بأسعار حقيقية، لأن أسعار الصرف المعتمدة في مصرف لبنان والمنصة الإلكترونية أو المصارف، أي الـ1507 ليرات و3900 ليرة هي أسعار غير حقيقية، وليست بمتناول الجميع. أما دولار السوق السوداء فهو المطلوب للاستيراد والتحويل وتلبية حاجات المواطنين.

سحب الدولار من السوق
عملية سحب الدولار من السوق بشكل متعمّد ليست مُستغربة، ولا هي بالأمر البريء، برأي الخبير المالي غسان شماس، الذي يجزم في حديث إلى “المدن” بوجود عمليات التلاعب بسوق الصرف، على الرغم من أن التلاعب لا يلغي وجود أزمة نقدية وشح كبير بالدولار وأزمة سياسية معقّدة. لكن وفق شمّاس يبقى التلاعب بالعملة أمراً سهلاً. إذ أن هناك أرضية خصبة للإطاحة بالعملة المحلية، ولا يحتاج الأمر إلى قدرة مالية كبيرة للتحكم بالسوق، في ظل شح الدولارات.

ويعوّل شمّاس على إقدام البنك الدولي على تقديم المساعدات المالية للعائلات الأكثر فقراً، والبالغة قيمتها 246 مليون دولار، بالدولار نقداً وليس بالليرة: “فهذا الأمر من شأنه أن يصيب هدفين. الأول مساعدة الفقراء، بعد وقف الدعم. والثاني، ضخ الدولارات على مدى أشهر، وخفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة”، يقول شمّاس، لكن فيما لو تم تقديم المساعدات لمستحقيها بالليرة بعد رفع الدعم، فذلك سيحلّق بسعر صرف الدولار بشكل هائل، نتيجة ضخ كميات كبيرة من الليرات في السوق.

حجب الدولار
تزامناً مع تصاعد سعر صرف الدولار بشكل كبير في الأيام الاخيرة، ورغم تراجعه بشكل ملحوظ في الساعات الماضية، لم يستأنف الصرافون بيع الدولارات، بل استمروا بشرائها فقط. ما جعل من الدولار منتجاً غير متوفر. وهو ما يمكن أن يُعد عاملاُ إضافياً لتسارع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، إلى جانب العوامل الإقتصادية والسياسية وحتى النفسية.

أما اليوم، وقد أعلن حاكم مصرف لبنان من بعبدا قراراً يقضي بالعمل بإطلاق المنصة الالكترونية التابعة له، وتسجيل كل العمليات فيها، إلى جانب السماح للمصارف بالتداول بالعملات الأجنبية على غرار الصرافين الشرعيين، على أن تقوم لجنة الرقابة على المصارف بتحمل مسؤولية متابعة حسن سير العمل، لتصبح المنصّة المرجع الأساسي للسعر الحقيقي للسوق.. فذلك يعني العودة إلى نقطة الصفر وإلى سياسة شراء الوقت.

والنتيجة، الاستمرار بالدوران في المكان نفسه. بمعنى أن مصرف لبنان قرّر العودة إلى التداول بالدولار عبر المنصة الإلكترونية. وهو ما أثنى عليه الصرافون. أي أنه سيُعاود بيع الدولارات إلى الصرافين ومعهم المصارف بحسب القرار الجديد. ومن المُفترض أن يبيع مصرف لبنان الدولارات للصرافين والمصارف بسعر منخفض عن سعر السوق السوداء (وهو حالياً 3850 ليرة) ليتم بيعه بسعر متقارب (وهو حالياً 3900 ليرة ومرشّح للرفع). لكن يبقى السؤال من أين سيأتي مصرف لبنان بالدولارات التي سيعمل على ضخها عبر المنصة، بالنظر إلى استنفاد الاحتياطات الأجنبية؟

ما يسعى إليه مصرف لبنان، أو بالأحرى ما أعلنه اليوم من بعبدا، ليس سوى تكرار لمشهد سابق أثبت فشله، مع فارق واحد، هو إشراك المصارف بعملية استغلال ضخ الدولارات كما هو الحال مع الصرافين. فلا دولارات جديدة ولا ثقة للمواطنين بالسلطات في لبنان، ومنها السلطة النقدية. من هنا لن يكون متوقعاً ارتفاع المعروض من الدولار والتخلي عنه كملاذ آمن أخير في لبنان.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها