المصدر: صوت لبنان
المسيحيون بعد قرن ونيف على نشأة لبنان الكبير
يراكم المسيحيون التآكل والضمور منذ نشأة لبنان الكبير، بفعل إستقواء المسلمين بالخارج لتقليص نفوذهم، فضلاً عن الأخطاء الإستراتيجية والخطايا التي وقعوا فيها أو إرتكبوها بحق أنفسهم. نذكر منها بعضاً عبر المحطات الرئيسية – المفصلية :
١- إبرام الميثاق الوطني لسنة 1943 الذي رمى الى الحدّ من استئثار الطوائف المسيحية بالسلطات الدستورية، وفق دستور 1926، وتوزيعها بالعرف الدستوري على الطوائف الثلاث الكبرى، الموارنة والسنة والشيعة.
٢- تحت الضغط السني وتعاطف المسيحيين تمّت إستضافة اللاجئين الفلسطينيين الوافدين من أرض فلسطين سنة 1948، إثر الحرب التي شنّتها الدول العربية ضد دولة إسرائيل في شهر أيار من السنة ذاتها، والمنشأة حديثاً بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 تاريخ 29/11/1947.
٣- ثورة اللبنانيين الناصريين والمنادين بالوحدة العربية ضد نظام الحكم القائم في سنة 1958.
٤- تحت وطأة المقاومة الفلسطينية وتعاطف الشارع السنّي معها تمّ توقيع إتفاق القاهرة 3/11/1969، الذي أجاز العمليات العسكرية من الجنوب اللبناني ضد العدو الاسرائيلي المحتل لأرض فلسطين. ما تسبّب بإحتلاله منذ 14 آذار 1978 وحتى تحريره في 25 أيار 2000.
٥- إنقسام سياسي حاد سنة 1973 في الداخل اللبناني بين المسيحيين والمسلمين المدعومين من الدول العربية، ما حال دون تدخّل الجيش اللبناني لضرب المخيمات الفلسطينية وضبط تفلّت التنظيمات العسكرية التابعة لها.
٦- إنطلاقة الحرب الأهلية في 13/4/1975 التي رمت الى قلب نظام الحكم في لبنان وتوطين الفلسطينيين فيه، في ظل المطالب الإسلامية ومشروع الغاء الطائفية السياسية للحركة الوطنية.
٧- وقوع مجزرة إهدن، في 13/6/1978، على خلفية إنقسام المسيحيين بين التحالف مع سوريا من جهة، والتحالف مع إسرائيل من جهة مقابلة، والذي أدّى الى انشطار وحدة جبل لبنان المسيحي.
٨- وقوع مجزرة الصفرا، في 7/7/1980، ضد حزب الوطنيين الأحرار، على خلفية توحيد بندقية المقاومة اللبنانية، والتي أضعفت البنية العسكرية والسياسية للجبهة اللبنانية.
٩- حرب الجبل التي وقعت بين المسيحيين والدروز، ما بين كانون الثاني 1983 و شباط 1984. والتي، وإن تعدّدت أسبابها وتشعّبت ظروفها، كان لها أبعد الأثر المدبَّر والمقصود لتقليص الحضور والنفوذ والانتشار المسيحي في قضاءي عاليه والشوف، بفعل التحالف السوري الدرزي الشيعي والفلسطينى ضدهم.
١٠- إطلاق يد المقاومة الوطنية في الجنوب لتحريره من إحتلال إسرائيل للشريط الحدودي الذي أنشأته فيه، إثر إسقاط إتفاق 17/5/1983 بضغط من النظام السوري.
١١- إبرام الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية برئاسة إيلي حبيقة للإتفاق الثلاثي المزمع تنفيذه برعاية سورية، في 28/12/1985. غير أنه ما لبث أن تمّ إسقاطه على يد مجموعة قيادية معارضة له من القوات اللبنانية ذاتها بقيادة الدكتور سمير جعجع، في 15/1/1986.
١٢- حرب التحرير العبثيّة وغير الدستورية التي أطلقها العماد ميشال عون في 14/3/1989 بصفته رئيس الحكومة الانتقالية التي شكّلها الرئيس أمين الجميل في اليوم الأخير 22/9/1988 من ولايته الرئاسية.
١٣- بفعل تلك الحرب، تمً إقرار دستور الطائف، في 21/9/1990، الذي نزع السلطة الاجرائية من رئيس الجمهورية وحوّلها الى مجلس الوزراء مجتمعاً، كما ومنح المناصفة للمسلمين في المجلس النيابي.
١٤- حرب الإلغاء العبثيّة وغير الدستورية أيضاً التي شنّها العماد ميشال عون، في 31/1/1990، على القوات اللبنانية، بحجة معارضته لإتفاق الطائف الذي أُبرم في 22/10/1989 وصُدّق من المجلس النيابي في 5/11/1989، آخذاً عليهم موافقتهم عليه.
١٥- إسقاط المنطقة الشرقية المحرّرة على يد المقاومة اللبنانية من قبل العماد ميشال عون دوماً وتسليمها الى الوصاية السورية في 13/10/1990 بدلاً من تسليمها الى السلطة الشرعية التي إنبثقت عن إتفاق الطائف 22/10/1989.
١٦- دعوة العماد ميشال عون الى مقاطعة الحكم المركزي، بعد لجوئه الى فرنسا في 29/8/1991، وذلك لدورات الانتخابات النيابية من سنة 1992 وحتى عودته من منفاه الفرنسي في 7/5/2005.
١٧- بسط الوصاية السورية على لبنان، منذ 13/10/1990 وحتى 27/4/2005، التي كرّست حكم الترويكا خلافاً للدستور، وتلاعبت بالتوازنات السياسية بين الطوائف، وعدّلت في توزيع المناصب في الفئة الأولى. بحيث أعطت المديرية العامة للأمن العام للطائفة الشيعية، والنيابة العامة التمييزية للطائفة السنيّة.
١٨- مرسوم التجنيس رقم 5247 تاريخ 20/6/1994 الذي نال من التوازن الديمغرافي في لبنان، وعدَّل في موازين القوى الناخبة في الدوائر الانتخابية.
١٩- قانون تملّك الأجانب الذي وسّع إطار تملّك الأجانب وقلّص من مدى الإنتشار الجغرافي للمسيحيين، تبعاً للمرسوم 11614/1969 الذي عُدِّل بالقانون 296/2001.
٢٠- إنفلاش مشروع المقاومة الإسلامية وبسط نفوذها على مؤسسات الدولة وتسخيرها لمقتضيات مشروعها الإقليمي – الخارجي. الأمر الذي تطلّب حلقة إغتيالات، إنطلقت مع محاولة إغتيال الوزير مروان حماده في 1/10/2004، مروراً باغتيال دولة الرئيس رفيق الحريري في 14/2/2005 إمتداداً الى إغتيال كلّ شهداء ثورة الأرز والمعارضين لمشروعها. وليس آخرهم، إغتيال المفكِّر الشيعي المعارض لقمان سليم في 4/2/2021.
٢١- توقيع تحالف إستراتيجي بين حزب الله والتيار الوطني الحر برئاسة العماد ميشال عون بحكم إتفاق مار ميخائيل في 6/2/2006. الذي أعطى غطاءً مسيحياً للمقاومة الاسلامية في لبنان وتزكيةً لارتباطها الإقليمي العقائدي بالجمهورية الاسلامية الايرانية.
٢٢- هو الإتفاق ذاته، الذي سهّل لأن تعلن المقاومة الاسلامية منفردة الأعمال الحربية ضد العدو الاسرائيلي في 12 تموز 2006. والذي رخّص لها بأن تتبجّح بأن حربها ضد ذلك العدو كانت نصراً إلهيّاً كاسحاً.
٢٣- كما تمّ، بعد ذلك، التفاف تلك المقاومة على تطبيق القرار الأممي 1701/2006، لفترة إمتدت حتى إندلاع عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023.
٢٤- حملة عسكرية قمعيّة من حزب الله وحلفائه ضد تيار المستقبل وحلفائه في المعارضة الوطنية في 7/5/2008.
٢٥- فرض بنود إتفاق الدوحة في 21 ايار 2008، في ضوء العملية العسكرية التي سبقته، والذي عدّل في الممارسات الدستورية وأرسى مصطلحات وأعراف وتفسيرات مخالفة لأحكام الدستور الصريحة والناطقة.
٢٦- وخلص الى تنصيب مرشّح الفريق الممانع العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 ايار 2008، خلافاً لحكم المادة 49 من الدستور.
٢٧- أُدخل البلد في الفراغ الرئاسي ما بين 24 أيار 2014 ولغاية 31/10/2016، تبعاً لترسيخ سوء تفسير للنصوص الدستورية التي تختص بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
٢٨- حتى فرض إنتخاب العماد ميشال عون، مرشّح الفريق الممانع في لبنان، رئيساً للجمهورية في 31/10/2016 لولاية إنتهت في 31/10/2022.
٢٩- شكّلت تلك الولاية غطاءً لمشروع حزب الله والجمهورية الإسلامية الايرانية في لبنان، ما مكّنهما من بناء ترسانة عسكرية إميرية هائلة على الأراضي اللبنانية، ومن فصل لبنان عن محيطه العربي والغربي، ومن إنتهاج سياسات خارجية ومالية أدّت الى تدمير مرتكزاته ومدّخراته وأصوله.
٣٠- إعلان المقاومة الاسلامية منفردة الأعمال الحربية ضد إسرائيل مساندة لغزة في 8/10/2023،
ما ادّى الى تدمير هائل في الجنوب اللبناني وتهجير أبنائه منه وإعادة تمركز الجيش الاسرائيلي فيه.
٣١- إلتفاف المقاومة الاسلامية، الخاضعة لإمرة الجمهورية الاسلامية الايرانية، على إتفاق وقف الأعمال العدائية ضد اسرائيل الذي أبرمته في 27/11/2024.
بحيث يصحّ الاستنتاج بعد قرن على نشأة لبنان الكبير أنه لم يعرف إستقراراً ولا حياداً ولا سيادةً بل تنازعاً متواصلاً على السلطة، ما أدى الى تفسّخ مؤسسات الدولة وشلّ إنتاجيتها وتفشّي الفساد فيها وتكبير حجم أعبائها بفعل الزبائنية السياسية التي تنخرها، حتى بات يقتضي التخلّي عن نظام الحكم المركزي بكل أوجهه المبتدعة منذ الاستقلال، والذهاب للتوّ الى نظام سياسي جديد يستند الى أوسع لامركزية، وفق النموذج القبرصي، حتى يراعيَ التعدّديات السياسة والعقائدية والثقافية والطائفية والمناطقية التي تميّز الشعوب المقيمة على مساحة هذه الجمهورية.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها