play icon pause icon
منى فياض

منى فياض

الأحد ٩ تموز ٢٠٢٣ - 22:08

المصدر: صوت لبنان

المفقودين في سوريا

أثارت قضية المفقودين في سوريا جدلا وانقساما سياسيا وشعبيا، منذ ان قررت الأمم المتحدة إنشاء هيئة مستقلة للتعامل مع قضيتهم، ولتوضيح مصيرهم، واماكن وجودهم.
فما كان من وزير خارجيتنا النشيط إلا ان امتنع عن التصويت لصالح القرار، ضارباً عرض الحائط مصير الآلاف من المفقودين اللبنانيين والمعتقلين في سوريا. تلطى خلف امتناع الدول العربية التي ليس لديها لا مفقودين ولا معتقلين في سوريا لتطالب بهم.
لقد ارتكبت الحكومات اللبنانية على مر السنوات جريمة تجاهلهم وعدم المطالبة باسترجاعهم.
لقمان سليم كان من أوائل من اهتم بقضيتهم بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، ونظم حينها العديد من النشاطات. اذكر انه ابتدرني ذات يوم من نيسان في العام 2008 قائلاً: اذهبي الى الاونيسكو الطابق الأول، هناك معرض. عن ماذا؟ سألت. اجاب شيئا حول المفقودين، اذهبي لتري.
وذهبت.
لم يكن لدي فكرة عن ماهية هذا المعرض، وعندما دخلت القاعة الكبرى في الطابق الاول فوجئت بوجوه تطالعني.. متوالية من الوجوه، مصفوفة متتابعة وموزعة في القاعة على نفس العلو من الجدران. معرض للوجوه، وجوه تشدك عن بعد، وتسألك لماذا أنا معلقة هنا؟
هل هي تقليعة فنية تريد استعراض نماذج من الوجوه اللبنانية، لا بل لتذكيرنا انهم مختطفون.
تسأل نفسك كيف وزعت هذه الوجوه المختلفة وبأي نظام؟ هل بحسب نظراتها: حزينة، فرحة، متفائلة، قلقة او متأملة؟ فتية ام معمّرة.. جميلة ام اقل جمالا..
وجوه، وجوه اكثر من 500 بشري معلقة تنتظر اعترافا بحقها بالحرية.
وجوه تتنوع بين مستطيلة او مستديرة، عريضة او ضيقة ..باسمة، عابسة، حالمة، تنظر اليك او الى البعيد.
وجوه اعتنت بشعرها صففته واطالته او اطالت شواربها او نزعتهما؛ وهناك صورة لشاب اعتنى بوضع احمر شفاه مع احتفاظه بمعالم وجهه الاخرى طبيعية مثل باقي الذكور.
وجوه تحمل أسماء، أسماء متنوعة.. أسماء تتبع تسلسلا ابجديا: عفيش، عون، عوض، عواد، عميرات ، عمر، عياد، عيد، عواضة،عياش، عفيفي، غملوش، فاعور، فارس، فرحات، فزاع، فقيه…
واثنا عشر امرأة موزعات بين مئات الرجال. وجود رمزي لنساء تحاول اكتشاف ما بداخل رؤوسهن، هن هنا لكي يكسرن القاعدة التي تقول بعدم التعرض لهن. واحدة منهن تجاور صبيا، جورجيت العوّ وبقربها سامي العو. لا بد انه ابنها. حسنا قلت لم تعش لكي تقضي بقية حياتها بانتظار عودته او التأكد من هلاكه.
هذه عينة عن المفقودين الذين تريد السلطة الحاكمة التخلص من ذكرهم وذكراهم. فمصلحتها مع النظام السوري أهم وأبقى.
هذه سلطة تشكل تهديداً لحياة المواطنين اللبنانيين.
فبئس سلطة ترمي بمواطنيها الى الجحيم دون ان يرف لها جفن.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها