خضر حسان

الأربعاء ٨ آذار ٢٠٢٣ - 20:09

المصدر: المدن

المكابرة انتهت باعتراف صريح للمصارف: لا سيولة لدينا

لا توافق المصارف على تصنيفها مؤسسات مفلسة. إذ لديها أموال، لكنها غير قادرة على تسييلها. ومع ذلك، فإن الخسائر المسَجَّلة عليها، تكفي للقول بأنه حان وقت اتخاذ قرار ما بين المصارف والدولة. وإلى حينه، تُبرِز المصارف أرقامها في وَجه مودعيها الذين يطالبونها بالأموال، وخصوصاً المطلوبة للتحويل الخارجي. وهذا ما دفع بأمين عام جمعية المصارف فادي خلف إلى حسم مسألة عدم توفُّر الدولار القابل للتحويل.

العجز بالأرقام
“لا سيولة لدى المصارف”، هذه هي الخلاصة التي أعلنها خلف في بيانه يوم الأربعاء 8 آذار. مفنِّداً ما للمصارف وما عليها في الداخل والخارج، بأرقام تقول أن أموال المصارف “موظَّفة كودائع لدى مصرف لبنان، وقد بلغت ما يقارب 86.6 مليار دولار في منتصف شهر شباط حسب ميزانية مصرف لبنان. وودائع لدى المصارف المراسلة وقد بلغت رصيداً سلبياً قدره 204 مليون دولار في 31/01/2023، إذ أن التزامات المصارف اللبنانية تجاه المصارف المراسلة بلغت 4369 مليون دولار، فيما ودائعها بلغت 4165 مليون دولار”. أيضاً توظّف المصارف أموالها في “محفظة اليوروبوند التي أعلنت الدولة التوقف عن سدادها منذ آذار 2020 وقد أصبحت قيمتها بعد تنزيل المؤونات 2.900 مليار دولار. وفي تسليفات للقطاع الخاص بالعملات الأجنبية، وقد تدنَّت إلى 9.785 مليار دولار في 31/01/2023”. وهذه الأرقام، “تبيِّن بما لا يقبل الشك بأن لا سيولة لدى المصارف، أكان من ناحية ودائعها بالدولار المحلي لدى مصرف لبنان، وهي غير قابلة للسحب نقداً أو التحويل إلى الخارج، أم من ناحية أرصدتها السلبية لدى المصارف الأجنبية أو لناحية محفظتها من اليوروبوند غير القابلة للتسييل إلا بما يناهز 6 بالمئة من أصل السعر”.
يرى خلف في حديث لـ”المدن”، أن لا إشكالية في هذا العرض لأن “الأرقام ليست وجهة نظر، والمصارف تقدِّم ما لديها من إحصاءات”. ويوضح أن المقصود من عدم توفّر السيولة هو “فقط الدولار النقدي القابل للتحويل إلى الخارج. فيما السيولة الدولارية للداخل متوفِّرة لدى مصرف لبنان، وتوفِّرها المصارف لعملائها حسب السيولة التي يقدّمها لها المصرف المركزي”.

هروب للأمام
فقدت المصارف مرونتها في التعامل مع زبائنها مذ قرَّرَت استعداءَهم باحتجاز أموالهم. ومع عجزها أمام المصارف الخارجية وامتناعها عن تحويل الأموال لزبائنها في الخارج، وتقنين الإفراج عن أموال مودعيها في الداخل، إنما هي “تعلن إفلاسها”، حسب توصيف الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي الذي يؤكّد لـ”المدن”، ضرورة البدء بوضع “خريطة طريق للقطاع المصرفي الجديد. وتتضمَّن تقييم موجودات المصارف وتصنيفها بين موجودات جيّدة وأخرى سيّئة. وتمييز ودائعها بين الشرعية المعروف مصدرها وبين غير الشرعية. كما يجب التدقيق في الودائع غير المستحقّة، أي التي فيها مبالغة في احتساب الفوائد وتوزيع الأرباح”.

البيان ليس مجرَّد عرضٍ للأرقام لزوم الشفافية، بل يحمل في طيّاته اعترافاً بأن المصارف عاجزة. فهي وإن كان لديها أموال، إنما عليها كسور ولا تستطيع الوصول إلى مستحقاتها التي لا تغطّي نسبة العجز المدينة بها للمصارف المراسلة وللمودعين.

تستنبط المحامية في رابطة المودعين زينة جابر، من إعلان المصارف، هروباً للأمام، خصوصاً وأن “القضاء أعاد تفعيل النظر في الدعاوى المقدَّمة من المودعين لتحويل الأموال للخارج، ومنهم الطلاب. وبالتالي، تقول المصارف أنها غير قادرة على التحويل”. وتشير جابر خلال حديث لـ”المدن”، إلى أن الرابطة “حذّرت سابقاً من أن عدم وجود خطة واضحة للتعامل مع الأزمة النقدية والمالية والاقتصادية، سيوصل إلى هذا الوضع الذي حذَّر منه أيضاً صندوق النقد الدولي”.
بالتوازي، إرادة المصارف في كشف فقدانها للسيولة “يستدعي إعلانها لتوقُّفها عن الدفع بشكل رسمي، وبأنها لم تعد مؤسسات ملائمة للتعامل مع الداخل والخارج، وأنها باتت مصارف زومبي”.
لا يعترف القضاء اللبناني حتى اللحظة بأي واقع قانوني مستجِد للمصارف. وبالنسبة إليه، هي مؤسسات ما زالت تعمل وعليها موجبات تجاه عملائها. ويأتي في هذا السياق، قرار قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، هالة نجا، التي أصدرت يوم الاثنين الماضي، قراراً بإلزام بنك لبنان والمهجر بإعادة فتح حساب إحدى مودعاته، والذي كان قد أقفله في نهاية العام 2020 عنوة من دون طلب المودعة، وحوَّلَ قيمة الحساب الدولاري إلى شيك مصرفي مسحوباً على مصرف لبنان. أما عدم تنفيذ القرار خلال مهلة أسبوع من تبلُّغه، فسيرتِّب على المصرف غرامة إكراهية قدرها 10 ملايين ليرة عن كل يوم تأخير في التنفيذ.
وتعوِّل جابر على قرارات قضائية مماثلة لاستكمال المعركة مع المصارف التي “باتت تعلم إلى أين يمكن أن يصل الملف مع استئناف عمل القضاء. فإما أن تنفِّذ المصارف القرارات القضائية بمحبة، أو سنذهب لمواجهة أصعب”. ومع يقينها بأن المصارف “لا تريد التصعيد”، إلاّ أن “لا حلول أخرى سوى الاحتكام للقانون وإقرار خطة شفافة للتعامل مع ما تبقّى من ودائع، وإلاّ ستبقى المصارف في حالة هروب إلى الأمام”.

تنصُّل من المسؤولية
تملك المصارف، بحسب خلف، 4165 مليون دولار. لكنها لا تستطيع التصرّف بها لتلبية طلبات عملائها، لأن ذلك يزيد من عجزها أمام المصارف المراسلة. تريد المصارف إذاً حماية نفسها أمام الخارج، وتلقي في الوقت عينه اللوم على مصرف لبنان الذي لا يؤمِّن السيولة الكافية، وكذلك على المقترضين الذين يسدّدون ديونهم “إما بالليرة أو بالشيكات المصرفية التي تعود لتودع حكماً لدى المصرف المركزي كخيار وحيد فتلقى مصير باقي الودائع لديه. وقد أدت هذه الآلية الخاطئة والمفتعلة من قبل الدولة إلى سداد ما يقارب 28 مليار دولار من القروض منذ بدء الأزمة وحتى اليوم، خسرها المودع من السيولة التي كان يفترض أن تؤول إليه”. ولحَرف العربة عن مسارها الفعلي، أشار خلف إلى أن “أغنياء اليوم هم دائنو الأمس. 28 مليار دولار ربحها الدائنون على حساب المودعين بإهمال من الدولة، حتى لا نقول عن سابق تصور وتصميم”.

ولتبرئة المصارف واتهام الدولة والمودعين، كشف خلف أنه “ثمة رؤساء مجالس إدارات للمصارف لا يملكون أكثر من 10 بالمئة من مصارفهم، فيما تتوزع بقية المساهمات على مساهمين محليين وأجانب أو على صغار المساهمين الذين اشتروا أسهمهم عبر بورصة بيروت”. في حين أن المشكلة ليست في النسب المئوية بل في قبول تحمُّل المسؤوليات كُلٌّ بحسب مساهمته ومسؤوليته، وهو ما ترفضه المصارف حتى الآن.

الثابت أن المصارف لم تعد قادرة على المضيّ بالمكابرة. وهي تقول اليوم بصورة غير مباشرة أنها مستعدة للمرحلة الجديدة، لكن على الدولة أن تعرض ما لديها من شروط ووسائل للمعالجة. وقد أوضح خلف أن “الواقع يظهر بأن على الجهات التشريعية والرقابية دراسة الإمكانات المتاحة لكل مصرف على حدة وهذا ما يتوقع أن تقوم به لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفية العليا، ضمن مشروع إعادة الهيكلة”. ولا تشكِّل السرية المصرفية عائقاً أمام معالجة الأزمة، فمن وجهة نظره، فـ”الأجدى رفع السرية المصرفية عن الجميع في حال كهذه وليظهر الخيط الأبيض من الأسود وتنتفي الانتقائية ليبرأ الصالحون ويجرم المرتكبون؟”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها