فرح منصور

الأربعاء ٢٦ تموز ٢٠٢٣ - 15:10

المصدر: المدن

“النابلسي” أخطر مهرّبي البشر عبر القارات.. إلى إسبانيا

وقف اللاجئ الفلسطيني، الشاب العشريني ابن مخيم الرشيدية، المدعو (هـ.د)، بحقيبة سفر واحدة في المطار برشلونة الدولي في حزيران الفائت، بعدما قامت السلطات الإسبانية بمباغتته بإجراءاتها الأمنية المشددة، تمهيداً لإلقاء القبض عليه بعد تمزيقه لوثائقه الرسمية الشخصية.

ما هي إلا دقائق معدودة، حتّى وجد الشاب نفسه محاصراً بقوات الأمن الإسبانية التي ألقت القبض عليه، لتورطه بشبكة تهريب بشر عن طريق المطارات الدولية، بدءاً من لبنان إلى أميركا الجنوبية فأوروبا، طمعاً بـ”اللجوء السياسي” في الدول الأوروبية.

شبكة تهريب
منذ نحو أسبوعين، استلم القضاء اللبناني استنابة قضائية آتية من العاصمة الإسبانية، مدريد، تُفيد باكتشافها شبكة تهريب بشر مصدرها لبنان، أما زعيمها فهو المدعو “ع.ع” الملقب بالنابلسي (48 سنة)، وهو فلسطيني الأصل والجنسية، ويُقيم شمالي لبنان في مخيم نهر البارد. فما كان من قسم المباحث الجنائية المركزية في وحدة الشرطة القضائية وبالتنسيق مع “انتربول مدريد” سوى التّحقيق في معطيات الاستنابة، وتحديد هويات الأعضاء المشاركين في مختلف الدول المذكورة، وتوقيف الحلقة اللبنانيّة: “النابلسي”.

وأطرف ما في الأمر، أن الموقوف يعرّف عن نفسه بأنه “تاجر خضار”، ولكنه، يُمارس مهنة “تسهيل معاملات السفر” كهواية جانبية منذ عام 2021. بيد أنه تمكن عبر هذه “الهواية” من تهريب العشرات من طالبي اللجوء غير القانوني إلى أوروبا. ليتبين لاحقًا، أن الرجل متعدد الهوايات والمهن. فهو مُهرب بشر منذ عام 1999، أي بخبرة لا تقل عن 24 عاماً بتهريب البشر عبر المطارات الدولية مُقابل عشرة آلاف دولار أميركي. ونتيجة مهنته هذه، فقد تم توقيفه عام 2007 لمدة 9 أشهر، بعدما كان ملاحقاً منذ عام 1999.

في التّفاصيل، تمّ ضبط ما لا يقل عن 25 جواز سفر في منزله. وهذه الجوازات تعود لأفراد من اللاجئين الفلسطينيين إلى جانب عدد من الجوازات اللبنانية، وهي قيد التجهيز لتهريب أصحابها عبر مطار رفيق الحريري الدولي.

السؤال الأهم: كيف تبدأ عملية التهريب؟
في البداية، تبدأ باستحصال المُهرب على هذه الجوازات وبعض الصور الرسمية، ومن ثم يطلب “المهرب” النابلسي من صديقه الموجود في الإكوادور، والمتأهل من امرأة أكوادورية، بإرسال دعوة للراغب بالسفر تهريباً لزيارة الإكوادور مدة شهر مقابل 150 دولار أميركي.

وبعد وصول الدعوة يتم السفر من لبنان إلى الإكوادور، بعد حصول النابلسي على مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي، كدفعة أولى. أما الدفعة الثانية فتحول عبر شركات تحويل الأموال إلى أي اسم في لبنان بعد استحصال الهارب على إقامة في الأكوادور، وذلك لإبعاد الشبهات عن النابلسي، سيما أن الدفعة الثانية هي حتماً له. ولدى وصول الهارب إلى هناك، يقطن في مبنى قديم شبيه بمعمل مهجور لمدة شهر (تماماً كما حصل مع الموقوف الفلسطيني في إسبانيا) الذي تفاجأ لدى وصوله إلى المبنى المهجور بتواجد أشخاص يعيشون تجربة التهريب نفسها.

وبعد حجز النابلسي للهاربين تذكرة سفر عبر شركة أثيوبية من لبنان، تنطلق الرحلة من لبنان إلى أثيوبيا-أديس أبابا ومن ثم إلى البرازيل، وتحديداً ساوباولو، ثم الإكوادور. فيُقيم الهارب مدة شهر هناك وبعد حصوله على الإقامة، يحجز للرجوع إلى لبنان أو المغرب، وذلك كي يضطر إلى المرور عبر نقطة التوقف في دول أوروبية، وخصوصاً إسبانيا، وهناك يُنفذ توصيات النابلسي التي حفظها عن ظهر قلب، فيمزق وثائقه الشخصية كجواز السفر ويحتفظ ببطاقة اللاجئ، التي عبرها يتقدم بطلب لجوء سياسي في إسبانيا، بحجة الاضطهاد والظروف الأمنية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها على الأراضي اللبنانية.

تهريب أطفال أيضاً
في المقلب الآخر، تذكر مدريد وجود حالات مشابهة وممثالة جداً تكررت في الآونة الأخيرة على متن رحلات جوية آتية من عمان، حيث أقدم عدد من اللاجئين على طلب لجوء سياسي في إسبانيا بعد تمزيق وثائقهم الرسمية.

اللافت بشبكة تهريب النابلسي أنّه محترف في مهنته ويمتلك خبرة واسعة في هذا المجال، فقد سهل تهريب أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم 3 سنوات. وتبين لـ”المدن” أن أكثر الأفراد الذين قام بتهريبهم هم من مواليد 1999، 2000، 2005، 2019، 2021. وهم من مناطق متنوعة ومنها: طرابلس، مخيم البداوي، نهر البارد، سُحمر، والريحانية.

من المؤكد اليوم، أن هذه القضية ليست الأولى في لبنان، وحتماً لن تكون الأخيرة، من قوارب الموت للتهريب عبر الحدود، وصولاً للتهريب عبر المطارات الدولية.

ومن الضروري القول أن شبكات التهريب هي شبكات غير آمنة وتعرّض حياة الراغب بالهجرة غير الشرعية للخطر مقابل المبالغ الطائلة التّي يدفعها. كمثل النابلسي الذي يصنف ويعتبر من “أهم” مهربي البشر في لبنان، وأكثرهم خضرمة وخبرة في مهنته، التي حصد فيها ثروات خيالية وخبرة “دولية”. وعسى أن تُستكمل الجهود القضائية للكشف عن سائر الشبكات وتفكيكها، حرصاً على الأفراد الراغبين بحياة أفضل، وتجنباً لأن يبتلعهم البحر أو يُعتقلوا في الخارج بصفتهم مجرمين أو متورطين بأعمال جرمية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها