مايز عبيد

الأثنين ٣ تموز ٢٠٢٣ - 18:36

المصدر: المدن

النزاع بين فنيدق وعكار العتيقة يعود إلى الواجهة أيضاً

يبدو أن في لبنان، مسألة ترسيم الحدود البحرية والخارجية، أسهل بكثير من ترسيم الحدود في الداخل بين المناطق اللبنانية. وهناك أمثلة وشواهد عدة على خلافات حدودية بين مناطق لبنانية، عمرها عشرات السنين ولم ينجز حلها إلى اليوم.

خلاف مزمن
فبين النزاع الحدودي في لاسا الجبيلية، والنزاع على القرنة السوداء بين الضنية وبشري، يبرز أيضاً كل مرة النزاع على القموعة بين بلدتي فنيدق وعكار العتيقة. وهو خلافٌ مزمن يقال بأنه يعود إلى أكثر من 50 سنة. إذ يدّعي طرفي الخلاف ملكيته لمنطقة القموعة وأحقيته بها، في حين أن الأجهزة القضائية والأمنية، والتي طرحت أمامها هذه القضية أكثر من مرة، لم تعط الكلمة الفصل بشأنها. ولم تقم بإيجاد نهاية لهذا النزاع، الذي يعتبر جرحاً نازفاً في جسم عكار كلها. والقموعة هي عبارة عن مساحة طبيعية من الجبال والغابات والأشجار عمرها مئات السنين، ومنطقة تتميز بجمالها الطبيعي، وتعدّ منطقة سياحية بامتياز أقيمت في نطاقها عدد من المشاريع الاستثمارية.

وبين الفينة والأخرى يتكرر النزاع ويأخذ طابع العنف، ويؤدي إلى خسائر بشرية من الطرفين، ليبقى التوتر مسيطراً. قبل نحو السنتين اشتعل الخلاف وحصلت اشتباكات بين الطرفين وأدت إلى مقتل رامي البعريني من فنيدق وعلي ميتا من عكار العتيقة. تشكلت على إثرها لجنة صلح مؤلفة من نواب ومشايخ وفاعليات مختلفة، في مسعى لإيجاد حل يرضي الطرفين، ويسحب فتيل الأزمة. لكن الأمور وإن هدأت نسبياً على الأرض من الناحية الأمنية، فهذا لا ينسحب أبداً على الحروب الإلكترونية المشتعلة بين الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي. وكل جهود الوساطة من لجنة الصلح الحالية، والتي كان لها تحرك جديد قبل أيام أو قبلها، لم تتمكّن من التوصل إلى صيغة حل، وبقيت الأمور مدار تنازع.
يشير عدد من أهالي فنيدق لـ”المدن” بأن “إطلاقاً للرصاص حصل قبيل عيد الأضحى من جهة عكار العتيقة باتجاه القموعة. والهدف منه ترويع الناس وقاصدي المنطقة لأجل السياحة، في مسعى منهم لتخريب الموسم السياحي والحركة التي كنا نتوقعها في فترة العيد”. ولدى سؤالنا لأهالٍ من عكار العتيقة عن هذا الأمر، أشاروا بالنفي، وبأن البلدة “تتلقى باستمرار رشقات الرصاص مصدرها فنيدق”.

مقتل أحمد درويش
قبل أيام عُثر على شابٍ مقتولاً بالرصاص وبطريقة غامضة، تبيّن أنه أحمد درويش من عكار العتيقة. وأظهرت التحقيقات الأولية كما الصور بأنه كان مسلّحاً. الجريمة أعادت الاحتقان من جديد بين البلدتين. أما المنطقة التي وُجد فيها القتيل، فيقول كل طرف من الطرفين بأنها تقع ضمن نطاقه الجغرافي في القموعة المتنازع عليها. مختار عكار العتيقة مشهور العك يبرر في حديث لـ”المدن” وجود السلاح مع المقتول درويش بالقول: “إنه من الأشخاص الذين كلّفتهم البلدية بحماية وحراسة أحراج عكار العتيقة من القطع الجائر”، في حين أنّ أهل القتيل يشيرون إلى أنهم “يريدون الإسراع بالتحقيقات من أجل كشف حقيقة مقتل ابنهم بهذا الشكل”.

رئيس بلدية فنيدق الشيخ سميح عبدالحي، قال لـ”المدن”: “نحن أصدرنا كفاعليات في فنيدق من أول لحظة بياناً أدنا فيه الجريمة واحتكمنا إلى الدولة، وننتظر التحقيقات أيضاً. وإذا كان الفاعل من فنيدق يجب أن يعاقب، وإن كان من عكار العتيقة يجب أن يعاقب.. وإن كان طابوراً خامساً، فنحن وعكار العتيقة سنتحد في وجه الطابور الخامس”. ودعا عبدالحي إلى عدم استباق نتائج التحقيق قائلاً: “إذا كان المقتول مكلّف بالحراسة من قبل البلدية، فلماذا لم يقل ذلك رئيس بلدية عكار العتيقة، ولماذا لم يذكر من هم الأشخاص الآخرون المكلّفون بالحراسة أيضاً؟ فمن الطبيعي ألا يكون وحده في مثل هذه الحالة”.

لجنة الصلح
دفنت عائلة أحمد درويش إبنها. وبانتظار التحقيق، عاودت لجنة الصلح نشاطها مجدداً، وزارت عكار العتيقة يوم الأحد الماضي، فقدّمت التعازي بالراحل، ووعدت بأنها ستبدأ اعتباراً من يوم الإثنين (اليوم)، سلسلة اتصالات ولقاءات مع معنيين في الدولة وفي البلدتين أيضاً، من أجل وضع تصوّر نهائي للحل، يؤدي إلى إنهاء الأزمة المزمنة. وإذا كان البعض لا يرى من وراء عمل هذه اللجنة أي نتيجة تذكر، بما أنها لا تملك الحل ولا القوة لتطبيقه، فإن طرفي النزاع بالمقابل يؤكدان أنهما يثقان بالجيش اللبناني وقيادته، لأن تقود مسعى لوضع حد للنزاع، بشكل علمي، مع الاحتكام إلى قضاء عادل وغير مسيس، ووضع أي تدخّل سياسي في القضية جانباً. فرئيس بلدية فنيدق سميح عبدالحي، يرى أن “وجود الجيش في القموعة لن يكون للفصل بين البلدتين، إنما سنعتبره من أجل الجمع بيننا. وكلنا ثقة بالجيش ليضمن الحق ويؤمّن العدالة”. كذلك يطالب مختار عكار العتيقة مشهور العك بأن “يأخذ الجيش اللبناني زمام المبادرة لإنهاء مشكلة مزمنة ونريد لها حلاً يحفظ الحقوق لأصحابها”.

وبين من يقول بأن نزاع القموعة بين فنيدق وعكار العتيقة مسألة مستعصية على الحل لتمسّك كل طرفٍ بأوراقه وثبوتياته وأحقّيته، وبين من يرى بأن الجيش اللبناني هو الأقدر على إيجاد الحل، ثمة من يرى بأن الدولة وأجهزتها لا تريد حلاً للقضية، ولو أرادت لفعلت ذلك منذ زمن.. فهؤلاء يعتبرون بأن الدولة ولغايات سياسية تترك نقاطاً ساخنة من مكان إلى آخر، تلجأ إلى إشعال فتيل التوتر فيها كلما دعت الحاجة السياسية لذلك.
يبقى بين هؤلاء جميعاً التعويل على حكمة أهالي عكار جميعاً، وعلى وعيهم لتجنيب مناطقهم أي فتنة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها